12-أكتوبر-2023
Israeli soldiers seen alert with rifles in their hands ready...

مراسلة سي أن أن، كلاريسا وورد، لاقت انتقادًا لأدائها التمثيلي أثناء سماع أصوات صواريخ أطلقتها المقاومة الفلسطينية

 

في العاشر من أكتوبر الجاري، نشر تيري بريتون، عضو المفوضية الأوروبية، رسالةً مفتوحة و"طارئة" وجهها للمدير التنفيذي لشبكة التواصل الاجتماعي إكس، محذرًا إياه من خطورة "المعلومات المضللة المزعومة حول هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل"، بما في ذلك الأخبار الكاذبة و"الصور القديمة المعاد توظيفها"، المنشورة على الموقع. وبحسب الرسالة، التي حملت طابعًا صارمًا وتهديديًا، إذا لم يمتثل ماسك، للتعليمات فقد يواجه غرامة قدرها 6 في المئة من إيرادات إكس، أو حجبه بالكامل داخل أراضي الاتحاد الأوروبي.

 

كتب تييري بريتون إلى ماسك يحثه على ضمان "استجابة سريعة ودقيقة وكاملة"، ويطلب منه الاتصال باليوروبول، وكالة إنفاذ الشرطة في الاتحاد الأوروبي، و"وكالات إنفاذ القانون ذات الصلة" داخل الاتحاد الأوروبي خلال مدة أقصاها 24 ساعة لتنفيذ الأوامر.

 

الترا فلسطين

 

أتى رد ماسك على ذلك بأن سياسة الموقع "تقوم على أن كل شيء مفتوح المصدر وشفاف، وهو النهج الذي أعرف أن الاتحاد الأوروبي يدعمه". وطلب من المشرّعين إدراج المخالفات التي أشاروا إليها على المنصة، حتى يتمكن الجمهور من رؤيتها. ليردّ عليه بريتون "أنت على دراية تامة بتقارير المستخدمين - والسلطات - حول المحتوى المزيف وتمجيد العنف… الأمر متروك لك لإثبات أنك تلتزم بالمحادثات".

في تلك الأثناء، نشرت كاتبة العمود الصحفية الأميركية مارجريت سوليفان مقالاً في صحيفة الغارديان البريطانية بعنوان "لا تلجأ إلى إكس المملوك لإيلون ماسك للحصول على معلومات موثوقة حول إسرائيل أو فلسطين"، وفيه بيّنت حجم انتشار المعلومات المضللة على الموقع، من صور مفبركة إلى مقاطع من ألعاب فيديو يجري تداولها على أنها حقيقية، وهي محقة بالطبع، إذ رصد موقع مسبار لتقصي الحقائق ما يزيد عن 70 ادعاء كاذب أو مضلل منتشرين على المنصة حتى الآن.

بيد أن الكاتبة استشهدت بمثالٍ واحد فقط على وجه الخصوص.، انتشار خبر زائف نُسب لصحيفة جيروزاليم بوست مفاده أنه تم نقل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى المستشفى. بينما حذرت في معرض مقالها، نقلًا عن كلارا جيفري، رئيسة تحرير مجلة "مذر جونز" الأميركية، من المشاكل القادمة إلى المنصة بعد إعلان حماس نيتها "إعدام الرهائن المدنيين وبث ذلك إلى الملأ" دون ذكر لاقتران ذلك بشرط شن غاراتٍ إسرائيلية غير مُنذَر بها.

استجابة لتحذيرات القائلين، وتفاديًا للوقوع بفخ "المعلومات المضللة"، بحثنا في الإعلام نفسه الذي يحذر من تلك المعلومات، لنضمن الحصول على "معلومات موثوقة" حول ما يجري في غزة، كيف يتم سرد الوقائع، وما هي اللغة المستخدمة في توصيفها.

ما معايير "الهجوم المبرر"؟

في صباح السابع من أكتوبر الجاري، وفي أعقاب عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها كتائب القسام في مستوطنات غلاف غزة، أدانت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، الهجمات في بيان، قائلة: "تدين الولايات المتحدة بشكل لا لبس فيه الهجمات غير المبررة (Unprovoked attacks) التي يشنها إرهابيو حماس ضد المدنيين الإسرائيليين. ليس هناك أي مبرر للإرهاب على الإطلاق. نحن نقف بحزم مع حكومة وشعب إسرائيل، ونقدم تعازينا للأرواح الإسرائيلية التي فقدت في هذه الهجمات."

وتبنّت معظم وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية التعبير الذي استخدمته واتسون، إذ ترافق مصطلحا "حماس" مع "هجمات غير مبررة" باللغة الإنجليزية في أكثر من 4000 موضع منذ بداية طوفان الأقصى حتى الآن، بحث بيانات محرك البحث جوجل. بينما ذهبت وسائل إعلامٍ إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ نشرت مجلة "تايم" الأميركية تقريرًا مطوّلاً عن ما ادعت أنه مسببات العملية، عنونته بـ "لماذا حاولت حماس تخريب فرص السلام العربي الإسرائيلي بهجوم واسع النطاق غير مبرر؟".

صحيحٌ أن إسرائيل ليست من بادر بإطلاق الرصاصة الأولى هذه المرة، وأن الهجوم كان مفاجئًا للإسرائيليين وللعالم وحتى للفلسطينيين أنفسهم، لكن ألا يوجد عوامل أخرى يمكن للإعلام الغربي أن يعتبرها "مبررات"؟ قبل حوالي أسبوعين فقط من هجوم حماس المفاجئ، ذكرت وكالة أسوشيتد برس أن ما يقرب من 200 فلسطيني قتلوا على يد إسرائيل في عام 2023 وحده، بين الضفة الغربية وقطاع غزة.

ولطالما حذرت الأمم المتحدة من تدهور وضع حقوق الإنسان لأكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة المحاصرة منذ 16 عامًا، التي تعتبر بمثابة أكبر سجن مفتوح في العالم، حيث تُحتسب السعرات الحرارية اللازمة للاستهلاك ليدخل من الطعام ما يكفي فقط لمنع حدوث مجاعة، و90 من المياه غير قابلة للشرب، حيث أعلنت الأمم المتحدة في ورقة منذ أعوام أن القطاع لن يكون صالحًا للحياة بحلول 2020. واعتبرت منظمات حقوق الإنسان الرائدة في العالم إسرائيل دولة فصل عنصري، ناهيك عن أشكال العنف الأخرى على أيدي الجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين يوميًا، بما في ذلك مداهمة المنازل وقتل واختطاف المدنيين والنساء والأطفال.

لذا فحقيقة أن شخصًا ما في المستويات العليا من وسائل الإعلام أو صنع السياسة الأميركية أن ينظر إلى الهجوم على أنه "غير مبرر" هو أمر محير للعقل. 

وبينما بدت إدارة ترامب حريصة على إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بآمال الفلسطينيين وحقوقهم في أسرع وقتٍ ممكن من خلال مبادرات السلام التي عُرفت باسم "اتفاقيات أبراهام"، فإن إدارة بايدن كانت شبه غائبة فيما يتعلق بالمأساة الفلسطينية. إذ كرّس وزير الخارجية أنتوني بلينكن الكثير من وقته في الآونة الأخيرة لإحلال السلام بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، في الوقت الذي تصبح فيه إسرائيل أكثر فاشية من أي وقت مضى، وبينما يتضور الفلسطينيون جوعا ويعيشون بلا أي أمل. 

"11 سبتمبر".. ليس مجرد تشبيه

في الثامن من أكتوبر الجاري، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، مقالاً بعنوان "إسرائيل وحماس يخوضان حربًا: لحظة تشبه 11 سبتمبر أو بيرل هاربر"، كأول من يقارب بين الحادثتين، لتتلوها بعد ذلك عشرات الصحف والقنوات التلفزيونية، وحتى سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، الذي قال في كلمته خارج مجلس الأمن يوم الأحد: "هذه هي أحداث 11 سبتمبر الإسرائيلية"، وكررها مرتين متتاليتين.

في حين أن كلتا الحادثتين شكّلتا خرقًا أمنيًا واستخباراتيًا ونُفذتا على أيدي جماعاتٍ إسلامية، إلا أن الفرق الجوهري هو أن حماس، بعكس تنظيم القاعدة، لم تحارب يومًا خارج أراضيها، ولم تعتد على سيادة أي دولة على حدودها. كما أن عددًا من مقاتلي حماس ينتمون إلى البلدات والمدن التي دخلوها صباح السبت الفائت، يعرفون أسماءها بالعربية، ولدى بعضهم صور أهاليهم فيها وهم صغار في منازلها.

وفي حين أن التشبيه بين ما جرى وأحداث 11 سبتمبر قد يعتبر مجرد مصطلحٍ إعلامي، فإن الحكومة الإسرائيلية بدأت بالفعل استخدامه كسلاح دعائي ضخم في تبرير جرائم حرب واسعة النطاق تشنها ضد المدنيين في غزة.

 

على السطح، قد يبدو أن المقاربة بين ما شهده الإسرائيليون للتو وما حدث في 11 سبتمبر 2001 يبرر الدعوة إلى التضامن المطلق مع إسرائيل. لكن الإجراءات المروعة حاليًا تقودها الحكومة الإسرائيلية، التي حافظت منذ فترة طويلة على نظام الفصل العنصري بينما تسحق حقوق الإنسان الأساسية للشعب الفلسطيني.

 

الأخطر من ذلك عند الترويج لـ "11 سبتمبر الإسرائيلي" هو ما حدث بالفعل بعد 11 سبتمبر في أميركا. إذ شرعت الأخيرة، مرتدية ثوب الضحية، في استخدام تلك الأحداث المأساوية التي طاولت آلاف الأبرياء، كترخيص لقتل أضعاف أضعافهم من الناس باسم الانتقام والعدالة، وبطبيعة الحال، "الحرب على الإرهاب".

 

إنها قواعد اللعبة التي تعمل حكومة بنيامين نتنياهو حاليًا على تكييفها وتنفيذها بقوة. إن العقاب الجماعي الذي تفرضه إسرائيل الآن على 2.3 مليون شخص في غزة يشكّل تكثيفًا لما كانت تفعله إسرائيل بالفلسطينيين لعقود من الزمن. لكن التطرف الإسرائيلي، الذي يروج لنفسه أكثر من أي وقت مضى باعتباره مسألة دفاع عن النفس، وصل إلى أعماق عنصرية جديدة من الاستعداد لمعاملة البشر على أنهم مناسبون للإبادة، الأمر الذي تجلى في تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت الذي وصف الفلسطينيين بأنهم "حيوانات بشرية"، وقال: "نحن نقاتل الحيوانات ونتصرف على هذا الأساس"، في معرض إعلانه فرض الحصار الشامل على غزة. التصريح الذي أغفلته صحف أميركية كبرى مثل نيويورك تايمز و وول ستريت جورنال ومجلة فوربس، واكتفت بالتوقف عند جزئية حظر توريد الكهرباء والغذاء والوقود.

 

بالمثل، وباسم مكافحة الإرهاب، فرضت الولايات المتحدة عقابًا جماعيًا على أعداد كبيرة من الأشخاص الذين لم يكن لهم أي علاقة على الإطلاق بأحداث 11 سبتمبر. إذ يحصي مشروع تكاليف الحرب في جامعة براون الأميركية أكثر من 400 ألف حالة وفاة مباشرة بين المدنيين "في أعمال العنف التي شهدتها الولايات المتحدة بعد حروب 11 سبتمبر في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا واليمن وأماكن أخرى".

 

وفي وقت مبكر من "الحرب على الإرهاب"، صاغ وزير الدفاع الأميركي حينها دونالد رامسفيلد نموذجًا لشرعنة أي عملية قتل تجري على يد الجيش الأميركي. وقال في مؤتمر صحفي في ديسمبر/كانون الأول 2001، بعد شهرين من حرب أفغانستان: "نحن لم نبدأ هذه الحرب". وأضاف "لذا افهموا أن المسؤولية عن كل ضحية في هذه الحرب، سواء كانوا أفغان أبرياء أو أميركيين أبرياء، تقع على عاتق تنظيم القاعدة وطالبان"، تمامًا كما ستكون مسؤولية حماس، جرّاء هجومها "غير المبرر"، المذبحة التي بدأت في غزة منذ يومين.

أهي حرب؟

 

يبدو أن معظم وسائل الإعلام الغربية الكبرى قد رسَت على تعبيرٍ ثابت عن الأحداث في مدوناتها وتغطياتها المباشرة؛ "الحرب بين إسرائيل وحماس"، إذ استُخدم هذا المصلح في عناوين التغطيات لدى سي إن إن، سكاي نيوز، الغارديان، نيويورك تايمز، الجزيزة الإنجليزية، من بين وسائل أخرى.

 

إن استخدام مصطلح "الحرب" بين طرفين يوحي بأنها تجري بين دولة مستقلة في مواجهة دولة مستقلة أخرى. وفي هذا السياق، يتجاهل مسألة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، وحقيقة أن فلسطين ليس لديها جيشًا منظمًا في المقام الأول. 

تملك إسرائيل جيشًا منظمًا مدعومًا دوليًّا، يبلغ تعداده قرابة 187 ألف جندي نظامي و565 ألف جندي احتياطي. ويحتل الجيش الإسرائيلي من ناحية القدرات المرتبة 18 عالميًا حسب مؤشر غلوبال فاير باور. بينما لم يُسمح للفلسطينيين بتأسيس جيش نظامي مستقل على ما بقي من سيطرتهم على أراضي فلسطين، وذلك التزامًا باتفاقيات أوسلو وباريس ووادي عربة، التي نصّت على التعاون الأمني وعلى تقييد سلطات الفلسطينيين فيما يتعلق بالجوانب العسكرية. 

لذا لا يمكن إجراء مقارنة مباشرة بين مجموعات المقاومة الفلسطينية المسلحة، التي تعتمد على الصواريخ محلية الصنع مثل "قسام" و"عياش"، وصواريخ "رجوم" قصيرة المدى، إضافة إلى مجموعة من البنادق الرشاشة، وبين الجيش الإسرائيلي المزوّد بالرؤوس النووية والبوارج والمقاتلات وطائرات الاستطلاع وبطاريات الدفاع الجوي وراجمات الصواريخ والفسفور الأبيض واليورانيوم المنضب والقنابل العنقودية والفراغية والحارقة، وتقديمهما كندّين. 

نشر قصص كاذبة.. أو اختلاقها إن لزم الأمر 

تصدر خبر قطع حماس رؤوس 40 رضيعًا عند اقتحامها غلاف غزة، أغلفة عدد من الصحف البريطانية، مثل ذا صنداي تايمز، ذا ميرور وإكسبريس، بينما جرى تداوله لدى ذا إندبندنت، فوكس نيوز، إنسايدر، نيويورك بوست، ان دي تيفي، وغيرها. 

مصدر الخبر كان تقريرًا بثته قناة i24 نيوز بنسختها الإنجليزية أمس الثلاثاء العاشر من أكتوبر، وجاء على لسان مراسلة القناة نيكول زيديك، في تقرير أعدّته من "كفار عزّة" بالصوت والصورة أثناء تجوالها بالمكان، قالت إنّها تحدثت إلى جنود الجيش الاسرائيلي الذين أشاروا إلى رؤيتهم لأطفال ورضّع برؤوس مقطوعة. 

وعندما تتبّع موقع "مسبار" لتقصي الحقائق انتشار الادعاء في قنوات ووسائل إعلام دولية، خصوصًا في الولايات المتحدة، لاحظ أنّه لم يكن متداولًا في الإعلام الإسرائيلي العبري، وكان ذلك مدعاة للشك، إذ إنّ خبرًا كهذا- لو كان صحيحًا- لانتشر على نحو واسع في القنوات الإسرائيلية البارزة، كقنوات 12، 13، 11 العبرية، إضافةً إلى الصحف العبرية المعروفة. 

لكن بعد نحو أربع ساعات على انتشار الخبر، توجهت وكالة الأناضول بسؤال إلى الجيش الإسرائيلي عن حقيقة جثث الأطفال، لينفي المتحدث علمه بالحادثة، مؤكدًا عدم امتلاكه معلومات حولها. الأمر الذي دحض ما ادّعته مذيعة قناة i24 الإخبارية، التي كانت ضمن فريق من المراسلين الذي أجروا جولة في المستوطنة برفقة جنود الاحتلال. 

وفي مقطع فيديو مثير للجدل بثته سي إن إن ضمن تقرير إخباري يوم 9 أكتوبر، يُظهر كبيرة مراسلي الشبكة الدوليين الأميركية كلاريسا وارد، وطاقم تصويرها، وهم يحاولون الاختباء في خندق في منطقة مستوطنات أشكول الواقعة في غلاف غزة، لتتجنب التعرض لضربة مزعومة ووابل من الصواريخ في سماء المنطقة على طول الحدودية بين إسرائيل وغزة، وتظهر وهي تحاول نقل ما يحدث حولها وتتنفس بصعوبة أثناء استمرارها في الحديث بينما كانت تختبئ في الخندق.

وعندما تمكنت وارد أخيرًا من النهوض، بدأت تصف مشهدًا فوضويًا حولها، وادعت أنه حدث بالقرب منها، وزعمت أن المسلحين أطلقوا النار على المركبات القريبة منها وطاقمها. لتصف المشهد قائلة "والآن أستطيع أن أريكم المشهد هنا، هذا هو المكان الذي جاء فيه هؤلاء المسلحون لأول مرة وفتحوا النار على كل هذه المركبات"، مضيفة "توجد عربة أطفال في الأسفل مقلوبة على جانبها أيضًا".

وتستمر وارد في تقريرها قائلة إن الدخان المتصاعد على مسافة بعيدة منها في غزة، هو نتيجة للغارات الجوية و"الرد على النيران"، قبل أن تتساءل عما إذا كان ذلك ناتجًا عن قاذفات الصواريخ أم لا، وهي نفسها غير متأكدة. وتقول "سامحوني، من الصعب بعض الشيء بعد أن كنت جاثمة في خندق أن أعرف بالضبط ما يحدث”، مع العلم أنها جلست في مكان الاختباء لحوالي دقيقتين فقط، بحسب التقرير نفسه.

وعند استمرار وارد في وصف المشهد حولها، يظهر رجلان يرتديان ملابس مدنية وأحدهما كان يقوم بالتدخين السجائر، ولم يبدو عليهما أي قلق بشأن ضربات صاروخية مفترضة. ما جعل الشبكة الإخبارية تواجه اتهامات بتلفيق تقاريرها الحربية القادمة من إسرائيل، أو تهويلها على الأقل.

ما حجم التوازن في التغطية؟ 

إذا نحّينا الاصطفافات، واعتبارات المعتدي والمعتدى عليه، تنص القاعدة الأولى في العمل الصحفي على وجوب الوقوف على مساحة واحدة من جميع الأطراف، خصوصًا تلك التي يتّضح فيها الطرفان. فإلى أي مدى التزمت الصحف الغربية الكبرى بتلك التوصية اليوم، في ظل حقيقة أن عدد الضحايا في غزة تجاوز الـ 1100، بينهم أكثر من 300 طفل، وسط انقطاع تام للتيار الكهربائي، وغاراتٍ جوية لا تتوقف؟ 

تضمنت واجهة صحيفة نيويورك تايمز 11 مادة صحفية، 7 منها كانت عن آخر مستجدات الجيش الإسرائيلي، وكيف تمكّنت حماس من تجاوز العقبات الأمنية الإسرائيلية، وعن ذعر المواطنين الإسرائيليين في الشمال خوفًا من انفتاح جبهة جديدة، وعثور الجنود الإسرائيليين على وثائق تثبت تورط حماس بـ "قتل مدنيين"، بينما احتوت على خبر يتيم عن معاناة فرق الإنقاذ في غزة في ظل انقطاع الكهرباء وشحّ الإمدادات.

 

صورة

 

أما صحيفة واشنطن بوست، فخصصت العنوان الرئيسي في صفحتها الافتتاحية لاقتباس نتنياهو الذي قال إن "كل عنصر في حماس هو في عداد الموتى"، بينما خصصت جميع أخبار الصفحة الأولى لإسرائيل، باستثناء خبر واحد عن التجاهل شبه التام من مختلف الأطراف لبيانات واجتماعات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، ولم تأتِ على ذكر ما يجري في غزة.

 

صورة 2

 

 

احتلّ نتنياهو العنوان الرئيسي في صحيفة وول ستريت جورنال كذلك، التي روّست صفحتها الأولى بخبر تشكيله حكومة طوارئ لإدارة الحرب، ذيّلته بخبر عن تغيير ما وصفته بـ "اعتداء حماس" للقواعد في الشرق الأوسط وآخر عن تحضيرات الجيش الإسرائيلي لاجتياحٍ برّي لغزة، فيما لم تُذكر غزة سوى بخبرٍ جانبي عن حصيلة الضحايا حتى الآن، فيها وفي إسرائيل، لا في خبرٍ مستقل.

 

3

 

 

أما بالنسبة للإعلام البريطاني، فقدت خصصت صحيفة تيليغراف اليومية واجهتها بأكملها لتغطية "إسرائيل التي تخوض الحرب". إذ تصدر صفحتها الأولى وعد نتنياهو كذلك بـ "محو حماس"، بينما كان هناك عدد من الأخبار التي تحمل جانبًا يثير العاطفة لدى القراء، مثل نقل خبر الرُضّع مقطوعي الرأس، وشهادات الجنود حول "رائحة الموت" في مستوطنة بئيري، فيما ظهر خبرًا يتيمًا عن قصف حي الرمال في غزة.

 

4

 

صحيفة الإندبندنت البريطانية خصصت العنوان الرئيسي في صفحتها الأولى لتحضيرات إسرائيل هجومها البري على قطاع غزة. ومن بين 9 أخبار منشورة في واجهتها عن إسرائيل، والقرى التي "اقتُحمت"، والوضع الأمني فيها، كان هناك خبرًا فقط عن انقطاع الكهرباء في غزة وتقريرًا تعريفيًا بقطاع غزة وحصاره، دون التركيز على ما يجري فيه حاليًا من قصف على مدار الدقيقة وتردٍّ في الأوضاع الإنسانية.

 

 

5

 

وفي ألمانيا، تصدر بنيامين نتنياهو واجهة موقع صحيفة دير شبيغل في تقريرٍ عن جهود حكومته للصمود في حربها الحالية. تذيّله 6 مواد صحفية عن عمليات إجلاء مواطنين ألمان من إسرائيل، ضحايا "هجوم حماس" من النساء، تزويد ألمانيا لإسرائيل بالمعدات العسكرية، مفاوضات تركيا مع حماس لإطلاق سراح الرهائن، بالإضافة إلى مقال رأي عن "الإرهاب المعادي للسامية"، وسط غياب أي مادة خبرية عن ما جرى أو يجري في غزة.

6

 

 

يعد التوازن والإنصاف من الكلمات الكلاسيكية لأخلاقيات الصحافة؛ في الصحافة الموضوعية؛ فالتوازن يعني محاولة تقديم جميع جوانب القصة وتخصيص قدرٍ مماثل لكل منها، بينما يعني الإنصاف أن يسعى الصحفي لتحري الدقة في المعلومة ثم تقديمها كما هي، وألّا يحرف القصة حتى يتوصل القارئ إلى الاستنتاج المطلوب للمراسل، فماذا لو لم يذكر المراسل لا القصة ولا المعلومة ولا الاستنتاج؟ أوليس عدم القول قولاً؟