15-ديسمبر-2015

المخرج خالد يوسف (المصري اليوم)

في برنامجه "على مسئوليتي" عرض الإعلامي القريب من الأجهزة الأمنية أحمد موسى، صورًا شخصية لرجل أمام فتيات عاريات، زعم أنها تعود للمخرج خالد يوسف، الذي أصبح نائبا في مجلس النواب، بعد فوزه بمقعد في دائرة كفر شكر، وطالب موسى، الشهير بعداوته الحادة لثورة يناير، من يوسف "توضيح حقيقة هذه الصور". 

الصور المسربة ليوسف، لا تأتي منفردة، فأمس، الثلاثاء، تقدم المحامي سمير صبري -المعروف بكونه مقربًا هو الآخر من الأمن- بدعوى قضائية مستعجلة، أمام محكمة القضاء الإداري، للمطالبة بشطب عضوية يوسف من مجلس النواب، مستندًا في ذلك إلى الصور المنشورة، كما إلى بلاغ كان قد قدمه عميد كلية الآداب بجامعة الاسكندرية، ويتهم فيه يوسف بالتحرش بزوجته، ويرى المحامي أن ذلك يفقد يوسف شرط "حسن السمعة" المطلوب توافره في أعضاء المجلس.

على نهج "الصندوق الأسود"

الإرادة الأمنية لسحق أي أحد وأي شيء يقف في طريقها، تحوّل المجال السياسي، حتى بعد أن أطاحت السلطة بكل أعدائها منه، إلى حقل ألغام حتى لمؤيديها

ليست المرة الأولى التي تريد الأجهزة الأمنية فيها النيل من سمعة مواطنين مختلفين معها فتلجأ لتسريب أشياء تخص حياتهم الخاصة. المذيع الأمني الآخر، عبد الرحيم علي، والعضو الحالي لمجلس النواب عن دائرة الدقي، اعتاد في برنامجه "الصندوق الأسود" إذاعة محادثات هاتفية للشخصيات البارزة القريبة من ثورة يناير، للنيل منهم. هذه المحادثات كانت قد تم تسجيلها من قبل الأجهزة الأمنية، في فترة ما بعد تنحي مبارك، قبل أن تعطيها للمذيع، بعد الانقلاب العسكري، كجزء من تصفية حساباتها مع الثورة، وجزء من حملتها لإكمال تشويه الثورة تمامًا.

المفارقة الساخرة، أن "علي" أعلن، عن طريق صحفته الرسمية على موقع الفيسبوك، تضامنه مع -زميله في المجلس- خالد يوسف واعتبر أن ما حدث للمخرج "لا يقره دين ولا شرع ولا قانون ولا أعراف، فالحياة الخاصة مصانة بحكم الدستور"، لكن التضامن الشكلي لعلي، ربما لا يعدو أن يكون سوى إمعان في السخرية من يوسف، خاصة أنه يأتي بعد تهديد الأول، أنه يمتلك تسجيلات عديدة، لأعضاء في مجلس النواب، تثبت تآمرهم على البلد، وسيخرج هذه التسجيلات إلى العلن، في وقت الضرورة.

مخرج "ثورة 30 يونيو"

الجديد، إذن، في الحملة الأمنية، على يوسف، ليس أنها تنتهك الحياة الشخصية للشخصيات العامة، لكن أنها، وبالتحديد، تستهدف أحد رموز ما يعتبره أنصار السيسي "ثورة 30 يونيو"، فمن أشهر الأحداث في مظاهرات 30 يونيو، قيام خالد يوسف، بالصعود على طائرة عسكرية، وفرها له الجيش، لتصوير حجم الحشود التي خرجت للمطالبة بالإطاحة بمحمد مرسي من الحكم. وتعتبر المشاهد التي صورها يوسف، هي المشاهد الأشهر لمظاهرات يونيو، ويتم استخدامها مرارًا وتكرارًا في كل مناسبة تتعلق بالنظام الحالي، الذي يستند، في شرعيته، على هذه المشاهد، ويعتبرها لحظة صعوده الكبرى.

ويعتبر خالد، أحد أبرز الرموز التي كانت محسوبة على ثورة يناير، وقررت دعم مسار 3 يوليو، بكل مراحله، ولم تنفصل عن النظام في مرحلة أو أخرى، كما فعل أكثر المتماثلين معه في المواقف. كما كان خالد عضوًا في لجنة الخمسين التي شكلها الجيش، بعد الإطاحة بمرسي، لتعديل دستور 2012، كممثل عن النقابات الفنية، كما عينه السيسي عضوًا في لجنته الاستشارية أثناء ترشحه للرئاسة منتصف 2014. قبل أن يترشح يوسف مؤخرا لانتخابات مجلس النواب، ليفوز بالمقعد من الجولة الأولى عن دائرة كفر شكر بمحافظة القليوبية.

لجم مبكر

ليست مصادفة، أن تتزامن الصور والبلاغات، مع قرب انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب، المنتخب حديثًا، بل ويمكن اعتبارها إشارة مبكرة من السلطة للنواب، بقدرتها على تحطيمهم إن هم تخطوا حدود الأدوار المرسومة لهم من قبلها، وأنه حصانة لأي أحد يفكر أن يختلف قليلًا -فضلًا عن أن يعارضها- عن النمط الذي تريده السلطة. كما تأتي رغبة السلطة في لجم يوسف، في سياق، سلسلة طويلة، من قيامها بعقاب "حلفاء 30 يونيو" الذي شاركوا معها في الإطاحة بالإخوان، ودافعوا عن تلك الإطاحة وتبعاتها بكل الوسائل، قبل أن تتخلص منهم السلطة، الواحد تلو الآخر، بعد إهانته على الملأ، لتذكيرهم، بأن لا عزيز لديها، سوى أجهزتها الأمنية، وعملائها المباشرين، أما غير هؤلاء، فيمكنها التخلص منهم أي وقت تريده.

المجال العام المفخخ

 تأتي رغبة السلطة في لجم يوسف، في سياق، سلسلة طويلة، من قيامها بعقاب "حلفاء 30 يونيو" الذي شاركوا معها في الإطاحة بالإخوان

ويبدو أن السلطات الأمنية، تريد أن ترسم صورة واضحة لقدرتها المهولة على التحطيم والانتهاك، مالم تلبى قرارتها، وألا شيء يمكنه أن يقف في وجهها، إن أرادت ذلك، وأن انتماء البعض لـ"30 يونيو" لن يحميهم كما لن تحميهم عضويتهم في مجلس نواب، هو في حقيقته، صنع لتحسين صورتها، ولم يستطع أحد من غير مؤيديها أن يترشح له ابتداءً، هذه الإرادة الأمنية لسحق أي أحد وأي شيء، يقف في طريقها، تحوّل المجال السياسي العام، حتى بعد أن أطاحت السلطة بكل أعدائها الجذريين منه، إلى حقل ألغام، من المخاطرة السير فيه، لأن أي مذيع تابع لجهة أمنية ما، يمكنه، وبشكل مفاجئ تمامًا، أن يفجر قنبلة في أي شخص يريده، في ظل المساحة الواسعة التي أعطاها النظام لأذرعه الأمنية والإعلامية للإيغال في أذية الناس، حتى من لم يعارضوا منهم السلطة، وحوش طليقة غير مروّضة، تنهش الجميع.

اقرأ/ي أيضًا: 

مصر..محاكمات أضيق من عدد المتهمين

عامان على قانون التظاهر..هل نجح في مهمته؟