من الطبيعي والمنصف أن يتم إقرار قانون ضمان اجتماعي يكون هدفه السعي لحماية الفئات التي لا تتمتع بحماية اجتماعية ونظام تقاعدي خاص بها، وخاصة العمال، الذين سلبت حقوقهم منذ سنوات طويلة وهضمت من قبل رؤوس الأموال، بالتالي، وبالرغم من وجود قانون العمل، والذي سن في عام 2000، وأعطى العمال بعض حقوقهم، إلا أنه لم يتم تطبيقه بشكل صحيح في المحاكم، من أجل ذلك قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بإصدار قانون الضمان الاجتماعي في الثاني من أذار/مارس 2016، والذي حمل رقم 6 وهو الأول من نوعه في هذا الصدد.
تقود الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي في فلسطين احتجاجات ضد قانون الضمان باعتباره يهمش حقوق العمال ويستغلهم
قرار إصدار هذا القانون لاقى ترحابًا كبيرًا من قبل العمال والموظفين في فلسطين، ولكن ما إن صدرت مسودة قانون الضمان الاجتماعي حتى استنفرت الفئات التي كانت بانتظار قانون منصف يحميها فوجدت قانونًا يهمش حقوقها ويستغلها، وكانت أكثر الفئات تأثرًا الفئات التي لا تخضع لقانون التقاعد العام بصورة مباشرة أو غير مباشرة وهي الفئة الأكبر من الشعب الفلسطيني.
اقرأ/ي أيضًا: الصناديق الاجتماعية في تونس.. إفلاس غير معلن
لاقت مسودة القانون انتقادات كبيرة فور الإعلان عنها، وتضمنت ثغرات عديدة إذ اتهمه الكثيرون بكونه لا يحقق حماية للعمال واتهموا الحكومة بالاتفاق مع أصحاب العمل لإخراج القانون في هذه الصورة. وكرد فعل على عدم وجود أي استجابة من قبل الهيئات المسؤولة، دعت الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي إلى ضرورة الحشد السلمي الأول، والذي حشدت خلاله ما يزيد عن عشرة آلاف مواطن بتاريخ 19 نيسان/أبريل الماضي وفقًا لمؤشرات الحملة في ذلك اليوم. وطالب المشاركون بوقف العمل بقرار بقانون الضمان الاجتماعي، وعرضه على حوار وطني واسع وممثل، يكفل الحق في ضمان اجتماعي عادل ومنصف، وشملت انتقادات الحملة المطالبة بتعديل 17 بندًا من بنود القانون.
ومن أبرز الانتقادات الأولية التي تعرض لها قانون الضمان الاجتماعي، كون القانون والعمل عليه تم في إطار معتم أي دون طرحه للنقاش ودون أي مشاركة من قبل فئات المجتمع العريضة وفق أحكام الدستور الفلسطيني، مما جعله قانونًا غير دستوري حيث إن هذا القانون شرّع على نطاق ضيق دون أن يعرض على الجهات ذات الصلة والاختصاص كمؤسسات المجتمع المدني والنقابات، وبهذا تكون السلطة التنفيذية قد أخذت دور السلطة التشريعية وهذا ينافي مبدأ الفصل بين السلطات، بالإضافة إلى كون هذا القانون تم سنه بعيدًا عن رقابة الجهة المختصة بالتشريع، مما يجعله غير قابل للتطبيق في غزة.
من الانتقادات لقانون الضمان الاجتماعي، كون القانون والعمل عليه تم في إطار معتم أي دون طرحه للنقاش ودون أي مشاركة من قبل فئات المجتمع العريضة
ثانيًا، وكما رأى بعض المحامين الفلسطينيين فإن المأخذ الثاني على القانون يكمن في التفاوت بين مشاركة العامل وأرباب العمل في الصندوق، حيث ينص القانون على التالي "إن العامل يشترك بصندوق الضمان شهرياً بنسبة 7.5% من راتبه الأساسي بمعنى أنه سيخسر مرحليًّا هذا الرقم من راتبه، وكذا يشارك رب العمل بـ 8.5% من أجرة العامل إسهامًا في الصندوق"، وهذه النسبة تعتبر هي الأقل في الشرق الأوسط بالنسبة لرب العمل.
ثالثًا، ينص القانون على عدم كفالة العامل في حالة العجز والشيخوخة وأن المعاش الذي سيتقاضاه العامل بعد انتهاء عمله هو أدنى بكثير من الحد الأدنى للأجور وبالتالي لا يكفل توفير مبلغ الإنفاق،كما أن القانون بصيغته الحالية لا يحقق الغرض الذي يشرع من أجله ولا يضمن كرامة للعمال.
اقرأ/ي أيضًا: المغرب.. الحوار الاجتماعي لم يحسم بعد!
وأكدت الحملة الوطنية أن لها 17 مطلبًا للتعديل، تتلخص في أن "تقوم الدولة بعمل ضمان لأموال المساهمين، وأن تقوم بتعديل نسب المساهمات التي تعتبر غير عادلة بين العاملين وأصحاب العمل، بالإضافة لاحتساب راتب الوفاة الطبيعية أي أن يكون من بداية الالتحاق بالضمان، ورفع معامل الراتب التقاعدي، وأيضا المطالبة بتعديل القانون بحيث يكون هناك استفادة من إجازة الأمومة من لحظة الاشتراك وليس بعد 6 شهور، وحول المرأة أيضًا، ضرورة أن يتوفر استحقاق زوج المشتركة المتوفية للراتب التقاعدي وعدم ربط هذا الاستحقاق بالحالة الزيجية للمشتركة، وتحويل النظام التكميلي إلى نظام اختياري وليس إجباري، وعدم المساس بمدخرات الموظفين.
كما طالبت الحملة الوطنية بإعادة الاعتبار لدور وزارة العمل في تطبيق القانون، ومواءمته مع التشريعات الفلسطينية والاتفاقيات الدولية، وأيضًا الفصل بين مرحلة التأسيس والتنفيذ لضمان النزاهة وعدم تضارب المصالح، كما دعت إلى تعديل شروط استحقاق الراتب التقاعدي بما ينسجم وقانون التقاعد العام، بالإضافة إلى المطالبة بضمان توفير الدخل في حالات الاستغناء عن العاملين، وأيضًا التخلص من الإجحاف المتبع في آلية إنهاء أتعاب نهاية الخدمة، وطالبوا بوجود تمييز إيجابي في القانون لذوي الإعاقة يخدم مصلحتهم ويراعي حاجاتهم، وأيضًا تعديل الحد الأدنى لاحتساب الراتب التقاعدي غير العادل وغيرها من الملاحظات التي تبنتها الحملة.
وعلى خلفية الحراك الذي ضج به الشارع الفلسطيني مطالبًا بتعديل قانون الضمان الاجتماعي التقت الحملة الوطنية للضمان الاجتماعي والاتحادات النقابية بتاريخ 9 آيار/مايو الجاري، باللجنة الوزارية المكلفة بتعديل قرار قانون الضمان الاجتماعي، حيث قدمت الحملة رؤيتها لآلية الحوار والملاحظات على القرار، وأبدى أعضاء اللجنة الوزارية تفهمًا للعديد من الملاحظات ووعدوا بترتيب لقاء يجمع كافة الأطراف، وأن يتم استكمال العمل عليها مع الحملة الوطنية وممثلي القطاع الخاص.
ودعت الحملة الوطنية مرة أخرى المواطنين للاعتصام أمام مجلس الوزراء لدعم مطالب الحملة في الحوار من أجل تعديل القانون، وقد لبوا الدعوة يوم 10 آيار/مايو الجاري، ونزل الآلاف منهم للمرة الثانية للحشد أمام المجلس، تأكيدًا على الدعم المستمر والأمل الحقيقي بالتغيير، وليكونوا جزءًا من هذا الحوار المجتمعي الواسع.
اقرأ/ي أيضًا: