يبدو الأمر أشبه بـ"ثورة نسائية" في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) حيث وجهت أربعون صحافية ومذيعة شهيرة في المؤسسة، الأحد 23 تموز/ يوليو الجاري، رسالة للإدارة يطالبن من خلالها بـ"التحرك العاجل"، لمعالجة الفجوة الكبيرة في الرواتب بين الرجال والنساء العاملين في المؤسسة وعدم انتظار تاريخ 2020 المقترح من المدير طوني هول. وتأتي الرسالة بعد أيام قليلة من نشر هيئة "بي بي سي" تقريرها السنوي، والذي تضمن لأول مرة تفاصيل عن أعلى الأجور بالمؤسسة، التي تجاوزت 150 ألف جنيه إسترليني.
وجهت أربعين صحافية شهيرة في "بي بي سي" رسالة للإدارة طالبن من خلالها بالتحرك العاجل لمعالجة الفجوة الكبيرة في الرواتب بين الجنسين
وقد كشفت الأرقام المعلنة عن حجم الهوة بين رواتب الرجال والنساء في "بي بي سي"، حيث أن ثلثي كبار العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية هم من الرجال، بينما تحصل المرأة الأعلى أجرًا على أقل من ربع الأجر الأعلى للرجل. فجاءت بذلك الرسالة لتحث مدير المؤسسة طوني هول على "تصحيح" فارق الرواتب، الذي قالت الموقعات على الرسالة إنه "معروف منذ سنوات".
اقرأ/ي أيضًا: "بي بي سي" تضطر للكشف عن رواتب كبار موظفيها.. ارستقراطية بأموال الضرائب!
وعارضت "بي بي سي" سابقًا الكشف عن رواتب نجومها، لأن ذلك "يمس من قدرتها التنافسية واحتفاظها بنجومها"، حسب ما تم ترويجه. يذكر أن تقرير "بي بي سي" السنوي يقدم عادة فكرة عن أداء المؤسسة ونفقاتها خلال العام الماضي، إضافة إلى نسب مشاهدة التلفزيون والراديو، والدخول على المنصات الإلكترونية للمؤسسة، في علاقة بمنافسيها المباشرين أيضًا.
ويقدر عدد الموقعات على العريضة بأربعين مذيعة من بينهن كلير بولدينغ وفيكتوريا ديربيشاير وإيميلي ميتليس وفيونا بروس وأليكس جونز وسو باركر وميشيل حسين وسارة مونتيغيو. وجاء في التقرير أن 96 شخصًا في "بي بي سي" يتقاضون حاليًا رواتب تفوق 150 ألف جنيه استرليني (195555 دولارًا) سنويًا، أي أكثر من راتب رئيس الوزراء البريطاني.
ويتحصل نجم "بي بي سي" كريس إيفانز على أكثر من 2.2 مليون جنيه إسترليني (2.9 مليون دولار) سنويًا بينما أكثر المذيعات النساء أجرًا هي كلوديا وينكلمان براتب يتراوح بين 450-500 ألف جنيه استرليني في العام.
وذكرت الموقعات على الرسالة أنهن مستعدات للاجتماع بالمدير طوني هول من أجل ضمان أن "الأجيال القادمة من النساء في المؤسسة لا يواجهن هذا النوع من التمييز". وجاء في الرسالة أيضًا أنها أكدت "شكًا قديمًا أن النساء في "بي بي سي" يحصلن على رواتب أقل من الرجال مقابل نفس العمل". وأن "التفاوت يتجاوز قائمة من يتقاضون أكثر من 150 ألف جنيه إسترليني، ويشمل مجالات الإنتاج والهندسة والإعلام الإقليمي والمحلي".
96 شخصًا يتقاضون حاليًا رواتب تفوق 150 ألف جنيه استرليني سنويًا في "بي بي سي" أي أكثر من راتب رئيس الوزراء البريطاني
وقالت كلير بولدينغ، وهي أحد أهم الصحفيين في بي بي سي، في تغريدة "حادة" إن "هدف عام 2020 للمساواة في الأجور ليس جيدًا بما فيه الكفاية حيث تم سن قانون المساواة في الرواتب في عام 1970 وقانون المساواة في عام 2010". وأضافت: "نقف معًا لنقترح عليهم بأدب أنهم يستطيعون القيام بعمل أفضل". وغردت المقدمة جين غارفي من البرنامج الإذاعي "ساعة للنساء" في "بي بي سي 4"، التي نظمت حملة التوقيع:"نجمات بي بي سي بدأن التمرد". ولم يرد مدير المؤسسة بعد على الرسالة.
يذكر أن بي بي سي الممولة من القطاع العام، تعرضت لضغوط خلال السنوات الأخيرة للكشف عن أصحاب الدخل الأعلى بين صحفييها، وقد التزمت مؤخرًا بذلك في إطار تسوية قانونية مع الحكومة، تستمر لعشر سنوات. وكان رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون طلب من الشبكة الإعلامية الكشف عن من يتقاضى أكثر من 450 ألف جنيه إسترليني سنوياً، ثم خفضت رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي الرقم إلى 150 ألف جنيه إسترليني.
وفي محاولة لاستباق الغضب، كان طوني هول قد صرح قبل خروج التقرير السنوي للعلن أن الرواتب العالية "تساعد في المنافسة على المواهب الصحفية الكبيرة"، مضيفًا: "نحن هيئة بث عالمية ونريد توظيف النجوم، نريد توظيف أفضل المذيعين والمراسلين، إننا في سوق وهي سوق تنافسية" وموضحًا "ينبغي القيام بالمزيد من العمل"، بينما صرح في وقت سابق مدير الإذاعة والتربية في "بي بي سي" جيمس بورنيل أن المذيعين الرجال "قد يواجهون تخفيضات في الرواتب مستقبلًأ".
ما يعطي مطالبات الزميلات الإعلاميات في هيئة البث البريطانية "بي بي سي" مزيدًا من الأهمية والانتباه، أنهن يناضلن لأجل مساواتهن في الأجور وحقوق العمل من وسط العاصمة البريطانية لندن، ومن داخل هيئتها الرسمية، وليس في أحد مؤسسات الإعلام المنسية في أحد أطراف العالم. وهو ما يزيد من كوميدية المشهد السوداء خاصة مع موجات بث وتلفزة بي بي سي دائمة الادعاء بالمهنية الكاملة والتزام حقوق الإنسان!
اقرأ/ي أيضًا: