03-أكتوبر-2015

على السجادة الحمراء: المخرج محمد خان، مدير المهرجان محمد قبلاوي، الناقد طارق الشناوي، المخرجة أسمهان الأحمر (Getty)

قصّ مهرجان مالمو للسينما العربية شريط افتتاح دورته الخامسة مساء الجمعة، رافعًا شعارَ "لا للعنصرية" لهذه الدورة. المهرجانُ الذي يُقام في مدينة مالمو في أقصى جنوب السويد، يُعتبرُ أكبرَ مهرجانٍ للسينما العربية خارج حدود البلدان العربية، من حيثُ عدد الأفلام المشاركة وعدد الضيوف المدعوين. 

كأنّ الجغرافيا التي يُقامُ عليها "مهرجان مالمو"، لم تؤثّر كثيرًا في طريقة التعاطي مع الفنون!

يبدو من خلال مشاهدات اليوم الأول، الاحتفاليّ، أنّ مانشيت "أكبر مهرجان للسينما العربية" يعتبرُ واحدًا من أهدافِ المهرجان لا مزاياه، ملاحظاتٌ تتبدّى من الحالة الكرنفالية المبالغ فيها، والكلمات التي ألقيت في عشاء الافتتاح الذي أقيمَ في أحد القصور الملكية القديمة في المدينة وبحضور عمدتها. وكأنّ الجغرافيا التي يُقامُ عليها المهرجان، السويد، لم تؤثّر كثيرًا في طريقة التعاطي مع الفنون عمومًا، حيثُ ما يزالُ القائمونَ فيما يبدو ينظرونَ إلى الأهمية بوصفها مُنتجًا من مُنتجاتِ الحجم، وهوَ ما يجعلُ الشكلانية تحكمُ طبيعة التعاطي مع مهرجانٍ من المُفترض أنّهُ يسعى للتلاقح الثقافي ونقل صورة الفنون العربية أولاً بأول للعالم عبرَ شمال أوروبا القصيّ.

اقرأ/ي أيضًا: سينما من أجل الحرية

قصّ المهرجانُ شريطهُ بعرضِ فيلم "سكّر مرّ" للكاتب محمد عبد المعطي، والمخرج هاني خليفة. الفيلم يحكي عن خمسة رجال وخمس نساءٍ تجمعُهم علاقات شخصية وعاطفية متشابكة ومتخبطة أيما تخبط، في إطارٍ زمنيّ محددٍ بأربع سنوات، ما بين 2010 و2014. والحقّ أنّ المراقبَ للفيلم قد يعجزُ عن إضافةِ الكثير على السطر الذي تقدّم! إذ لم يقدّم الشريطُ جديدًا يُذكرُ، لا نصًّا ولا إخراجًا، والجديدُ المعنيّ هنا ليس على مستوى السينما عمومًا، إنّما على مستوى السينما التجارية حتى، حيثُ أنّ التفكّك الذي اتسمت بهِ شخصياتُ العمل، كان طابعًا للعملِ كاملًا، حيثُ أننا إذا أردنا أن نُحسنَ النيّة، فقد نبررُ الاستخدامَ القليل لأصواتِ المظاهرات المصرية (من خلال راديو أو تلفزيون، أو كخلفيةٍ لمشهد رجلٍ وامرأةٍ يختلفانِ على شؤونِ حياتهما) بأنّ هذا الاستخدام كانَ هدفهُ تبيانُ الزمن الذي تجري الأحداثُ خلاله، وقد نُحسنُ النيّةَ أكثر، فنقولُ إنّ القائمين على الفيلم أرادوا أن يسردوا تخبّطَ العلاقات الشخصية في ظلّ الأحداث العامة.

ولكننا، وللأسف، لا نجيدُ حسنَ النيّة، فالفيلم من زاويةٍ أخرى، كان يريدُ أن يقول وبوضوح: "شفتو شو عملت فينا الثورات"؟! نعم، ليسَ خافيًا على متابعٍ بسيطٍ للشريط، التعمّد المفضوح لتحميلِ الثوراتِ مسؤوليةَ التخبطِ الاجتماعي الذي حصلَ خلالها وبعدها، والحال أنّها نعم تتحمّلُ مسؤوليةَ ذلك، هذا بديهيّ، ولكن هل على الثوراتِ وأهلها المنتفضين أن يُقدّموا اعتذارًا لكلّ رجلٍ وامرأةٍ تخبّطا فاضطّرا وللأسف أن ينهيا علاقتهما؟

الشريحةُ التي حكى عنها الشريطُ السينمائيّ، كانت بنسبةٍ كبيرة شريحةً أرستقراطية، ترتادُ النوادي الليلية، والأماكن الفارهة، وتربّي الكلابَ أيضًا، ياللهول! وهي بالطبع ما اتُّفقَ على اصطلاحه في مصر: حزب الكنبة. لكننا لم نرَ أنّ أحدَ الأبطالِ مثلاً تخلى عن الكنبة بفعلِ الثورات؟

حمّل فيلم "سكّر مرّ" الثوراتِ مسؤولية كل التخبط الاجتماعي العربي، بل وضع كل انفصال بين رجلٍ وامرأةٍ في ذمتها

عمومًا، وبعيدًا عمّا هوَ قابلٌ للقراءة الانطباعية، فالفيلم قدّم صورةً نمطيةً لحركة الكاميرا، وللكادر، وللحوارات، حيثُ تبطيءُ الزمن من خلال تبطيء حركة الكاميرا لا من خلال الشخصيات، وحيثُ قد تجدُ في الحوارِ جملةً من قبيل:
- شُفت يا بابي مامي عايزاني اتجوّز علشان تخلص مني؟!
- بنتي حبيبتي، حتفضل جنبي!

اقرأ/ي أيضًا: هوليود.. رقابة فاشية

ويمتدُّ التنميطُ لنرى أهلَ العريسِ المتديّنِ يسألونَ أهلَ العروسِ غير المتدينة (لاحقًا ارتدت الحجاب، ألم نقل إنّ المجتمع تخبّط!) لمن منحوا أصواتهم في انتخابات الرئاسة؟ فنرى الانقسامَ بينَ عائلتين تسعيان لزواجِ ابنيهما، واحدةٌ انتخبت الدكتور مرسي، والأخرى أعطت صوتها للفريق شفيق.

حاولَ الفيلم أن يكونَ جزءًا ثانيًا لفيلم "سهر الليالي" 2003 للمخرج نفسه، والذي كانَ أيضًا يسردُ قصةً مشابهة، واضطرابًا في العلاقاتِ الشخصية والاجتماعية، مع إضافةِ عنصرٍ بالغ الأهمية، أن ما حدثَ الآن سببهُ اضطرابُ البلدِ وأهلها بسبب ما يجري. يبقى أن نعطي لبعضِ الممثلينَ حقّهم في أداءٍ معقولٍ، مثل أحمد الفيشاوي وهيثم أحمد زكي وأمينة خليل. رغمَ فشلهم في رفع العمل إلى سويّة الـ "معقول".

بهذا الشريط، افتُتحَ أكبر مهرجانٍ للسينما العربية خارج حدود الدول العربية.