26-يوليو-2023
;lkj

يثير قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن، الكثير من الجدل داخل البلاد على خلفية تخفيض سقف الحريات (GETTY)

في الوقت الذي لا زالت تتوالى ردود الأفعال بعد طرح مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن، سواءً على الساحة الرسمية أو على المستوى الحقوقي، لم تخلُ الساحة الرقمية من تفاعل الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ أطلق نشطاء من الأردن حملة إلكترونية عبر المنصات التفاعلية ضد مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب الأسبوع الماضي، مطالبين بالتراجع عنه وسحبه من البرلمان.

وعبر وسم #قانون_الجرائم_الإلكترونية_جريمة، عبّر نشطاء عن موقفهم الرافض لمشروع القانون، معتبرين أنه محاولة لتقييد الحريات وتجاوز حرية التعبير وحقوق الإنسان، حيث وصف القانون بـ"القمعي والمقيد للحريات العامة"، خلال الحملة.

وبالتزامن مع ذلك، اعتصم العشرات من الصحفيين الأردنيين أمام مبنى نقابة الصحافيين، في العاصمة عمّان، احتجاجًا على مشروع القانون، مطالبين الحكومة بسحب المشروع، ومجلس النواب بردّه.

مواد مشروع القانون الأردني الجديد وُسِّع فيها مفهوم جرائم من قبيل نشر الأخبار الكاذبة والزائفة، واغتيال الشخصية، وإثارة الفتنة والنعرات، واستخدمت في ذلك عبارات وصفت بالفضفاضة

مواد مشروع القانون الأردني الجديد، وُسِّع فيها مفهوم جرائم من قبيل نشر الأخبار الكاذبة والزائفة، واغتيال الشخصية، وإثارة الفتنة والنعرات واستخدمت في ذلك عبارات وصفت بالفضفاضة. ولم يقدم القانون أي استثناءات للصحفيين لضمان حرية التعبير وحرية الصحافة، بل إنه رفع الغرامة المالية والعقوبات الجزائية، ورفع مدة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.

وأثار مشروع القانون الذي أحيل من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب جدلًا واسعًا على المستويات الحقوقية والسياسية والبرلمانية، مع تساؤلات عن تأثيره على عمل الصحفيين والمؤسسات الإعلامية.

وتعددت المواقف، بين من يرى أن القانون جاء لحماية مصالح المجتمع من آثار الجرائم الإلكترونية بأشكالها المختلفة، ومن يعتقد أنه تكميم للأفواه وحرية التعبير وتحصين للحكومات والمسؤولين من الانتقاد المجتمعي، عبر تغليظ العقوبات بشكل مبالغ فيه، إذ تصل عقوبة بعض ما صنفتها بنود القانون على أنها جرائم إلكترونية إلى الحبس لمدة ثلاث سنوات وغرامات تصل إلى 50 ألف دينار أردني (حوالي 70.5 ألف دولار أميركي).

وذكرت مصادر مطلعة لصحيفة العرب أن مشروع القانون الجديد وضع بشكل عاجل دون فتح حوار وطني، قبل عرضه على مجلس النواب.

وقد أثار طرح مشروع القانون جدلًا، إذ إن الحكومة لم تعط فرصة لبحثه ودراسته، خصوصًا المادة 15 من مشروع القانون، التي وردت فيها عقوبات مغلظة لا تتناسب مع حجم الجرم، وأعطت تلك المادة الحق للنيابة العامة في تحريك دعوى دون الحاجة إلى الادعاء بالحق الشخصي.

أحكام وعقوبات مثيرة للجدل

وورد في مشروع القانون بعض الأحكام والعقوبات "غير المنطقية"، وفقًا لمحتجين عليه، إذ يُلزم مشروع القانون الشركات المالكة لمواقع التواصل خارج الأردن بفتح مكاتب لها في الأردن للتعامل مع الطلبات والإشعارات الصادرة عن الجهات القضائية والرسمية.

وتضمّنت المادة 37 من المشروع، أنّه "في حال عدم التزام منصات التواصل الاجتماعي خارج الأردن بذلك، فإنه يتم إخطار تلك المنصات من قبل هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بوجوب الامتثال لما سبق بيانه، خلال مدة لا تزيد على ستة أشهر تبدأ من تاريخ إرسال ذلك الإخطار".

وإذا انقضت تلك المدة ولم تلتزم الشركات بذلك، يحق لهيئة تنظيم قطاع الاتصالات اتخاذ عددٍ من التدابير، منها حظر الإعلانات على تلك المنصات في المملكة لمدة 60 يومًا، وتقليل عرض نطاق تردد حركة الإنترنت عليها بشكل تدريجي"، الأمر الذي قد ينعكس في منع وصول مواقع عديدة للمواطنين.

وتتضمّن بعض مواد القانون، العيوب نفسها التي دائمًا ما تتكرّر في قوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية والتي تستخدم من قبل السلطات للحد من الحريات، إذ تنصّ المادة 15 من مشروع القانون على معاقبة "كل من قام قصدًا بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو الموقع الالكتروني أو منصات التواصل الاجتماعي، تنطوي على أخبار كاذبة أو ذم أو قدح أو تحقير أي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن 20 ألف دينا ولا تزيد على 40 ألف دينار".

تال

كما  تنصّ المادة 17 من نص القانون المطروح على البرلمان، على "معاقبة كل من قام قصدًا باستخدام الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو موقع إلكتروني أو منصة تواصل اجتماعي لنشر ما من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو النيل من الوحدة الوطنية أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن 25 ألف دينار ولا تزيد على 50 ألف دينار".

قيود إضافية على ما تبقى من حريات

ويقول مؤسس وعضو مجلس إدارة مركز حماية وحرية الصحفيين نضال منصور عن مشروع القانون إنه "قيد إضافي على حرية التعبير وحرية الإعلام"، ويضيف، قائلًا: "كنا نتمنى على الحكومة أن تلغي المادة 11 من القانون الحالي، لا أن تتوسع في العقوبات السالبة للحرية (التوقيف والحبس)، وأن لا تلجأ إلى تغليظ العقوبات المالية، وأن تتعامل مع حرية التعبير والكلام على أنها قضايا مدنية، وليست قضايا جزائية. ولكن للأسف فاجأتنا الحكومة بمشروع قانون يضيق مساحة النقاش العام، ويضيق على حرية التعبير، ولذلك من حيث المبدأ نحن ضد مشروع القانون".

يتابع منصور، قائلًا: إن "هناك مواد ربما تجد الحكومة، وربما يجد المجتمع أنه من الضروري التعامل معها، مثل الاحتيال الإلكتروني، والتزوير وانتحال صفة الآخر، والقرصنة، والإساءة واستغلال الأطفال، وذوي الإعاقة، والترويج للدعارة"، وتجريم مثل هذه الأفعال مفهوم بحسب منصور، لأن التطورات في الفضاءالإكتروني تتطلب التعامل معها، مضيفًا: "ولكن هذا لا ينصرف إلى التضييق على الحريات العامة، وهو ما فعله مشروع القانون في مواد كثيرة، بدءًا من القدح والذم، ومرورًا بخطاب الكراهية، واغتيال الشخصية، وهي مصطلحات غير منضبطة قانونيًا، وتثير المخاوف والقلق لدى الصحفيين والصحفيات، والنشطاء والناشطات مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي"، كما يقول منصور.

ويُشير منصور إلى أنّ "المواد المجرمة لحرية التعبير في مشروع القانون نصت على عقوبات مبالغ بها، وتزهق الحق، ولا تتوافق مع الدستور، ولا تتماهى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن". 

ومن ناحية أخرى ينتقد منصور ما تسمح به مسودة القانون من تحرّك مباشر للمدعي العام، بدعاوى القدح والذم ضد الموظفين العامين (مثل الوزراء والنواب وغيرهم) دون الحاجة للتحرك بالادعاء الشخصي. وبحسب منصور، فإن نتيجة ذلك، إضعاف رقابة المجتمع ووسائل الإعلام، على هؤلاء الموظفين وتضيق مساحة النقد بما لا يتناسب مع فكرة الإصلاح السياسي التي طرحتها الحكومة ضمن خطتها لتحديث المنظومة السياسية.

ويصف منصور مشروع القانون، بأنه "ضربة في الخاصرة للحقوق والحريات، وكان الأحرى بالحكومة فتح نقاش مجتمعي واسع، معلن وشفاف، وهذا ما لم تفعله".

من جانبه، يصف ينال فريحات، النائب في البرلمان الأردني عن جبهة العمل الإسلامي، قانون الجرائم الإلكترونية الجديد بأنه "دسّ للسم بالعسل"، مشيدًا ببعض المواد التي من شأنها أن "تعالج بعض المشاكل التي فرضتها التكنولوجيا والحياة الرقمية كموضوع الاحتيال الإلكتروني واختراق الشركات غير المصرح لها، فضلًا عن الأعمال الإباحية التي تستهدف المراهقين وتستخدم بهدف الابتزاز وغيرها"، وفق تعبيره.

ويقول فريحات إن "هناك مواد عديدة جيدة وإيجابية فيها عقوبات رادعة لا خلاف مجتمعي حولها"، أما المواد الأخرى، تحديدًا المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، خاصة المادتين 15 و16 "فيمكن لهاتين المادتين أن تستهدفا حرية الرأي والتعبير من خلال النصوص الفضفاضة باعتبار أنها تنص على مصطلحات لا توجد لها تعريفات واضحة مثل الذم والتحقير والنشر أو إعادة إرسال الأخبار الكاذبة"، ويتابع فرحات، قائلًا: "ما هو تعريف الأخبار الكاذبة؟ لأن الصحفي قد يرصد مسألة معينة ويخطئ فيها التقدير بشكل أو بآخر. وحتى مصطلح "اغتيال الشخصية" ماهو تفسيره؟ خاصة أن العقوبات مشددة بشكل كبير ولا تتناسب مع حجم الجرم المفترض".

وأشار فريحات إلى أنه من خلال هذا القانون، فضلًا عن عقوبات السجن، قد يصل مستوى الغرامات المالية الى أرقام بالآلاف، وبعض الجرائم تقدر غرامتها بحوالي 75 ألف دينار أردني، أي ما يعادل أكثر من 100 ألف دولار، علمًا أن "الدية التي تدفع لأهل المتوفى هي بحدود ٢٠ ألف دينار أما العقوبة على ذم الشخص فتصل إلى 40 ألف دينار، وهو ما يعني أن فعل القتل أخف عقوبة من الذم".

وأثار فريحات إمكانية توقيف الصحفي أو المواطن الذي يعبر عن رأيه حتى قبل صدور حكم قضائي بحقه، معتبرًا ذلك بمثابة "ظلم وتجنٍ لأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته".

ويقول فريحات أن "هذا القانون بمثابة رسالة قاسية من الحكومة إلى جميع المواطنين الأردنيين الذين يريدون التعبير عن آرائهم، مفادها أن عليك أن تتروى قبل أن تنتقد مسؤولًا أوموظفًا عامًا على رأس عمله".

من جانبه، يصف الكاتب الصحفي والناشر في موقع سواليف الإخباري، أحمد حسن الزعبي، مواد في مشروع القانون بـ "القنابل الموقوتة في وجه الحريات"، ويوكد أنها "ستنهي كل بصيص أمل في الطريق وتنسف الدعاية والرواية الحكومية والرسمية بأن لدينا منظومة تحديث سياسي، وأن لدينا إصلاحات، ومنظومة سياسية حزبية".

ويضيف الزعبي أن مصطلحات من قبيل الأخبار الكاذبة و اغتيال الشخصية والمس بالوحدة الوطنية وإثارة النعرات متروكة لتقدير القاضي، "وبالتالي فإن أي عبارة أكتبها يمكن أن تفسر بأنها أخبار كاذبة، كأن أقول إن الحكومة تنوي رفع أسعار المحروقات ثم لا يحدث ذلك، فهل أعتبر أمام القانون قدمت أنباء كاذبة وأحاكم عليها بالسجن من 3 شهور إلى 3 سنوات وأغرم من٢٠ إلى ٤٠ ألف دينار؟".

نتا

ومن ناحية ثانية، يشير الزعبي إلى إشكالية اعتبار التعليق على المنشور كجزء من المادة ويحاسب عليه المستخدم، فيقول الزعبي "بالتالي المواقع الإخبارية والصحف وحتى القنوات الإخبارية الكبيرة التي لديها ملايين المتابعيين على المواقع لا يمكن لها أن تفلتر كل هذه التعليقات فكيف تتم محاسبتها؟ وحتى أي شخص عادي لو كتب منشورًا عن حالة الطقس، وقام أحدحم بالتعليق على منشوره متعرضًا على الحكومة أو أفراد العائلة المالكة فهل يغرّم ويسجن صاحب المنشور الأساسي؟".

ويتابع الزعبي، أن مثل هذه "الأحكام القاسية ستغرق القضاء الأردني بآلاف القضايا وستزيد من أعداد من لا يستطيعون سداد هذه الغرامات لأن الأرقام غير منطقية". 

نضال منصور: المواد المجرمة لحرية التعبير في مشروع القانون نصت على عقوبات مبالغ بها، وتزهق الحق، ولا تتوافق مع الدستور، ولا تتماهى مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها الأردن

أما الأمر الأكثر خطورة، وفقًا للزعبي فهو تأثير مشروع القانون على الصحفيين وحريتهم وتأسيسه لعدالة انتقائية، على حد وصفه. ويتساءل الزعبي: "كيف سيمارس الصحفي دوره في ظل مثل هذه الرقابة وكيف سيمارس دوره في كشف ملفات الفساد ونشر الخبر؟".

يضيف الزعبي أن مسودة القانون "المراد منها حماية الفاسدين والمؤسسات المترهلة، وأنا بصفتي صحفيًا عن ماذا سأكتب وهذا القانون مسلط كالسيف على رقبتي خاصة أن القصة باتت مبنية على الأهواء والقناعات وهذا أمر خطير في القانون أيضًا".

يشار إلى أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان دعا السلطات الأردنية الشهر الماضي إلى إنهاء جميع القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير في المملكة، بما في ذلك إلغاء جميع النصوص القانونية التي قد تُستخدم لتقويض الحريّات.

وقال المرصد في ورقة سياسات أصدرها، إنّ منسوب حرية الرأي والتعبير في الأردن يشهد تذبذبًا مستمرًا بين إتاحة المجال أمام انتقاد السلطات العامة بسقف محدّد، وبين التضييق المباشر وغير المباشر على الكيانات والأفراد، لا سيما وسائل الإعلام والنشطاء والنقابيين والمعارضين السياسيين.