24-ديسمبر-2023
امرأة وسط الركام في غزة

تعيش نساء غزة أوضاعًا شديدة الصعوبة (Getty)

قبل أيام قليلة، أثارت بعض الناشطات النسويات العربيات جدلًا اجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انقسم المتفاعلون معه بين مؤيد ومعارض. أما موضوع الجدل، فهو ما تُعانيه نساء غزة في ظلّ الحرب من نقص في المستلزمات النسائية الخاصة، سيما "الفوط الصحية"، في ظلّ غياب الماء وانعدام أدوات النظافة في القطاع المحاصر.

انقسم المتفاعلون مع هذا الجدل إلى قسمين اثنين؛ قسمٌ رأى في إثارة الموضوع أهمية قصوى نظرًا لتأثيراته الصحية السلبية الكارثية على نساء غزة، وقسم آخر رأى أنّ مطالبات أولئك الناشطات النسويات وخروجهنّ للحديث حول حاجة نساء غزة إلى تلك المستلزمات النسائية الخاصة يقع ضمن ما يُمكن تسميته بـ"الترف المطلبي"، إذا ما جرت مقارنته بحاجات ومطالب أخرى أكثر أهمية، كالغذاء والماء والأدوية، وهي العناصر الحياتية الأساسية لاستمرار حياة الرجال والنساء في غزة.

ما يعدُّه العالم ترفًا مطلبيًا نسائيًا، هو في أوقات الحروب حاجة أكيدة وضرورة لازمة من شأنها حفظ صحة وإنقاذ حياة

خطرَ لي وأنا أتابِع ردود فِعل المعترضين على إثارة هذا الجدل والنقاش، بأنّ هؤلاء يريدون قمع أي حديث جندري حول الحروب وتأثيراتها المضاعفة على النساء عمومًا. والجندر هو مفهوم يقوم على فرضية مفادها أنّه بالرغم من أنّ الاختلاف البيولوجي بين الذكور والإناث ثابت نسبيًا، إلا أنّ قناعات الأفراد والمجتمعات حول أوضاع الرجال والنساء تختلف طبيعيًا بشكل كبير، وهذا الاختلاف يأتي نتيجة لاختلاف ثقافات هؤلاء الأفراد والمجتمعات إلى جانب الأزمنة التي يعيشون فيها.

لعلّ الشقّ الأول من تعريف الجندر هو الشقّ المهم عند إثارة أي نقاش أو حديث جندري حول الحروب وتأثيراتها المضاعفة على النساء. وعن هذه التأثيرات، تُورد باميلا ديلارجي في فصل من كتاب "المرأة والحرب": للحرب أخطار على صحة النساء والفتيات وسلامتهنّ، ويعود ذلك لعوامل اجتماعية وبيولوجية.. تتحمّل النساء والفتيات عبء انعدام الأمن وفقدان القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية بطرق يحتمل أن تكون لها مضامين مباشرة وطويلة الأجل، ويُمكن أن تكون لنقص الرعاية الصحية الإنجابية آثار مدمرة على الحوامل.. في معظم المجتمعات، النساء والفتيات هنّ من يقدم الرعاية لكلّ المسنين وصغار السن؛ وهذا يمكن أن يجعل من الصعب عليهنّ أن يهربنَ من بيئة تكون حياتهنّ فيها مهددة.. حتى إذا لم تكن حيوات الفتيات مهددة، فإن النزوح يمكن أن يحرمهنّ من اللوازم الأساسية للطمث، وأن يعرضهنّ لسوء التغذية (ما يؤدي لاحقًا لإصابتهنّ بفقر الدمّ ومضاعفات الحمل)".

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، كانت هناك شهادات للعديد من النساء الحوامل اللواتي قلنَ إنه تمّ توليدهنّ بطرق تفتقر إلى مراعاة الحدّ الأدنى من معايير الصحة الإنجابية، فعلميات التوليد لهؤلاء النساء – في ظل شحّ وانعدام المستلزمات الطبية – تمتّ دون ظروف تعقيم ملائمة وبلا تخدير. وهناك شهادات للعديد من النساء الأخريات اللواتي قلنَ إنهن تناولنَ حبوبًا لتأخير دورتهنّ الشهرية، وذلك نظرًا لظروف النزوح وانعدام الخصوصية والافتقار إلى وجود الماء والمستلزمات النسائية الخاصة.

هناك تعقيب مؤلِم صدرَ من إحدى الصديقات الغزاويات المقيمات خارج غزة قالت فيه حول سخرية البعض من مطالب الناشطات النسويات، إنه من حقّ هؤلاء أن يستكثروا على نساء غزة مطالباتهنّ بتوفير الفوط الصحية لهنّ، فإذا كان العالَم قد وقف متفرجًا أمام كلّ هذا الدمّ النازف في غزة، فإنّ الأمر لا يتوقَف على قطرتين من الدماء تنزفهما سيدات وفتيات غزة كلّ شهر.

آلمني تعقيب صديقتي السابق، وذكرني بحقيقة ِأعرفها، وهي أنّ أحاديث الجندر المتعلّقة بوضعيات النساء واحتياجاتهنّ الخاصة نظرًا إلى خصوصية تركيبة أجسادهنّ البيولوجية، هي أحاديث ينبغي إثارتها والتركيز عليها في أوقات الحروب، فما قد يعدّه العالم ترفًا مطلبيًا نسائيًا، هو في أوقات الحروب أكثر من ذلك بكثير، إذ يرتقي لمصاف الحاجة الأكيدة والضرورة اللازمة التي من شأنها حفظ صحة وإنقاذ حياة.