30-مارس-2024
إبادة بيئية في غزة

(GETTY) يقول باحثون ومنظمات بيئية إن الدمار سيكون له آثار هائلة على النظم البيئية، والتنوع البيولوجي في غزة

يتحدث تقرير لصحيفة "الغارديان" البريطانية، عن تدمير جيش الاحتلال للمزارع والحقول والغطاء الأخضر في قطاع غزة، ويستكشف التقرير انعكاسات العدوان على البيئة في القطاع المحاصر، هذه الممارسات كلها دفعت مؤسسات بحثية للحديث عن إبادة بيئية ينفذها الاحتلال في قطاع غزة.

في مستودع متهالك في رفح، تعيش سهى أبو دياب مع بناتها الثلاث الصغيرات وأكثر من 20 فردًا آخر من أفراد الأسرة. ليس لديهم مياه جارية ولا وقود، وتحيط بهم مياه الصرف الصحي الجارية والنفايات المتراكمة.

ومثل بقية سكان غزة، فإنهم يخشون أن يكون الهواء الذي يتنفسونه مليئًا بالملوثات وأن المياه تحمل الأمراض. وخلف شوارع المدينة توجد بساتين مدمرة وبساتين زيتون وأراضي زراعية دمرتها القنابل والجرافات.

تقول سهى النازحة من مدينة غزة لـ"الغارديان": "هذه الحياة ليست حياة. هنا تلوث في كل مكان، في الهواء، في الماء الذي نستحم فيه، في الماء الذي نشربه، في الطعام الذي نأكله، في المنطقة المحيطة بنا".

وسط حديث عن إبادة بيئية الاحتلال دمر حوالي 38-48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية في قطاع غزة

ولم يتم بعد توثيق المدى الكامل للأضرار في غزة، لكن تحليل صور الأقمار الصناعية المقدمة لصحيفة "الغارديان" يظهر تدمير حوالي 38-48% من الغطاء الشجري والأراضي الزراعية.

وتوضح الصحيفة البريطانية: "لقد تحولت بساتين الزيتون والمزارع إلى أرض مكتظة؛ وتلوثت التربة والمياه الجوفية بالذخائر والسموم؛ ويختنق البحر بمياه الصرف الصحي والنفايات؛ والهواء ملوث بالدخان".

ويقول باحثون ومنظمات بيئية إن الدمار سيكون له آثار هائلة على النظم البيئية، والتنوع البيولوجي في غزة. وقد أدى حجم الضرر وتأثيره المحتمل على المدى الطويل إلى دعوات لاعتباره "إبادة بيئية" والتحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة.

"لم يتبق سوى التربة"

وتظهر صور الأقمار الصناعية والصور ولقطات الفيديو من الأرض كيف دمرت إسرائيل الأراضي الزراعية والبساتين وحقول الزيتون في غزة.

وقام هي يين، وهو أستاذ مساعد في الجغرافيا في جامعة ولاية كينت بالولايات المتحدة، والذي درس الأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية في سوريا ما بعد عام 2011، بتحليل صور الأقمار الصناعية التي أظهرت أن ما يصل إلى 48% من الغطاء الشجري في غزة قد فُقد أو تضرر بين عامي بين 7 تشرين الأول/أكتوبر و21 آذار/مارس.

وبالإضافة إلى الدمار المباشر الناجم عن الهجوم العسكري، أدى نقص الوقود إلى اضطرار الناس في غزة إلى قطع الأشجار حيثما وجدوها لحرقها لأغراض الطهي أو التدفئة.

وقد توصل تحليل مستقل عبر الأقمار الصناعية أجرته مجموعة Forensic Architecture، وهي مجموعة بحثية مقرها لندن، إلى نتائج مماثلة.

قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت المزارع والبساتين تغطي حوالي 170 كيلومترًا مربعًا، أو 47% من إجمالي مساحة أراضي غزة. وبحلول نهاية شباط/فبراير، تشير تقديرات المجموعة البحثية من بيانات الأقمار الصناعية إلى أن النشاط العسكري الإسرائيلي دمر أكثر من 65 كيلومترًا مربعًا، أو 38% من تلك الأراضي.

وبالإضافة إلى الأراضي المزروعة، شكلت أكثر من 7500 دفيئة في غزة جزءًا حيويًا من البنية التحتية الزراعية، وقد تم تدمير ما يقرب من ثلثها بالكامل، وفقًا للتحليل نفسه.

وتصف مساعدة مدير الأبحاث في مجموعة العمارة الجنائية سامانه موافي، التدمير بأنه منهجي.

واستخدم الباحثون صور الأقمار الصناعية لتوثيق عملية متكررة في مواقع متعددة، وتقول سامانه: "بعد الأضرار الأولية الناجمة عن القصف الجوي، وصلت القوات البرية مما أدى إلى تفكيك الدفيئات الزراعية بالكامل، في حين اقتلعت الجرارات والدبابات والمركبات البساتين والمحاصيل". وتوضح سامانه: "ما بقي هو الدمار. منطقة لم تعد صالحة للعيش".

وفحص التحقيق مزرعة واحدة في جباليا، كانت تزرعها عائلة أبو صفية على مدى العقد الماضي. وقد نزحت العائلة منذ ذلك الحين إلى الجنوب. فيما تم تدمير مزرعتهم واقتلاع البساتين بالكامل، وتم استبدالها بسواتر تربية عسكرية وشق طريق عسكري عبرها.

ويقول أحد أفراد الأسرة: "لا يوجد شيء تقريبًا يمكن التعرف عليه هناك. لا توجد آثار للأرض التي عرفناها. لقد محوها تمامًا. الأمر الآن كما كان من قبل: الصحراء... لا توجد شجرة واحدة هناك. لا توجد آثار للحياة السابقة. إذا ذهبت إلى هناك، فلن أتمكن من التعرف عليها".

يترافق ذلك، مع قيام الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ منطقة عازلة على حدود قطاع غزة. وفي تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أشارت إلى أن هذه المنطقة التي تشمل عمليات هدم وتجريف سوف تساهم في تقليص مساحة غزة 16%.

ويقول محققو بيلينجكات مفتوحي المصدر إنه يبدو أن حوالي 1740 هكتارًا (4300 فدانًا) من الأراضي قد تم تجريفها في المنطقة الواقعة جنوب مدينة غزة حيث ظهر طريق جديد، تشير إليه إسرائيل باسم الطريق 749 أو طريق محور نتسريم، ويمتد عبر مدينة غزة إلى البحر.

ومع إزالة الأشجار، أصبحت حتى التربة المتبقية مهددة. ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن القصف العنيف للمناطق المأهولة بالسكان يمكن أن يلوث التربة والمياه الجوفية على المدى الطويل، سواء من خلال الذخائر نفسها أو من خلال إطلاق المباني المنهارة مواد خطرة مثل الأسبستوس والمواد الكيميائية الصناعية والوقود في الهواء المحيط والتربة والمياه الجوفية.

ومنذ بداية الحرب، ألقت إسرائيل عشرات الآلاف من القنابل على غزة، وتشير تحليلات الأقمار الصناعية اعتبارًا من كانون الثاني/يناير إلى أن ما بين 50% إلى 62% من جميع المباني قد تضررت أو دمرت.

واعتبارًا من كانون الثاني/يناير 2024، قدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن القصف خلف 22.9 مليون طن من الحطام والمواد الخطرة، مع احتواء الكثير من الأنقاض على بعض جثث أصحاب المنازل.

وتوضح: "هذه كمية كبيرة للغاية من الحطام، خاصة بالنسبة لمثل هذه المنطقة الصغيرة. يمكن أن تحتوي مكونات الحطام والركام على مواد ضارة مثل الأسبستوس والمعادن الثقيلة وملوثات الحرائق والذخائر غير المنفجرة والمواد الكيميائية الخطرة".

دمار غزة

أكوام من النفايات والمياه المسمومة

ويعود تقرير "الغارديان"، إلى سهى أبو دياب، قائلًا: "المنطقة المحيطة بالمستودع الذي تستأجره أبو دياب مع عائلتها أرض قاحلة. تسربت مياه الصرف الصحي من منزل تعرض للقصف في مكان قريب وتراكمت النفايات، كما هو الحال في كل مكان بالقرب من مدينة رفح الجنوبية، التي تستضيف الآن الكثير من سكان غزة".

وتقول سهى: "إن مياه الصرف الصحي والنفايات حول المنزل هي مأساة كبيرة. القطط والكلاب تنجذب إلى النفايات، ثم تنشرها في الشوارع".

ويقول ويم زوينينبورج، الذي يحقق في تأثير الصراعات على البيئة لصالح منظمة السلام الهولندية باكس: "إن الحرب تدمر كل شيء بشكل عام. وفي غزة، يُعرض الناس لمخاطر إضافية من التلوث، ومن المياه الجوفية الملوثة. إنه تدمير أي شيء يعتمد عليه السكان المدنيون".

وقد قامت بلدية غزة بإدراج الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية ، مشيرة إلى أن 70,000 طن من النفايات الصلبة قد تراكمت منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقد انتشرت مدافن النفايات المرتجلة في جميع أنحاء المنطقة. ويقول زويننبرغ إن منظمة PAX حددت ما لا يقل عن 60 مكبًا غير رسمي للنفايات في وسط وجنوب غزة.

ويقول أمير، أحد سكان رفح، إن الناس أصبحوا مثقلين بتلوث الهواء حيث يستخدم الناس أي خشب أو بلاستيك لإشعال النيران، وتشغيل السيارات بزيت الطهي، والأبخرة التي خلفها القصف نفسه.

ويتابع بالقول: "الرائحة كريهة والدخان المنبعث من السيارات لا يطاق، لقد أصابني بالمرض لعدة أيام. إن رائحة البارود وهذه الغازات الفظيعة الناجمة عن القصف المستمر تلحق ضررًا حقيقيًا بالناس والبيئة على حد سواء".

ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه عندما قطعت إسرائيل الوقود عن غزة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أدى انقطاع التيار الكهربائي الناتج إلى عدم إمكانية ضخ مياه الصرف الصحي إلى محطات المعالجة، مما أدى إلى تدفق 100 ألف متر مكعب من مياه الصرف الصحي يوميًا إلى البحر.

الإبادة البيئية

وقد أدى حجم الدمار وتأثيره على المدى الطويل إلى دعوات للتحقيق فيه باعتباره جريمة حرب محتملة، وتصنيفه على أنه إبادة بيئية، والتي تشمل الضرر الذي يلحق بالبيئة نتيجة لأفعال متعمدة أو مهملة.

وبموجب نظام روما الأساسي، الذي يحكم المحكمة الجنائية الدولية، فإن شن هجوم مفرط عمدًا مع العلم بأنه سيسبب أضرارًا جسيمة وواسعة النطاق وطويلة الأجل للبيئة الطبيعية، يُعدّ جريمة حرب. 

وتشترط اتفاقيات جنيف على الأطراف المتحاربة عدم استخدام أساليب الحرب التي تسبب "ضررًا شديدًا وواسع النطاق وطويل الأمد للبيئة الطبيعية".

ويقول سعيد باقري، المحاضر في القانون الدولي في جامعة ريدينغ، إنه على الرغم من وجود خلافات حول كيفية تطبيق هذه المواد، إلا أن هناك أسبابًا كافية للتحقيق في الضرر الذي لحق في بيئة غزة بالفعل.

مجموعة الهندسة المعمارية الجنائية: تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية في غزة هو عمل متعمد من أعمال الإبادة البيئية

وتقول عبير البطمة، منسقة شبكة المنظمات غير الحكومية البيئية الفلسطينية: "لقد ألحق الاحتلال الإسرائيلي أضرارًا كاملة بجميع عناصر الحياة وجميع العناصر البيئية في غزة، لقد دمر الزراعة والحياة البرية بشكل كامل. ما يحدث هو بالتأكيد إبادة بيئية. [الاحتلال] يلحق الضرر التام بالبيئة في غزة على المدى الطويل، وليس فقط على المدى القصير".

وتستمر في القول: "الشعب الفلسطيني لديه علاقة قوية بالأرض، فهو مرتبط جدًا بأرضه وبالبحر أيضًا. لا يستطيع الناس في غزة العيش بدون صيد الأسماك أو الزراعة".

وتوضح مجموعة الهندسة المعمارية الجنائية: "إن تدمير الأراضي الزراعية والبنية التحتية في غزة هو عمل متعمد من أعمال الإبادة البيئية. إن المزارع والدفيئات الزراعية المستهدفة تعتبر أساسية لإنتاج الغذاء المحلي للسكان الذين يعيشون بالفعل تحت الحصار المستمر منذ عقود. وتتفاقم آثار هذا التدمير الزراعي المنهجي بسبب أعمال الحرمان المتعمدة الأخرى من الموارد الحيوية لبقاء الفلسطينيين في غزة".