في العرض الخاص بالثامن من آذار، ممثلةٌ على المسرح تؤدي دور مُزارِعة. والجمهور الذي لم يعتد مشاهدة سوى ما تهوى نفسه يتخبط ما بين الاستغراب والفضول، الاستنكار والتأكيد:

امرأةٌ مُزارِعة، تزحفُ بذعرٍ إلى منتصف الأربعينات من العمر، تتأمل ما انقضى من حياتها، فتكتشف في لحظة فزع أنها أفنت سنواتها الماضية في رفع سلّتها الفارغة إلى السّماء كي تملأها الأخيرةُ بما تشاء، في حين كان كل المزارعين الذكور حولها يغرفون في سلالهم ما يشاؤون ممّا سعوا إليه وأرادوه.

إنهن "النسويات"... تتعالى عبارات التذمّر من جمهور العرض المسرحي، تحديدًا من الرجال الذين ملّوا المسرحيات من هذا الصنف، التي يرون أنها تبالغ في تصوير النساء كحِملان مسلوبة الارادة. وفي غمرة استنكارهم لما يشاهدون، يبدؤون بالانسحاب الواحد تلو الآخر إلى خارج صالة المسرح. في هذا الوقت، تظلّ النساء جالساتٍ، يتابعن بطلة المسرحية بانجذاب. من نافل القول إنهنّ يجدن في ما تُصَوّرُ ما يضربُ على الوتر الحسّاس لكل واحدةٍ منهن.

تُذكّرهنّ هذه المُزارعة بسلالهن التي ملأتها السماء بما تهوى، هذا في حال كانت السماءُ ملأتها بشيء! تستفزّ في أرواحهن حسرة أنهنّ لم يحظين بفرصة رمي، ولو حبة بازلّاء واحدة يشتهينها، في هذه السلال التعيسة.

في منتصف العرض المسرحي، صرخة احتجاج مدوّية تُطلقها المزارعة، تهزّ بها أركان المسرح ونفوس المُشاهِدات، فتُربكهن وتقطع تَلاحُق حسراتهن وعَبَراتهن. وفي تصرّفٍ غيرُ منسجمٍ مع ذاتها الضعيفة، تقرر المزارعة أخيراً أن تُنزلُ ذراعيها بالسلة من وجه السماء، ثمّ تغذّ الخطى إلى الحقل مثل بقية المزارعين، تقطفُ بكفيها من ثمره، وتملأ سلتها بما تشاء.

كان يُفترَض بهذا المشهد من المسرحية أن يكون قابلاً للتوقّع، مع هذا، ها هو يسبّب مفاجَأةً للمُشاهِدات، ويرفعُ من ضجيج وشوشاتهن في عتمة الصالة.

في هذه اللحظات، وفي صدور هؤلاء النساء الجالسات على المقاعد، المتابعات انسياق المزارعة وراء إرادتها الحُرة لأول مرةٍ في حياتها، تبدأ بالنموّ رغبةٌ عميقةٌ بأن تهوي بلطةٌ ما من سقف المسرح على الذراعين الطليقين للمزارعة، فتبترهما. ومن تحت الظلّ الثقيل لهذه الرغبة الآخذة بالتعرّش فوق رؤوسهن مثل نبتةٍ شيطانية، يبدأن بالانسحاب هنّ أيضاً من الصالة، الواحدة تلو الأخرى، من غير أن يقدرن على متابعة المسرحية إلى ختامها. فكل مشاهد إرادتها المسلوبة، لم تكن لتثير فيهنّ الاستفزاز الذي أثاره مشهدُ المزارعة وهي تمنح نفسها حقّ تقرير ما يكون في سلّتها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شكاوى اللغة إلى ساكنيها

ثمن الهواء