كم قدحًا احتاج دريدا أن يشرب

في ساحة وسط البلد 

يقترب الخريف كعجوزٍ منهكة

تلقي بيدها الثقيلة على كتفي 

فنجرجر أرجلنا على مهلٍ 

ونصعد معًا أعلى التل.

المطر ثـقيل في ثيابي

تسحل أقدامي البطيئة الشارع المبتل

تتـثاءب الأشجار حولي

وأنا أخبط الماء 

كفأرٍ سمينٍ وقع في جاطٍ من حليب.

عند طرف الحديقة

أقف تحت إشارة المرور

كورقة صفراء ترقص على الإسفلت

وتغني اسمكِ في أذن المطر

أعلى التل في مدرسة اللاهوت

أستلقي على الحشيش بجانب الله 

ونتساءل كم قدحَ بيرة 

احتاج دريدا أن يشرب

ليفهم أنّ َالجنس لغز 

والموت عطية؟

أداعب أفكارك في ظل الجدار

حين يربض العالم كبومٍ

فوق قرميد قلبي 

أقول لساكن السماء: 

هو الليل هكذا يا صاحبي

مرآة بلا لون

نسكب عليها اسوداد الزمان

حيث أقف متوسلًا 

أن تصل بي إلى آخر السرداب

وأنت بالكاد تدسّ أصابعك 

في جيب معطفك لتجد لي بداية.

ما خطب أحداقي تفضل النعاس

أم أنها تخطف الأيام 

وتحشرها في الزاوية الضيقة

من بيت المخدة: 

تريح رأسك العجوز عليها 

ويظل رأسي واقفًا 

يداعب بنات أفكارك 

في ظل الجدار. 

صبرٌ جميلٌ أردافه مستديرة

كتلك الطاولة التي جلسنا عندها 

نحتسي أنا وأنت آخر نظرياتنا في الحياة 

ونسرُّ لبعضنا ردات فعلنا 

حين يطول بالناس 

طريق العودة إلى أنفسهم.

أراهنك بأنني بعد ثالث كأسٍ 

أقدر أن أمرِّر غضبي من خرم قميصك

دون أن تتبلل لحيتك

وأنني أستطيع أن أموتَ على مهلٍ 

دون أن تفارقني الحياة 

وأنني مع بعض الجهد 

أستطيع أن أبتلع قدحين آخرين 

وأتلوى من الوجع 

تحت وجهٍ يطفحُ بالسعادة 

ثم أتباهى أنني بشر 

يحب أن يحتسي 

معكَ الحياة..

بعين نصف مفتوحة

"أكون أو لا أكون"

ليس لكِ بسؤال.

"أن أصل متأخرًا 

خير من أن لا أصل أبدًا"

ليس لي بجواب.

أن تكوني واحةً في صحراء قلبي

إجابةً بحثت لها عن سؤالٍ

في مهاجع الملائكة،

وجيوب بنطال الله المعلق على مشجب العالم.

ذاك السؤال المبهم، 

الذي كلما غمرني بذراعيه وشدني إلى صدره،

تُهتُ أكثر. 

نسبح في الفراغ 

كسهمٍ يرتطم بالدريئة المستديرة

ويرسم ابتسامة بلهاء على وجه رامٍ

جاء يغسل تعاسته بقدح شراب.

مطّي ذراعكِ ما شئتِ

وبعين نصف مفتوحة دققي التصويب.

لن يصيب سهمكِ بأية حالٍ

سوى تفاحة صدري.

في الليلة الماضية

لعبت مع الله بالسهام

ونحن نعبّ البيرة حتى الفجر

ونزعم أنَّ دموعنا قطرات عرقٍ 

زربت من جباهنا اللاهبة.

خسر كلانا اللعبة في النهاية

فسهامنا لم تجد طريقها 

سوى إلى إيماننا بالحب..

* مقتطفات من كتاب بالعنوان نفسه، يصدر قريبًا عن منشورات المتوسط

اقرأ/ي أيضًا:

أمير أمويّ في مستشفى هداسا

رسالة متأخرة