تحلم راما بدخول كلية الموسيقى والدراما في السودان وتشعر بأن روحها المتمردة لا يمكن أن تهدأ إلا على خشبة المسرح. لكن الفتاة ذات العشرين ربيعًا اصطدمت برفض الأسرة، الذين استندوا، في موقفهم، إلى كون الحكومة السودانية لا توفر وظائف لخريجي الموسيقى والدراما. وفي النهاية تمردت راما وقررت أن تدرس ما حلمت به لسنوات فهالها حجم الخراب والبؤس والواقع المتهالك.

في سنة 1969، تم افتتاح كلية الموسيقى والدراما في السودان، وكانت تتبع وزارة الثقافة مباشرة، وتحظى باهتمام بالغ، وقد قدمت للساحة السودانية عمالقة الموسيقى والدراما. واليوم بعد مرور أكثر من أربعين عامًا على إنشائها، تدهور الذوق الفني إلى حد بعيد، واختفت الدراما السودانية المميزة من المسرح والتلفاز، وتفاقمت معاناة طلاب الكلية.

اقرأ/ي أيضًا: جامعة الخرطوم..البريق المفقود

في الحقيقة، شهدت كلية الموسيقى والدراما أكثر من أزمة، أشهرها حركة اعتصامات الطلاب في العام 2009. كانوا ينشدون تهيئة المكان وتوفير التجهيزات الضرورية ومنح الكلية استقلاليتها. فقبل ذلك التاريخ، كانت الكلية ذات إسهام وافر في الحركة الفنية وتأسس بمجهود أساتذتها وطلابها معهد الفنون بجيبوتي سنة 2004 لكن أصابتها لعنة السياسة، وأُتبعت قسرًا بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، فتراجعت إلى أدنى اهتمامات إدارة الجامعة من حيث الصرف المالي، ويعاني طلابها اليوم نقصًا في عدد الأساتذة والمعدات وتجاهل تام لمشاريعهم.

كانت كلية الموسيقى والدراما ذات إسهام وافر في الحركة الفنية السودانية قبل أن تصيبها لعنة السياسة

يرفض عميد كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان فضل الله أحمد عبد الله تحميل الكلية مسؤولية ما آلت إليه الساحة الفنية بالبلاد. يقول لـ"ألترا صوت": "ليس صحيحًا ما يتردد عن انهيار الكلية، فقد مرت بمشاكل ولكنها لا تزال مؤثرة بشقيها الموسيقي والدرامي، أما بخصوص تمويلها فميزانية طالب الموسيقى والدراما أكبر من ما يتطلبه أي طالب جامعي أخر".

ويرفض فضل الله تحميل الكلية أزمة تدهور الدراما السودانية خلال السنوات الأخيرة، ويشير إلى أن "المشكلة تكمن في الإنتاج، ونتيجة للأوضاع المالية المتردية لتليفزيون السودان، وهو الجهة الوحيدة التي تنتج الأعمال الدرامية وتسوقها، فهو يضطر إلى شراء المسلسلات العربية عوضًا عن إنتاج أعمال سودانية خالصة".

تخرّج من كلية الموسيقى والدراما بالسودان العديد من الفنانين الذين تركوا بصمتهم في الداخل والخارج، ومنهم الفنان أبوعركي البخيت، ومصطفى سيد أحمد، وعقد الجلاد، والبلابل، وعبد القادر سالم، مرورًا بالموصلي وطارق أبوعبيدة. أما في مجال المسرح والدراما، فقد تخرج منها معظم الممثلين كعبد الحكيم الطاهر، فيصل حسن سعد، جمال عبد الرحمن وأبوبكر الشيخ.

يضيف فضل الله: "من يريد أن يدخل كلية الدراما والموسيقى ينبغي أن يتوفر عنده الاستعداد الفطري وبعدها تقوم الكلية بصقل وتنمية هذا الاستعداد وتوجهه في المنحى الصحيح".

يضطر جزء من خريجي كلية الموسيقى والدراما إلى تغيير اهتمامهم بعد سنوات الدراسة

يطرح الشارع السوداني عدة أسئلة بخصوص مستقبل طلاب كلية الدراما والموسيقى وما ينتظرهم بعد التخرج. يشير الواقع إلى فراغ مهول إذ أنه لا تتوفر بنية تحتية تستوعب هذه المواهب فالمسارح متهالكة، وتغيب العروض الجديدة المتميزة وتروج الموسيقى التجارية وتحظى أغاني حفلات الزواج برواج أكبر من الأعمال الفنية الجيدة. ولا ترعى الحكومة المهرجانات ويضطر جزء من خريجي الكلية إلى تغيير مسار اهتمامهم بعد سنوات الدراسة.

في الماضي القريب، كان اجتياز امتحان القدرات لدخول كلية الدراما والموسيقى عسيرًا. أما الآن صار القبول مباشرة عبر مكاتب التعليم العالي. يقول الكثيرون إن بوادر تدهور المجال كان مع إيقاف معهد الموسيقى منذ سنوات ومثل ذلك بداية الإجهاز على مشروع يحتفي بالفنون والجمال. في هذا السياق، يعلق فضل الله: "يرشح مكتب القبول بالوزارة الطلبة لكن الكلية تمتحن قدراتهم ومواهبهم وإن لم تعثر في الطالب على رغبة وموهبة تعيده إلى مكتب القبول للنظر في وضعه". ويعترف فضل الله أن "للكلية دورًا اجتماعيًا مفقودًا" وأن "عليها المساهمة في خلق حيوية في المجال الفني في السودان".

اقرأ/ي أيضًا: السودان.. اغتراب طلبة المدارس الأجنبية