"سِيدْنا رْمْضَانْ وْصْلْ"، بهذه التسمية الشفيفة يستقبل أهل المغرب شهر الصيام، يستعدون له بأسابيع، فرائحة ماء الزهر تفوح من نوافذ المنازل، والأسواق تُنير مصابيحها الملونة، وأفرنة الحي تُدفئ بيوت نارها مُعلنة بقرب سطوع هلال الشهر.

يعتبر طبقا "سلو" و"الشباكية" طقوسًا رمضانية مغربية بامتياز، لا تخلو منهما مائدة إفطار، وتعدها كل أسرة بالكيفية والكمية التي تناسبها

يعتبر شهر رمضان لدى المغاربة شهرًا مقدسًا على مستوى العبادات الدينية، وكذا الطقوس والممارسات الاجتماعية، إذ تتفنن البيوت فيه في عمل أشهى الأكلات التقليدية تمسكاً بتقاليد الأجداد وعاداتهم.

اقرأ/ي أيضًا: اللباس التقليدية يزين المغاربة في رمضان

يذكر أن المطبخ المغربي، احتل المرتبة الثانية عالميًا متفوقًا على المطبخين الفرنسي والإيطالي العريقين، وذلك في قائمة أفضل وجهات الطعام لموقع "Worldsim" البريطاني المتخصص في السفر والرحلات.

رائحة الزهر

على غرار معظم الشعوب المسلمة حول العالم، يبدأ المغاربة استعدادهم لرمضان منتصف شعبان، فكل البيوت وبدون استثناء تحضر طبق "سلو"، وهو خليط بين الدقيق المحمر واللوز المقلي والسمسم وماء الزهر والسكر والمعجون بالزبدة، بالإضافة إلى "الشباكية"، الحلوى المعجونة بالدقيق واللوز والسكر وتقلى في الزيت، وتطفى في العسل.

الشباكية
الشباكية

ويعتبر طبقا "سلو" و"الشباكية" طقوسًا رمضانية مغربية بامتياز، ولا مائدة إفطار رمضانية بدونهما، وكل أسرة تعدهما بكيفية وكمية مختلفة، بحسب إمكانياتها. لكن الجميع يحرص على تحمير الدقيق في فران الحي، وإعداد العسل في البيت حتى تلتصق بالأماكن "ريحة رمضان".

أيضًا، لا تخلو المائدة الرمضانية المغربية من فطائر متنوعة أشهرها فطيرة "لمسمن"، وهو طبق يُعده أهل البادية بطريقة تقليدية، يمزجون فيها الدقيق بالماء والملح. ويدلك ويُرقق، ثم يُشكل مربعًا أنيقًا، يقلى في زيت قليل على نار الحطب، ويُقدم للأكل.

ويتميز المطبخ المغربي بتنوعه الاستثنائي، فتشابك الثقافات جعل من كل جهة في المملكة متميزة عن الأخرى، ففي الشمال مثلًا، تجد أطباقًا أندلسية تُعِدها أُسر موريسكية هاجر أجدادها بعد سقوط غرناطة إلى مدن طنجة وشفشاون وتطوان. أما الجنوب فهم أهل "الجمل" يفضلون لحمه وشحمه وحليبه، يُهزون لضيوفهم بجذع النخل المنتصب في الواحات. وأيضًا، للثقافتين الأمازيغية والبدوية تأثير كبير على المائدة المغاربية الرمضانية.

في تقرير سابق لها بمناسبة شهر رمضان، وصفت الإندبندنت البريطانية المطبخ المغربي بأنه "أحد أكثر المطابخ تفضيلًا على سطح الكوكب"، فهو المتميز بأطباقه وانسجام توابله، وأيضًا بلذة الأصناف التي يقدمها.

ويحرص المغاربة على مزج الحلو والمالح في الأطباق الرمضانية، فللمادتين رمزية كبيرة في المخيلة الشعبية لدى أهل المملكة: الملح، هذه المادة البيضاء التي تعتبر رمز الخصوبة، وتوضع في يد العروس قبل دخولها بيت زوجها، أما السكر فهو "الحلو" ومنه أُقتبس الدعاء الشعبي الشهير "الله يحلّي أيامك".

البسطيلة
البسطيلة

ومن بين أشهر الأطباق التي تمزج بين الحلو والمالح، طبق البسطيلة الشهير. وتُعتبر البسطيلة طبقًا فاسيًّا تقليديًا أصيلًا، أعده أحفاد مولاي إدريس الأول مؤسس مدينة فاس لأول مرة. استعملوا فيه اللوز المطحون مع السكر، والدجاج المتبل بالزعفران الحر، والبيض المقلي في البصل. يلف الجميع في ورق البسطيلة ويُزين بالسكر الناعم والعسل.

الشاي.. عراب المائدة

لا يتخلى المغاربة أبدًا عن وجود براد (إبريق) الشاي فوق المائدة الرمضانية، فهو المشروب الوطني رقم واحد. يُقدم ساخنًا برغوة بيضاء تعتليه، كلما كانت سميكة، كلما كانت جودة الشاي وبراعة معده أفضل.

وفي المشروبات دائمًا، تحرص الأسر المغربية على إعداد شوربة الحريرة، التي تعتبر بدورها من الأطباق التقليدية البسيطة والمنتشرة بشكل كبير في المغرب، والتي لا تفارق المائدة المغربية طوال شهر رمضان الكريم، ففيها يمزج عصير الطماطم والحمص والعدس والمعجنات السميكة والماء المغلي والبيض وخليط الدقيق والماء.

وتعوض بعض الأسر المغربية الحريرة بأنواع أخرى مثل حساء "تيخدوخين"، الذي يعده أهل الراشدية تافيلالت، ويتم إعدادها من القمح الكامل، وتمزج بالسمن أو زيت الزيتون وتزين بنبتة الشيح.

الحريرة

للطاجين أيضًا مكانة كبيرة على مائدة الإفطار الرمضانية، فلكل منطقة طريقة لتحضير الطاجين، فأهل سوس يرتكزون على الخضر والقليل من لحم الماعز المنسم بزيت الأرَكان، أما الغرب فيفضلون الطاجين باللحم والبرقوق المعسل، أو بالدجاج المحمض بالزيتون والمنسم بالزعفران الحر محلي الصنع.

أيضًا، لا تغادر الحلويات المائدة الرمضانية المغربية، فالمغربيات حريصات على لملمة الدقيق والسكر والعسل واللوز ومعجون التمر لإعداد الحلويات التي تستهلك غالبًا في وجبة السحور، أو الوقت بين الإفطار والسحور.

من بين أشهر الأطباق التي تمزج بين الحلو والمالح طبق البسطيلة الشهير الذي يعد طبقًا فاسيًّا تقليديًا أصيلًا

ومن بين أشهر الحلويات المعدة في شهر رمضان حلوى "مقروط التمر"، و"بليغات" الزنجلان واللوز، ولـ"غريبة"، حلوى البسطاء كما يُطلق عليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

موائد رمضان في لبنان.. العز للتراث والدعوة مفتوحة

5 مشروبات سودانية مميزة لمائدة رمضان