بعد عُسر شديد، نجحت تشيلي في إنهاء الجدل بخصوص استضافتها للنسخة السابعة من كأس العالم عام 1962، حيث استطاعت أن تتغلّب على الأرجنتين بـ32 صوت مقابل 11 فقط ، ورغم كارثة الزلزال الذي دمّر الكثير من البنى التحتيّة الخاصّة بالبلاد، إلا أن ذلك لم يزد حكومة تشيلي إلّا إصراراً على مواصلة تحقيق حلمها في استضافة الحدث، حدثٌ سيحوّل المآتم إلى أفراح، وينهض بالبلاد من الموت إلى الحياة.
قُسّمت الفرق الـ16 على أربع مجموعات يتأهّل 2 منها إلى دور الثمانية، فضمّت المجموعة الأولى كلّاً من الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا والأوروغواي وكولومبيا، فيما ضمّت المجموعة الثانية تشيلي مستضيفة البطولة وألمانيا الغربية وإيطاليا وسويسرا، بينما لعبت في المجموعة الثالثة البرازيل حاملة اللقب و المكسيك وتشيكوسلوفاكيا وإسبانيا، في حين اجتمع في المجموعة الرابعة كلاً من الأرجنتين وإنجلترا والمجر وبلغاريا.
تعرّض لاعب الاتحاد السوفييتي إدوارد دوينسكي في مباراته مع يوغوسلافيا في مونديال 1962 لكسر بساقه أصابه بعجز طيلة حياته
ففي المجموعة الأولى جمعت المباراة الافتتاحية فريقي الأوروغواي وكولومبيا، حيث انتصر الأول2-1، بينما ترقّب الجميع اللقاء الذي سيجمع بين يوغوسلافيا بطلة أولمبياد روما 1960 والاتحاد السوفييتي صاحب أول كأس لأمم أوروبا في العام نفسه، والذي انتهى بفوز السوفييت 2-0، وإصابة اللاعب السوفييتي إدوارد دوبنسكي بكسر في ساقه، كسرٌ جعله عاجزاً طول حياته، وبعد تعادل السوفييت مع كولومبيا وفوز يوغوسلافيا على الأوروغواي فشلت الأخيرة بالتأهل إلى دور الثمانية فخرجت من الدور الأول لأول مرة بتاريخها، وذلك بسبب خسارتها أمام الاتحاد السوفييتي في المباراة الثالثة متأثرة بالنقص العددي منذ الدقيقة 30 بسبب إصابة مدافعها، مقابل فوز يوغوسلافيا على كولومبيا 5-0، فضمن بذلك السوفييت ويوغوسلافيا مكانهما في دور ربع النهائي.
لم تلعب الصحافة دوراً في أذيّة منتخب بلادها مثلما فعلت الصحافة الإيطالية، فبعد أن نهضت تشيلي من الركام من أجل تحقيق حلمها الوطني باستضافة كأس العالم، نشرت الصحافة الإيطالية العديد من المقالات التي تحدّثت عن سوء التنظيم والتغذية والمرافق الصحيّة بتشيلي، وسرعان ما ترجمت صحف تشيلي هذه المقالات ونشرتها ضمن صفحاتها، الأمر الذي خلق استياءً شعبيّاً عارماً من أصحاب الأرض الذين شعروا بالإهانة، فقرروا أن يلقّنوا إيطاليا درساً لم تنساه حتى الآن..
واجهت الجماهير التشيلية فريق إيطاليا في مونديال 1962 بغضب عارم بسبب ما قالته الصحف الإيطالية عن بلادهم
حيث أسعدت تشيلي جماهيرها عندما قبلت تأخرها أمام سويسرا وانتصرت2-1 بالمجموعة الثانية، بينما تعادلت ألمانيا الغربية مع إيطاليا دون أهداف في لقاء شهد حضور أكثر من 65 ألف متفرج تشيلي ساند الألمان دون انقطاع، وبعد 3 أيّام كان على إيطاليا أن تواجه 11 لاعباً غاضباً من تشيلي إضافة إلى 66 ألف مشجّع حانق عليها، فلم يجرؤ الحكم الإنجليزي كين آستون أن يحرّك ساكناً مقابل خشونة أصحاب الأرض حين لكم النجم ليونيل سانشيز لاعباً إيطالياً ، بينما طغت العصبيّة على الضيوف الذين طُرد منهما لاعبان في الدقيقتين 8 و 41، وتحوّلت المباراة إلى معركة انتهت بفوز أصحاب الأرض بهدفين سُجّلا بربع الساعة الأخيرة من اللقاء، وبذلك ضمنت تشيلي مرافقة ألمانيا للدور القادم بعد فوز الأخيرة على سويسرا2-1، ولم تكن الجولة الثالثة التي خسرت بها تشيلي أمام ألمانيا وسويسرا أمام إيطاليا ذات أهمية تذكر.
كانت المجموعة الثالثة تضمّ أبطال العالم إضافة إلى إسبانيا المدججة بالعديد من النجوم أمثال دي استيفانو والنجم المجري بوشكاش الذي شارك بمونديال 1954 وبات يلعب بصفوفها والنجم الأوروغوياني خوسيه سانتا ماريا الذي لعب مع بلاده في 5 مباريات من النسخة السابقة 1958 قبل أن يرتدي قميص الماتادور في البطولة الحالية، ومع فوز البرازيل على المكسيك بالجولة الأولى وخسارة إسبانيا من تشيكوسلوفاكيا، كان على حامل القب الفوز على الإسبان في الجولة الثالثة، سيّما وأن الجولة الثانية شهدت فوز الأخير على المكسيك وتعادل خاسر للبرازيل مع تشيكوسلوفاكيا، فبه تعرّض النجم الأول بيليه لإصابة حرمته من إتمام البطولة، ورغم تقدّم إسبانيا على البرازيل في المباراة الحاسمة استطاع بديل بيليه الخجول أماريلدو أن يسجّل هدفين في آخر ربع ساعة من اللقاء، ما أكسبه مزيداً من الثقة بعد ذلك وأهّل بلاده للدور القادم برفقة تشيكوسلوفاكيا، يقول بيليه في سيرته الذاتية "توسّلت من الطبيب هيلتون جوسلينج أن يسمح لي باللعب أمام إسبانيا رغم الإصابة لكنه لم لم يتردد بالإجابة حينما قال : أبداً.. يمكن لهذا أن يدمّر مشوارك، يجب عليك أن تخضع للعلاج".
في المجموعة الرابعة أخرجت المجر من جوفها شبح فريقها الذي اكتسح خصومه في مونديال 1954، حيث تغلبت على إنجلترا 2-1 واكتسحت بلغاريا 6-1، مقابل خسارة الأخيرة أمام الأرجنتين 0-1، والتي تعرّضت لهزيمة مؤثرة أمام الإنجليز 3-1، وفي الجولة الأخيرة استطاع راقصو التانغو أن يحققوا نتيجة التعادل أمام المجر 0-0، وهذه أول مباراة تفشل المجر فيها بهز الشباك في تاريخ لقاءاتها الـ17 السابقة بكأس العالم، تعادلٌ لم ينفع الأرجنتين وجعل إنجلترا ترافق المجر إلى دور الثمانية إثر تعادلها مع بلغاريا دون أهداف.
إذاً تأهّلت إلى دور الثمانية فرق البطولة القويّة كافّة، باستثناء إسبانيا وإيطاليا، وستجمع لقاءات الدور ربع النهائي بين أسياد الكرة البرازيل، ومن كانوا يظنّون أنفسهم بعمالقة كرة القدم في العالم الإنجليز، فيما تلاقي بطلة أولمبياد روما يوغوسلافيا فريق ألمانيا الغربية القوي، بينما اصطدمت تشيكوسلوفاكيا بالمجر العائدة إلى مجدها الكروي، بين هذا وذاك وجد أصحاب الأرض أمامهم عملاقاً أوروبياً ظفر بأول نسخة لكأس أمم أوروبا وهو الاتحاد السوفييتي بقيادة الحارس العنكبوت ليف ياشين، فكيف ستبدو ملامح الأدوار القادمة، وما هي أبرز الفوارق التي سيسجّلها التاريخ في الجولات القادمة؟
تابعونا في الجزء القادم..