22-فبراير-2023
كافكا وفيليس ورسائله إليها

كافكا وفيليس ورسائله إليها

على عكس رسائله إلى ميلينا التي تُرجمت عدة مرات، وصدرت في طبعات مختلفة، لم تحظ رسائل فرانز كافكا إلى فيليس باور باهتمام الناشرين والمترجمين العرب.

فباستثناء كتاب "محاكمة كافكا الأخرى: رسائل كافكا إلى فيلس"، الذي قدّم فيه الكاتب والناقد الألماني إلياس كانيتي قراءة استثنائية حول رسائله إليها، وبعض المقتطفات المترجمة منها هنا وهناك، إضافةً إلى بعض الدراسات النقدية؛ تبدو فيليس باور، إلى حد ما، مجهولة في العالم العربي مقارنةً بما تحظى به ميلينا من شهرة.

تشكّل رسائل كافكا إلى فيليس باور عملًا فنيًا متكاملًا لا محض طريقة للتواصل وتبادل الاكتراث

 

وكان لهذا التجاهل أن يستمر لسنوات أخرى لو لم تعلن "دار الرافدين"، مؤخرًا، عن إصدارها للطبعة العربية من الرسائل التي جاءت في مجلدين بترجمة نجاح جبيلي. وبحسب الدار، تشكّل رسائل الكاتب التشيكي إلى باور: "عملًا فنيًا متكاملًا، لا محض طريقة للتواصل وتبادل الاكتراث. فقد كشفت عن حساسية خارقة وفرادة خطابية مستحوذة بالرغم من توجهه بالرسالة لفرد واحد – فيلس في هذه الحالة – عوضًا عن جمهور القراء".

تعرّف كافكا على باور في منزل صديقه ماكس برود منتصف آب/ أغسطس 1912، وبدأ مراسلتها أواخر أيلول/ سبتمبر من العام نفسه. ومع الوقت، أخذت مراسلاتهما تتطور وتكتسب معان تتجاوز الحب، على الأقل بالنسبة إلى كافكا الذي يربط بعض النقاد كتابته لـ "المسخ" و"في مستعمرة العقاب" و"المحاكمة"، وهي أهم مؤلفاته، بعلاقته بفيليس. بل إن كانيتي يرى أن "المحاكمة" هي قصة باور، وأن كافكا مدين لها بها.

تكتسب رسائل كافكا إلى فيليس أهميتها من كونها تعبّر عن موقفه من العلاقات العاطفية والارتباط، وتكشف عن طبيعة الحياة التي يريد عيشها، ومواصفات المرأة التي يريد الارتباط بها، وشكل العلاقة التي يجب أن تجمعهما أيضًا. فبينما أرادت فيليس من مبادلته الرسائل ونسخ مخطوطاته أن تكون عتبة لعلاقة طويلة الأمد، بدا كافكا حريصًا على ألا تتجاوز علاقتهما نسخ المخطوطات وتبادل الرسائل.

وفي كتابه "القارئ الأخير"، يشير الكاتب الأرجنتيني ريكاردو بيجليا إلى أن كافكا لم يرغب في الحصول على زوجة وإنما امرأة تقرأ مخطوطاته، تنسخها، ثم تبادله الرسائل التي يرى فيها مساحة يمكن أن يلتقيا فيها دون أن تتطفل على عزلته وتشغل جزءًا من حياته اليومية، التي أراد لها أن تكون أقرب إلى حياة العسكر لناحية الانضباط، بحيث لا يفعل فيها شيئًا غير القراءة والكتابة، وهو ما لن يكون قادرًا على فعله لو أنه تزوّج من فيليس.

لقد أراد كافكا من فيليس أن تكون قارئة فقط، سواءً لمخطوطاته أو لرسائله التي لم يحدثها بها عن همومه ومشاغله ونظرته إلى الحياة فقط، بل عبّر لها من خلالها، ضمنًا، عن مستقبل علاقتهما التي انتهت بعد 5 سنوات من بدايتها. ويرى بعض النقاد أنها انتهت بعد توقف فيليس عن قراءة رسائل كافكا ومخطوطاته، وأنه لم يبق منها غير صورتها كقارئة.