02-فبراير-2024
علم فلسطيني ورجل شرطة ألماني

(Getty) مظاهرة مؤيدة لفلسطين في ألمانيا

تمارس المؤسسات الثقافية والأكاديمية الألمانية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قبل 119 يومًا، قمعًا متصاعدًا ضد الأكاديميين والفنانين والمثقفين والكتّاب الذين يعبّرون عن تضامنهم مع غزة، من الفلسطينيين أو المتعاطفين معهم، ممن ينتقدون الحرب العدوانية التي تشنّها "إسرائيل" عليها، ويدعون إلى وقفها.

الجديد أن هذا القمع، وما يترتب عليه من عقوبات، لم يعد يستهدف فقط من يعبّر عن موقفه من الحرب الحالية على قطاع غزة، بل أصبح يشمل أولئك الذين عبّروا سابقًا عن تضامنهم مع فلسطين، مثل الفنانة والموسيقية والمخرجة السينمائية الأمريكية لوري أندرسون، التي انسحبت من منصبها كأستاذة زائرة في إحدى الجامعات الألمانية بعد اعتراض إدارتها على موقفها التضامني مع فلسطين.

وأعلنت أندرسون انسحابها من منصبها بعد تحقيق أجرته معها إدارة جامعة فولكانغ الألمانية حول موقفها من "إسرائيل" لكونها أحد الموقعين على بيان بعنوان "رسالة مفتوحة ضد الفصل العنصري"، كتبها فنانون فلسطينيون عام 2021، تدعو إلى وقف العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين.

تخوض المؤسسات الثقافية الألمانية حربًا مفتوحة ضد كل ما هو فلسطيني، وكل من ينتقد "إسرائيل"

وكانت إدارة الجامعة قد عرضت على الفنانة الأمريكية المنصب في وقت سابق من كانون الثاني/يناير الفائت، لكنها أعادت النظر في الأمر بعد معرفتها بأمر الرسالة التي وقّعت عليها أندرسون، التي أوضحت من جهتها أن إدارة الجامعة سألتها عما إذا كان موقفها من "إسرائيل" قد تغيّر.  

وقالت لوري أندرسون، في بيان صحفي، إنه: "بالنسبة لي، السؤال ليس ما إذا كانت آرائي السياسية قد تغيّرت. السؤال الحقيقي هو لماذا يُطرح عليّ هذا السؤال أصلًا؟"، وأكملت: "بناءً على هذا الوضع، أنسحب من المشروع".

من جهتها، قالت جامعة فولكانغ: "لقد أصبح من الواضح الآن أنه في عام 2021، دعمت لوري أندرسون علنًا نداء الفنانين الفلسطينيين (رسالة ضد الفصل العنصري)، والذي، من بين أمور أخرى، يلبي دعوات المقاطعة من قبل حركة المقاطعة المناهضة لإسرائيل"، وتابعت: "في ضوء السؤال العام الآن بشأن موقفها السياسي، قررت لوري أندرسون الانسحاب من منصب الأستاذية".

تُضاف هذه الحادثة إلى حوادث أخرى كثيرة مارست فيها المؤسسات الثقافية والأكاديمية الألمانية قمعًا صادمًا ضد الفلسطينيين والمتضامنين معهم، ينفي ما تدّعيه بشأن حرية التعبير التي اتضح أنها تنتهي في ألمانيا عند حدود نقد "إسرائيل".

ومنذ بداية العدوان على غزة، ألغت المؤسسات الثقافية الألمانية عدة فعاليات تضامنية مع القطاع، وعملت على إسكات صوت الفلسطينيين ومنتقدي "إسرائيل"، حيث امتنعت إدارة معرض فرانكفورت للكتاب عن تكريم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي بجائزة "ليبيراتوربريس" عن روايتها "تفصيل ثانوي" بحجة أنها معادية للسامية.

وانسحبت مؤسسة "هاينريش بل" من منح "جائزة حنة أرندت للفكر السياسي"، للكاتبة والصحفية الأمريكية – الروسية ماشا جيسن، وقرّر مجلس شيوخ مدينة بريمن الألمانية إلغاء حفل منح الجائزة، بسبب موقفها من الحرب على غزة، ومقارنتها بين القطاع والأحياء اليهودية في الدول الخاضعة للاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية.

وقبل أيام، قالت الكاتبة البوسنية لانا باستاسيتش، ردًّا على إلغاء دعوتها لحضور مهرجان أدبي نمساوي من قِبل مؤسستين ثقافيتين نمساويتين قامتا أيضًا بإلغاء إقامتها الأدبية، بسبب تضامنها مع غزة؛ إن المؤسسات الثقافية التي تقمع أصوات المتضامنين مع غزة ترى أن الصمت والرقابة هما الرد الصحيح على الإبادة الجماعية في غزة.

ومع تصاعد القمع والرقابة وتحوّل الإلغاء إلى ثقافة سائدة ومهيمنة ضد كل ما يتعارض مع الدعاية الإسرائيلية، تحوّل الأمر من مجرد تساوق مع موقف الحكومتين الألمانية والإسرائيلية، إلى حرب مفتوحة تخوضها هذه المؤسسات نيابةً عن "إسرائيل" ضد كل ما هو فلسطيني، وكل من ينتقد "إسرائيل"، بالتوازي مع تلك التي تخوضها الأخيرة ضد الفلسطينيين في غزة.