22-أغسطس-2016

من جلسات الملتقى

من مفارقات مدينة الجزائر العاصمة أن فضاءاتها التي تحتفي بالأدب والأدباء والفكر والمفكرين والفن والفنانين، كانت خلال الزمن الاستعماري إلى بداية ستينيات القرن العشرين، ثم زمن الحزب الواحد إلى نهاية ثمانينياته، أكثرَ عددًا وتأثيرًا منها الآن، حيث الحرية والتعددية، على الأقل في الواجهة، وفي ظل معطيات موضوعية يُفترض أنها تشكّل عواملَ محفزة، منها استقرار قطاع واسع من مثقفي وكتاب وإعلاميي البلاد في المدينة، وتوفرها على ثلث عدد الأساتذة والطلبة الجامعيين.

تعود الجزائر، عاصمة أكبر بلد أفريقي وعربي مساحةً، إلى ضيقها الثقافي

مع نهاية العشرية الفارطة، استعادت المدينة أنفاسها الثقافية، التي فقدتها بفعل ضغط الآلة الإرهابية، التي حصدت وهجّرت وعزلت المئات من الأصوات الثقافية والأدبية والفنية والإعلامية، من خلال نخبة من المنابر التي بعثتها مؤسسات حكومية وجمعيات مدنية، مثل "المكتبة الوطنية الجزائرية"، و"اتحاد الكتاب الجزائريين"، و"مؤسسة فنون وثقافة" و"الجمعية الثقافية الجاحظية" و"جمعية الكلمة للثقافة والإعلام" و"المسرح الوطني الجزائري"، لكن سرعان ما اختفت هذه المنابر، بانسحاب الوجوه الفاعلة التي كانت تشرف عليها، إما موتًا أو عزلًا أو استقالة أو خيبة، لتعود عاصمة أكبر بلد أفريقي وعربي مساحةً إلى ضيقها الثقافي.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. الصقر الذهبي لـ"أنا أزرق"

في ظلّ هذا الركود، الذي يدين المؤسسة الثقافية الرسمية والنخبة المثقفة معًا، بادر الإعلامي والباحث المتخصص في الإسلاميات سعيد جاب الخير رفقة الإعلامي مهدي بسيكري نهاية عام 2014، بإطلاق حلقة بحث ونقاش أسمياها "ملتقى الأنوار للفكر الحر".

يهدف المشروع، بحسب سعيد جاب الخير، إلى العمل التنويري النظري والميداني، من خلال فتح النقاش في جميع المسائل والإشكاليات التي تهم الشأن الجزائري في جميع أبعاده التاريخية والهوياتية والسياسية والاجتماعية والثقافية والفنية والأدبية والاقتصادية، واستقطاب نخبة من الجزائريين في جميع المجالات والتخصصات، تسهر على إنجاز هذه المهمة في الميدان وضمان استمراريتها. 

وعن المقصود بالتنوير من طرف القائمين على "ملتقى الأنوار"، يقول محدّثنا إنه إعلاء سلطة العقل في مقاربة المعطيات المختلفة مهما كانت مقدّسة، "من خلال طرح السؤال النقدي، فالعصر التنويري هو الذي يكون فيه العقل سلطة، وتشيع فيه الجرأة في طرح السؤال الحر، في مقابل العصر الظلامي الذي يخاف أو يرفض مساءلة المقدس، خوفًا على (إيمانه) من السقوط". يضيف صاحب كتاب "التصوف والإبداع": "التنوير مشروع تغييري فكري واجتماعي يعتمد على النقد والتفكيك والتفكير العلمي المنفتح والرؤية الحافرة في مختلف البنيات، وهو بهذا فعلٌ مدروس على المدى الطويل، وليس ردود أفعال طائشة لمراهقين يُنفّسون عن مكبوتاتهم تحت ضغط الواقع".

يفهم "ملتقى الأنوار" التنوير بوصفه إعلاء لسلطة العقل في مقاربة المعطيات المختلفة مهما كانت مقدّسة

اقرأ/ي أيضًا: "حب وسرقة ومشاكل أخرى".. ملهاة فلسطينية

الملتقى الذي يضمّ في صفوفه باحثين وجامعيين، مثل أحمد دلباني وإسماعيل مهنانة وجهاد شارف وعبد الرزاق نايت العربي، وينشر تفاصيل نشاطاته الفكرية والأدبية على "اليوتيوب" ومواقع التواصل الاجتماعي أيضًا، يقدّم نفسه بديلًا لطروحات الإسلام السياسي التي نرى، يقول سعيد جاب الخير، أنها تنطلق من مواقع متشنجة ومقصية للآخر ولكل ما هو مختلف، والرافضة أساسًا للحرية الفردية والاختلاف". يسترسل: "ننقد المنظومة الدينية التقليدية وصولًا الى رؤية تنويرية نقدية جديدة، لا تلغي الدين وفي الوقت نفسه ترفض حشره في الشأن السياسي الذي يتاجر به".

كشف جاب الخير لـ"الترا صوت" أن هناك خطواتٍ باتجاه تحويل المشروع إلى مركز دراسات استراتيجية، مع الإبقاء على نشاطه الحالي، "حتى تتوسّع دائرة احتكاكه بالدوائر الفكرية والمعرفية، ويكسب روافدَ إضافية تمنحه القدرة على التأثير أكثر". 

اقرأ/ي أيضًا:

مثقفو الجزائر يدينون حلّ جمعية ثقافية

كيم إكلين: الناس يؤكدون أنفسهم عبر رواية القصص