الترا صوت - فريق التحرير
فجأة ينتقل حديث الإعلام المصري من التركيز حصريًا على دعم النظام وتأييد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إلى الإشارة للطبقة المتوسطة "المتآكلة" ومعاناة المواطنين، بل الحقوق والحريات!
تحول مفاجئ في خطاب الإعلام المصري من التركيز حصرًا على دعم النظام والرئيس، إلى الحديث عن معاناة المواطنين، وحق المعارضة في الوجود!
يأتي هذا التحول المفاجئ، غير الصارخ في كل الأحوال، بعد تظاهرات 20 أيلول/سبتمبر وموجة الفيديوهات المنتقدة للنظام، وعلى رأسها فيديوهات الممثل والمقاول محمد علي، والتي بدا، أي التظاهرات والفيديوهات، أنها أربكت بشكل أو بآخر، النظام المصري، ما دفعه ربما لإعادة التفكير في "الحشو" الخطابي لوسائل الإعلام التي يمتلكها تقريبًا، أو يديرها على الأقل.
اقرأ/ي أيضًا: في 3 فيديوهات.. صورة الأحداث الأخيرة في مصر
عمرو أديب و"ضرورة الانحياز للمواطن"
مع بداية ظهور مقاطع الفيديو الخاصة بالمقاول محمد علي، برز عمرو أديب مدافعًا أشرس من غيره من الإعلاميين، عن النظام المصري. وتصدر المشهد الإعلامي المدافع عن النظام، ببث ما قال إنها تسريبات مسجلة "مسيئة" لعلي، بالإضافة إلى صور.
لكن، لاحقًا، وبعد أن هدأت الموجة قليلًا، وفي سياق موجة جديدة هذه المرة يبدو أنها من تدبير النظام، بدأ عمرو أديب في الحديث عن حقوق المواطنين، بل وصل الأمر لتوجيه سيف النقد لوزراء بعينهم، وقرارات بعينها، مثل استنكاره حذف ملايين المواطنين من بطاقات التموين الحكومية.
تحدث أديب عن حق المواطن في العيش الكريم، وحقه في ألا يشعر بأنه مهدد في رزقه. لكن، وكما جرت العادة منذ عهد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، تُوجّه الانتقادات لـ"مسؤولين"، كمحاولة لعدم تحميل الرئيس المسؤولية.
البرلمان وحق المعارضة في الوجود
من ناحية أخرى، شهد البرلمان المصري ما أسمته الصحف المصرية بـ"جلسة المصارحة"، والتي ظهر فيها مصطفى بكري، أحد أبرز السياسيين والإعلامين دفاعًا عن النظام في وجه أي معارضة، مدافعًا عن حقوق المصريين في المعارضة!
بل دعا بكري إلى مشروع أسماه "المصارحة الوطنية"، إذ قال: "نريد مصالحة وطنية حقيقية مع الطبقة الوسطى التي تآكلت وانضمت للطبقة الكادحة، ونريد مصالحة مع الصحافة التي تحولت إلى إعلام المنع والمنح، ولم تعد تستطيع استضافة نائب أو وزير أو محافظ، ونريد للقوى الناعمة أن تقوم بدورها، خاصة بعد أن زادت الممنوعات".
وأضاف: "كما يجب أن تكون هناك مصالحة بين البرلمان والمواطنين، خاصة أن النواب صامتين، فكان طبيعى أن تستهين بهم الحكومة".
بالنسبة للكثيرين، فإن مصطفى بكري، الذي يقال عنه وعن غيره في الشارع المصري، إنه "لا ينطق عن الهوى"؛ طالب بإدارة للحياة السياسية على طريقة عهد حسني مبارك، حتى أنه قال: "يا ريس، اسمع مشاكل الناس، حتى لا نعيد سيناريو 25 يناير، وعلى كل شخص خائف أن يقول كلمة الحق".
حتى أحمد موسى!
حتى أحمد موسى، الإعلامي الأكثر عنفًا كلاميًا في خطابه تجاه أي معارضة أو نقد للنظام على مدار السنوات الماضي، لعب على نغمة التنفيس بـ"الاستماع للمواطنين"، لكن، بطبيعة الحال، مع إخراج الرئيس من المشهد، إذ قال: "يجب على الحكومة ألا ترمي كل المسؤليات على الرئيس".
وفي إحدى حلقات برنامجه، قال موسى: "اسمعوا أصوات المواطنين". ثم تأكيدًا على أن الرئيس فوق النقد، وتحميلًا لـ"المسؤولين" مسؤولية ما يحدث، قال إن الرئيس "يسمع آهات الفقراء" وأن "تدخلاته لحل مشكلاتهم، أثلج صدرهم"، في إشارة إلى تغريدتين للسيسي تحدث فيهما عن متابعته الشخصية لموقف المواطنين الذين "تأثروا سلبًا ببعض إجراءات تنقية البطاقات التموينية، وحذف بعض المواطنين منها".
تغريدتا السيسي، وتحول الإعلاميين والسياسيين المحسوبين على النظام، جاءت بعد تظاهرات 20 أيلول/سبتمبر، لتضح صورةٌ بمحاولة النظام لخلق صورة مُعدّلة عن الحياة السياسية المغلقة في مصر، منذ سنوات.
خطاب التنفيس والمغازلة
تصدرت "الطبقة الوسطى" الصحف ووسائل الإعلام المصري خلال الأسبوع الماضي، بالحديث عن "معاناتها" والإشارة لضرورة الاستماع لها. استماعٌ مُنع سنوات بحجج تتعلق بـ"الأمن القومي" و"محاربة الإرهاب" و"بناء مؤسسات الدولة"، الأمر الذي يبدو أن في النظام الحاكم من أدرك، بعد ضغط تظاهرات 20 أيلول/سبتمبر أنه إن أجدى نفعًا لفترة، فلن يفعل أكثر من ذلك.
لكن محاولة التعديل على المشهد السياسي في مصر، والانقلاب المفاجئ في نوعية خطاب النظام متجليًا في إعلامييه وكُتّابه، لم تتجاوز تمامًا خطابات التحذير مما يُحاك من "قوى الشر" داخليًا وخارجيًا ضد مصر، بطريقة: هذه لا تنفي تلك.
وفي سياق التحول، سُمح لمقالات بأن تنشر، ما كانت لتنشر فيما مضى، ولا أقل منها في المحتوى، مثل مقال للباحث والكاتب عمرو الشوبكي، في صحيفة المصري اليوم، بعنوان: "قضية التظاهر"، يدعو فيه إلى فسح المجال أمام التظاهرات من باب التنفيس.
بخلاف مقال للكاتب طلعت إسماعيل في صحيفة الشروق، بعد أن تحدث فيه عن "التحديات الداخلية والخارجية" التي تواجه مصر، والتي وصفها بـ"غاية الخطورة"، لفت إلى خروج المصريين في ثورة "25 يناير" في وجه نظام "لم يحقق لهم عدلًا اجتماعيًا"، قائلًا إنه "يجب أن تكون الطبقة المتوسطة على سلم أولويات الحكومة".
يحاول النظام المصري استدراك واقع احتقان الشارع المصري من سياساته برمتها، خاصة بعد احتجاجات 20 أيلول/سبتمبر 2019
يرى متابعون أن النظام المصري، بهذه المواقف، إنما يحاول استدراك واقع احتقان الشارع المصري من سياساته برمتها، حتى الفئة التي كانت تؤيده من المصريين، تأذت بشكل كبير من سياسات اقتصادية، في حين كان يطالب منهم الصبر عليها والاحتساب في مستقبل مبهم، ومن إجراءات أمنية قاسية، ما انعكس غضبًا متواريًا في كثير من الأحيان على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ/ي أيضًا: