09-أبريل-2016

مخيم لجوء في ألمانيا (Getty)

أظهرت دراسة لمجموعة من الباحثين في جامعة مونستر، شمال غرب ألمانيا، أن نصف السوريين الذين يقيمون في ألمانيا يؤيدون اعتماد حدّ أقصى لاستقبال اللاجئين السوريين، وأظهرت النتائج أن ثلث من استطلعت آراؤهم أبدوا مخاوفهم من تردي وضعهم جراء قدوم مئات الآلاف من مواطنيهم.

نصف السوريين الذين يقيمون في ألمانيا يؤيدون اعتماد حدّ أقصى لاستقبال اللاجئين السوريين

الاستطلاع شمل 500 سوري يحمل إقامة في ألمانيا منذ سنة على الأقل، أو يحمل الجنسية الألمانية منذ 20 عامًا، و20% منهم قد ولدوا في ألمانيا، ولدى نصفهم الجنسية الألمانية، وثلثهم يحمل الجنسية السورية، فيما يمتلك 11% منهم كلتا الجنسيتين السورية والألمانية.

رفاق المعتقل

طبعًا لن نتكلم عن المؤسسسات الرسمية، وكتابة التقارير الأمنية بين الموظفين والمسؤولين للصعود على أكتاف بعضنا البعض، فكلنا في جعبته مئات القصص، ولا عن الرشاوى والفساد التي تحل أكبر معضلة بـ500 ليرة، وهو للأمانة أمر نفتقده اليوم في بلاد الشتات، ونتحدث عنه كميزة عظيمة امتلكتها بلادنا ولم تستطع أن تعوضها دول الاتحاد الأوروبي.

ولن نتكلم عن أن عنصر الأمن أو المخبر الذي يكتب التقارير هناك من يُكتب به تقريرًا عن كتابته للتقارير، ولكن المدهش أن المعتقلين السياسيين الذين ناضلوا من أجل الحرية والديمقراطية وأمضوا ردحًا من الدهر خلف القضبان، عندما خرجوا "فضحوا عرض بعضهم البعض" بعد خروجهم من السجن، وأغلبهم حاول التقليل من نضال زميله وتمريغ قصته في الوحل. الأنكى من ذلك أن نجد منهم اليوم من يعتبر النظام الذي أذله وسلبه أجمل سنين عمره هو المخلص لسوريا، بدلًا ممن يسمونهم بـ"الحوش" والمتخلفين والقرباط والأميين الذين يريدون أن يحكموا البلد.

عن الثورة المتخلفة

أكثر ما يلفت في حالة الفصام التي عاشها المجتمع السوري، بعد ثورته "المجيدة"، أنها عرت الجميع، فقد كانت ثورة أخلاقية قبل أن تكون سياسية. فضحت الكثيرين وجعلتنا نستخسر "البصقة" لهم. لكن كل ذلك كوم ومن تحدث عن أن هذه الثورة ثورة "رعاع وجياع" تحقيرًا كوم آخر. 

اقرأ/ي أيضًا: الـ"جيب واز" للضابط الممتاز

نعم قد يكون بين هذه الثورة رعاع وجياع ومتطرفون، ولكن من جعلهم كذلك؟ لم يكلف المتفذلكون أنفسهم سابقًا بالاطلاع على الواقع عن كثب، ولم يتحملوا عناء السفر لمشاهدة مظاهر البؤس في ريف حلب وإدلب ودير الزور والحسكة وريف اللاذقية. وكيف كان الناس يعيشون وكيف أن هناك أماكن تفتقر لمقومات العيش الآدمي.

غالبية مافيات تهريب البشر، يديرها أو يعمل بها سوريون، يتدرجون في مراتبها من الزعامة إلى العضوية العادية

ومع ذلك رأى بعض أبناء المجتمع السوري "المخمليون" أن هؤلاء الجياع والرعاع يتوجب حرقهم وإبادتهم لأنهم وصمة عار. نعم أعلم أن هناك الكثيرين ممن كانوا ينظرون لإخوتهم السوريين على أنهم كذلك، لأنهم صرخوا في وجه الظلم نريد حرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ونسي هؤلاء المخمليون كيف عامل النظام مليون فلاح في الجزيرة السورية تمزقوا في البلاد بعد موجات الجفاف. هذا النظام الذي بدلًا من أن يقدم لهم الدعم الحكومي الحقيقي ووضعهم في مخيمات البؤس، يكاد يكون "مخيم الزعتري اليوم" خمس نجوم أمامها. هؤلاء كلهم كانوا "قنابل موقوتة" وكانوا سكان "أحياء المخالفات" و"أحزمة الفقر" و"مخيمات البؤس"، وكأن النظام السوري كان يحضرهم ليكونوا وقودًا لهذه المأساة، وينمي الكراهية والحقد فيما بينهم.

مهربو البشر

في تركيا واليونان تنتشر كبرى مافيات تهريب البشر إلى أوروبا. يعتاشون اليوم على مأساة السوريين، وأصغرهم أصبح مليونيرًا صغيرًا. هم بعد اشتداد القتل والتهجير الممنهج للسوريين رفعوا الأسعار أضعافًا مضاعفة، لتتراوح بين 6000 يورو و13 ألف يورو للشخص.

لكن الصدمة المرعبة ستكون عندما تكتشفون أن غالبية هذه المافيات، الصغيرة منها والكبيرة، يديرها أو يعمل بها سوريون يتدرجون في مراتبها من الزعامة إلى العضوية العادية. نعم، سوريون يتاجرون بمأساة إخوتهم السوريين! يا أخي شعب مفطور على التجارة حتى بمأساته!

البيوت المستأجرة

يعيش السوريون في ألمانيا أزمة سكن كبيرة، تتفاقم صعوبتها في المدن الكبرى بشكل واضح. الأعداد الكبيرة التي توافدت إلى بلاد الجرمان جعلت هؤلاء اللاجئين يعانون الأمرين عند الحصول على الإقامة والبدء بالبحث عن شقة للسكن، وقد باتت صعوبة الحصول على البيت تعادل صعوبة الحصول على أوراق اللجوء نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: في "وطنية" الزعيق الثوري!

يزيد هذه المعاناة من كون الألمان لا يميلون إلى تأجير بيوتهم لمن يأخذون مساعدات اجتماعية من الدولة، حتى لو كانون من الألمان أنفسهم، كما أنّ المنازل والشقق في مراكز المدن تذهب عادة لأصحاب الدخل الأعلى.

لا نحتاج إلى جيوش ولا إلى دبلوماسية، ولا لأصدقاء للشعب السوري، نحتاج إلى أن نحب بعضنا البعض

المهم في الحكاية أن السوريين بدؤوا يعملون في هذا الأمر على الطريقة التي عرفوها في بلادهم، حيث تقوم بمهمة تأمين البيوت مكاتبُ عقارية، يدفع لها المواطن ثمن السمسرة. الطامة الكبرى أن اللاجئين السوريين أنفسهم باتوا يتحولون إلى مكاتب عقارية متنقلة، فبعد أن يتقن أحدهم اللغة، نصفها أو ربعها للدقة، يبدأ بالعمل كـ"دلّال"، فيرافق مواطنه السوري اللاجئ في رحلة البحث عن البيت، على أن يدفع له الأخ السوري مالًا يعادل إيجار شهر أو شهرين في هذه الشقة. 

 لم الشمل

 في دول أوروبا، ظاهرة مدهشة تجعل الإنسان حائرًا في هذا الشعب العجيب، فحجز الدور في السفارات يتطلب أشهرًا طويلة، لكن بعض السوريين فتح مكاتب لحجز مواعيد لم الشمل العائلي، تكاليف "الكومسيون" لحجز الموعد اليوم بات بحدود 3000 دولار. الأنكى أن بعض من امتهن هذه المهنة لم يوفر حتى أفراد عائلته المقربين.

اللحَمة الوطنية

بعد أن تكشفت الحقائق وأتى الزمن الذي يتطلب التعاون الحقيقي من السوريين الإخوة لوأد الفتنة التي أشعلها الحقراء بينهم -شعب يعشق "اللحمة" ويأكلها نيئة وبدون طبخ- لنكتشف أن اللحُمة الوطنية هي في حقيقتها "لحَمة الوطنية" شقف ومفرومة ومقدد ولحم بعضمه، ولحم بلا عظم، وعظم بلا لحم.. إلخ.

الحب كحلّ

لنكن واقعيين وبعيدين عن الرومانسية؛ ما نحتاجه هو الحب فقط. لا نحتاج إلى جيوش ولا إلى دبلوماسية، ولا لأصدقاء للشعب السوري. نحتاج أن نحب بعضنا البعض. "سوريا بدها حب" و"سوريا بدها حرية"، فعندما نحب بعضنا البعض بصدق سيتحول شعار "الشعب السوري واحد" إلى حقيقة. 

ما دون ذلك فسوف نعيش، نحن أبناء هذا الجيل المنحوس، والجيل الذي بعدنا، في غابة يسكنها الذئاب، وفي كانتونات معزولة، وسيكون حالنا حال "كل ديك على مزبلته صياح".

جلد الذات ونقدها

أحب ان أقول للإخوة الألمان أنّ السوريين يحبون بعضهم البعض إلى درجة أنهم كسّروا عظام البلد من شدة الاحتضانات. وأحب أن أقول ما قاله جودي أبو خميس في "ضيعة ضايعة": "ما حا لحا وما حا بحب حا"، وأحب أن أقول لهم شكرًا لأنكم كشفتم عورتنا التي نحاول إخفاءها، فنحن كما يقول مثلنا الشعبي: "بالوش مراية وبالقفا صرماية"، أما السوريين فأقول لهم: "يا عيب الشوم فضحتونا قدام الأجانب".

اقرأ/ي أيضًا:

أحداث الأسبوع في دقيقة

الملك عارٍ.. الملك عارٍ