29-يونيو-2016

إياد القاضي/ العراق

توطئة

ضع من عندك مقدمة تشاؤها للنص، وتذكر أن الجمل الاسمية بدايات جيدة، أما الأفضل فالجمل الاسمية المنفية، كأن تقول لا شيء في.. وتكمل الكتابة، وأن تكتب عنوانًا آخر للنص غير هذا، فعنواني بائس وعتبة نص متهالكة.

النص

كلما غادرت بناية رأيت في أحد الاتجاهات مصدر دخان، كومة نفايات محروقة أو إنسانًا يحترق. وكما كل شيء ينبغي أن يحمل معنى ما، عليَّ أن أقول أن الدخان خيط رسالة الـ كذا إلى الله أو شيء خيالي آخر يشبهه.

في الهواء الطلق، قرب مصدر الدخان كانت الفكرة واضحة، مجلجلة وقوية في رأسي كرسالة انتحار شاعر، وحتى أني أردت استبدال مفردة الشعر بالقصد، فالكتابة اليوم لا شعور لها، إن كان لها شيء فقصد ما وإن جهله الكاتب.

نعم في الهواء الطلق كانت النفايات تحترق، كما تحترق الغاية في رأسي، لقد كثر الدخان وصارت الأشباح مرئية جدًا، بيض العيون يفقس، وجفون عدة، جفن ينشق على جفن، يشف لها العالم ويتعرى، عبر الدخان يجيء ويجلس بليدًا مؤكدًا عدمية الغاية.

ما الغاية؟ كانت القبلة الأولى مرعبة، والثانية مدهشة، والثالثة تحسست أثر الطعام المتيبس على الشفاه بقرف. كانت السيجارة الأولى شيقة والثانية مدهشة والثالثة حرقة في الحلق والمعدة. كان الموت مرعبًا ومدهشًا، وشيقًا ومدهشًا، مجهولًا ومدهشًا، ولمرة واحدة فقط.. الغاية موت.

شبح الغاية، أن تجلس مستريحًا على الأرض بالبيجامة المخططة، وتضع ملعقة فارغة في كأس فارغة وتأكل البوظة حتى تصاب بالتخمة وتنام على الأرض.. افعل ذلك وسيختفي من الهواء الطلق الدخان ولن ترى الأشباح ولن تراني.

شبح الغاية، أن تجلس بطريقة الجلوس نفسها وفي نفس المكان بذات البيجامة المخططة، وتتحدث للحائط عن نفسك، عن كل السعادات التي لم تعشها وكل الحروب التي لم تخضها وفرحة الانتصار في لحظاتها الأولى وذلك اللمعان الذي كان على عينيك، وأن تصف اللمعان رغم غياب المرايا، ثم تخرج لتدخن سيجارة في الهواء الطلق الخالي من الدخان.

شبح العجز الذي ابتليت فيه أنا، هو أن أوهم نفسي بالعجز رغم افتقار العالم لما يُفعل فيه.. هو نصف شبح الغاية، أن أحمل مسؤولية لا وجود لها، وأن أؤنب نفسي على عدم تحملها.
أما العجز أن أكتب كل هذا، ولا أمحو نصف العنوان.

اقرأ/ي أيضًا: 

الموظ.. قصيدة إليزابيث بيشوب

ذاكرة مزدحمة