27-سبتمبر-2019

عناصر شرطة مصرية (أ.ف.ب)

الترا صوت - فريق التحرير

خلال الساعات الماضية، تصاعدت حدة التوتر في الشارع المصري، مع زيادة التشديدات الأمنية التي تفرضها الشرطة على القاهرة وعدد من المحافظات، قبل ساعات من الدعوة للتظاهر التي أطلقها الممثل والمقاول المصري محمد علي.

عملت الشرطة المصرية على فرض السيطرة بالقوة في المناطق الحيوية بالقاهرة، فانتشر المخبرون ونقاط التفتيش العشوائية

وأمام التظاهرات التي انطلقت يوم الجمعة الماضية، فيما يتوقع خروج تظاهرات اليوم الجمعة 27 أيلول/سبتمبر 2019، سعت الشرطة المصرية جاهدة لاستعادة تاريخها القديم، بستة أيام مليئة بالتجاوزات الحقوقية والدستورية، وحالات الاعتقال التي وصلت في بعض التقديرات إلى أكثر من 1900 معتقل، طالت نشطاء وسياسيين وصحفيين وكتابًا، وحتى أجانب.

اقرأ/ي أيضًا: اعتقال أجانب في مصر بينهم أردنيان بتهم "الشمّاعة"

عملت الشرطة المصرية على فرض السيطرة بالقوة في المناطق الحيوية بالقاهرة، فانتشر المخبرون ونقاط التفتيش العشوائية، مع تواتر شهادات عن إيقاف مواطنين عشوائيًا وتفتيش هواتفهم المحمولة.

تأتي الحملة الأمنية المشددة من قبل وزارة الداخلية المصرية، بعد ما تردد خلال وعقب مظاهرات الجمعة الماضية، من تراخي الشرطة في التعامل مع الاحتجاجات، الأمر الذي فسّره البعض آنذاك بأنها محاولة من الشرطة تجنيب نفسها الدخول في صراع قد يودي بها كما حدث إبان ثورة "25 يناير" 2011.

مظاهرات 20 سبتمبر في مصر
من مظاهرات الجمعة الماضية، 20 أيلول/سبتمبر

هل تسعى الشرطة المصرية الآن إلى استعادة تاريخها القديم، بحثًا عن دور لها، في ظل ما يتردد سياسيًا عن تهميش دورها وتقليل سطوتها من قبل النظام الحالي، في مقابل دور أكبر لأفراد الجيش والقوات المسلحة؟ 

بيان تحذيري

بدأت استعدادات الشرطة المصرية لوأد الاحتجاجات بعد الجمعة الماضية، وبالتدريج، بشن حملات اعتقال مكثفة، أعقبتها اعتقالات عشوائية من الشارع ومداهمات للمنازل.

ويوم أمس الخميس، نشرت وزارة الداخلية بيانًا مقتضبًا طالبت فيه المواطنين "الالتزام بقواعد الحفاظ على النظام العام والقانون"، مشددة على أنها "ستتصدى بكل حزم وحسم لأي محاولة لزعزعة الاستقرار والسلم الاجتماعي".

وبعد جمعة احتجاجات وصفت بأنها الأول من نوعها من حيث تعامل الشرطة المصرية معها بـ"تهاون"، نفذت الداخلية حملة اعتقالات شرسة، بدأتها باعتقال عدد من السياسيين والشخصيات العامة البارزة، مثل أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، وحازم حسني الذي كان متحدثًا باسم حملة ترشح سامي عنان، والرئيس السابق لحزب الدستور خالد داوود، والناشطة الحقوقية ماهينور المصري.

وألقت قوات الأمن القبض على مجدي قرقر الأمين العام لحزب الاستقلال، وعلى نجلاء القليوبي زوجة مجدي حسين رئيس حزب الاستقلال، وآخرين من أعضاء الحزب، إضافة إلى عبدالعزيز الحسيني، نائب رئيس حزب تيار الكرامة المصري.

ثم توسعت دائرة حملة الاعتقالات لتشمل مداهمات منزلية واسعة النطاق، واعتقال عشوائي من الشارع، إضافة إلى اعتقال أجانب، بينهم أردنيان وفلسطيني وسوداني وهولندي، وآخرون.

وفي حين امتنعت وزارة الداخلية عن إصدار أي بيانات بإجماليّ أعداد المعتقلين، أصدر النائب العام المصري، المستشار حمادة الصاوي، بيانًا رسميًا، قال فيه إن النيابة العام استجوبت عددًا لا يتجاوز ألف متهم بالمشاركة في المظاهرات، قال البيان إن بعضهم "تم تضليله".

لكن في مقابل الإحصائية التي قدمتها النيابة العامة، رصدت مراكز حقوقية بالأسماء، اعتقال نحو 1500 مواطن، وزادت الإحصائيات لدى بعض المراكز الحقوقية.

ففي حين رصدت المفوضية المصرية للحقوق والحريات اعتقال 1471 مواطن، رصد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 1915 حالة اعتقال على مدار الأيام الماضية، بينها 96 حالة اعتقال لقاصر، و68 حالة اعتقال لسيدة وفتاة.

وعلى إثر هذه الاعتقالات، طالبت منظمة العفو الدولية، قادة العالم، إلى إصدار إدانات ضد الملاحقات الأمنية التي تشنها الشرطة المصرية ضد المعارضين وأي مشتبه في معارضته!

أداء مختلف من الداخلية

تجلت شراسة الحملة الأمنية لقوات الشرطة المصرية في تنوع صور الاعتقالات والمعتقلين، ما بدا لمراقبين أداءً مختلفًا من الوزارة المعنية بالأمن الداخلي، تبحث به عن دور لها لإعادة "الهيبة" المستلبة منذ سنوات.

وبحسب مصادر خاصة مطلعة، نفذت قوات الشرطة، قبيل الجمعة الماضية مداهمات أمنية بقرار داخلي، دون أي أذون قضائية، أو حتى أوامر من أجهزة سيادية. 

وبعد يوم الجمعة الماضي، نفذت الداخلية اعتقالات على منشورات بمواقع التواصل الاجتماعي، كما حدث مع أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة. ثم اعتقالات عشوائية من الشارع، إضافة إلى اعتقالات طالت صحفيين يعملون بقنوات مؤيدة للنظام، بل مملوكة لشركات أجهزته السيادية، مثل "سي بي سي"!

كما ألقت قوات الشرطة القبض على أجانب من جنسيات مختلفة ومن خلفيات مختلفة، واستخدمتهم مادةً إعلامية، مخالفةً للقانون، بنشر اعترافات لهم بدا للكثيرين أنها منتزعة، بعد أن أكد معارف بعضهم في مصر أن لا شأن لبعضهم بالسياسة.

واعتقلت قوات الأمن المصرية تركيان هما: بيرات بيرتان وعبدالله كيماك، وهولندي يدعى بيتر باص هارون، وفلسطيني يدعى أشرف أسعد طافش، وثلاثة أردنيين هم: محمد بلال النظامي وقد أفرج عنه بتدخل من سفارة بلاده، وعبدالرحمن الرواجبة وثائر مطر، وسوداني يدعى وليد عبدالرحمن حسن، وتايلاندي يدعى إبراهيم مالي.

وكان لافتًا أن جاءت الاتهامات للفلسطيني أشرف أسعد طافش، بانتمائه لكتائب سرايا القدس والقول بأنها تتبع حركة حماس مع أنها تتبع حركة الجهاد الإسلامي. كما كان لافتًا الزعم بأن التايلاندي إبراهيم مالي، منتمِ لتنظيم داعش الإرهابي، وأنه شارك في المظاهرات بمصر من أجل "الثورة الإسلامية"، رغم أن أدبيات تنظيم داعش لا تتضمن فعل التظاهر أبدًا! 

ما يتضح من عشوائية في الاعتقال ورمي الاتهامات على المعتقلين، يكشف كما يبدو عن أن الجهاز "المدني" المنوط بالأمن الداخلي في البلاد، يتحرك بدافع بسط السيطرة والنفوذ بعد سنوات من فقدان "الهيبة" في الشارع وفي دائرة الحكم.

ثائر مطر وعبد الرحمن الرواجبة
الأردنيان المعتقلان في مصر ثائر مطر (يمين) وعبد الرحمن الرواجبة

وما قد يعزز من ذلك، ما وصفه البعض بمحاولات الشرطة "بث الرعب" في الشارع، من خلال نقاط التفتيش العشوائية، وإيقاف المواطنين على الهيئة، وتفتيشتهم وتفتيش هواتفهم المحمولة، ومن خلالها تفتيش حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أن المادة 57، باب الحريات، في الدستور المصري، تنص على أن "لحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة ولا تمس. وللمراسات البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية وغيرها من وسائل الاتصال، حرمة، وسريّتها مكفولة، ولا يجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يبينها القانون".

تنوع صور الاعتقالات والمعتقلين وعشوائيتها في كثير من الأحيان، يكشف عن أن الشرطة المصرية ربما تبحث عن استعادة "الهيبة" بالعنف

"تحول مريب"، هكذا وصف البعض التباين بين تعامل الشرطة مع المتظاهرين في جمعة الماضية، والذي لم تلجأ فيه لاستخدام العنف المفرط كما سبق لها أن فعلت مع التظاهرات خلال الفترة ما بين الثالث من تموز/يوليو 2013 و2015، وبين حملة الاعتقالات العنيفة التي اتسمت في كثير من الأحيان بالعشوائية، واعتمدت على الترهيب أكثر من غيره، وتصدير صورة الرعب. 

فهل تحاول الشرطة المصرية فعلًا، إعادة إحياء نفسها بعد أن "انتقلت إلى رحمة الله في 28 يناير 2011" كما قال وزيرها الأسبق منصور العيسوي؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

"التحرير" يستقبل أهله.. والسيسي يطير لأمريكا

كيف غطت الصحف العالمية المظاهرات المصرية الأخيرة؟