في شهر أيار/ مايو 2021، نشرت منظَّمة العفو الدولية تقريرها السنوي بشأن الوضع في فلسطين، والذي أعلن بصريح العبارة بأن "إسرائيل دولة تمارس الفصل العنصري ضد الفلسطينيين"، ما يشكل أركان جريمة بموجب القانون الدولي، وورقة لمحاسبة دولة الاحتلال عما ترتكبه في حق الشعب الفلسطيني الأعزل.
أجرت منصة ميديابارت الفرنسية مقابلة صحفية مع مدير فرع منظمة أمنيستي بباريس، السيد جان كلود سامويليه، حول الوضع في فلسطين
مثَّل هذا التقرير صفعة على خد إسرائيل، وآليات تلميع صورتها أمام المجتمع الدولي، ضاربًا عرض الحائط كل الجهود المالية والسياسية التي خصَّت بها ذلك. كما مثَّل أيضًا سابقة في تاريخ العمل الحقوقي المناصر للقضية الفلسطينية، كونها المرة الأولى التي تفضح فيها منظَّمة دولية من عيار "أمنستي" جرائم الاحتلال، مسلطة الضوء على أن اللحظات البشعة التي عاشها الضمير العالمي وهو يطالع جرائم "الأبرتهايد" في جنوب إفريقيا، مازالت مستمرة في فلسطين بدعم من قوى "العالم الحر".
إضافة إلى هذا، وبفضل الحقائق التي يكشفها تقرير "أمنستي" الأخير، والتقارير الدولية المماثلة على قلتها، مُنحت الحركات المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني والداعية لمقاطعة والضغط على إسرائيل، دعمًا كبيرًا ما برز في اتساع قواعدها ورقعة نشاطها حول العالم.
لتوضيح مضمون تقرير "أمنستي"، أجرت منصة ميديابارت الفرنسية مقابلة صحفية مع مدير فرع المنظمة بباريس، السيد جان كلود سامويليه، الذي حضر متحدثًا عن العمل الذي قاموا به للخلوص إلى تلك الاستنتاجات. فيما تمتاز هذه المقابلة بكونها من فرنسا، حيث تضغط إسرائيل على الحكومة من أجل سن قانون يدخل مناهضة الصهونية في نطاق جريمة معاداة السامية التي يعاقب عليها قانون البلاد. ومن خلال كل هذه الحيثيات، يقدم "ألترا صوت" نسخة عربية من هذا الحوار.
- ميديابارت: على أي عناصر ترتكز منظمة العفو الدولية للخلوص إلى وجود نظام قمع عرقي في إسرائيل؟
في تقريرنا، ارتكزنا على القانون الدولي. وعلى وجه التحديد، على الاتفاقية للقضاء على جميع أشكال الميز العنصري التي، وفي بندها الأول، تحدد أن "الميز العنصري" هو "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة".
السؤال الوحيد الذي شغلنا كان معرفة إذا ما كانت إسرائيل، في تشريعاتها وقوانينها، تعامل الإسرائيليين والإسرائيليات، يهودا ويهوديات، بشكل مختلف عن معاملتها الفلسطينيين والفلسطينيات. ويظهر التقرير بأن هاتين المجموعتين تعرفان نفسهما أساسًا على أنهما مختلفتان، لكن، وعلى وجه التحديد، فإن المؤسسات والقوانين الإسرائيلية تعتبر الفلسطينيين على أنهم مجموعة غريبة ودونية (عن الإسرائيليين اليهود).
لقد طالعنا القوانين وكذلك التشريعات، الأوامر العسكرية، مخططات التهيئة العمرانية، الموازنات، الإحصائيات وغيرها من الوثائق الكثيرة: تشخيصنا يقوم على تحليل واسع، بهدف إنتاج مقاربة دقيقة للوضع. استنتاجاتنا واضحة: إسرائيل تضع وتشتغل بنظام قانوني معقد، بسياسات وإجراءات تمييزية، تمنح الأفضلية إلى مجموعة المواطنين الذين تعينهم هي نفسها كـ "يهود". وعندما نستخدم هذا التعيين خلال عملنا، فإنه لا يعكس أي إحساس ذاتي حول الانتماء لشعب أو ديانة، بل إلى مجموعة إدارية وسياسية موجودة بإسرائيل، بحسب قوانين البلاد وإجراءاتها.
- ميديابارت: كيف تتجلى هذه الدونية الممنهجة التي يعامل بها الفلسطينيون والفلسطينيات في إسرائيل؟
هناك عناصر عديدة تظهر علاقات الإخضاع هذه، وتم تفصيلها بشكل كامل في تقريرنا. فقانون الدولة القومية لليهود، الذي صودق عليه سنة 2018، يقوم بما لا لبس فيه بمأسسة هذه الدونية الممنهجة بحق الفلسطينيين والفلسطينيات، باعتبار المستوطنات "قيمة وطنية" او بإلغاء اللغة العربية من اللغات الرسمية. ولا يمثل هذا القانون إلا جزءا من مجموع التجارب التمييزية التي يعيشها الفلسطينيون.
نكشف، على سبيل المثال، بأن تعدد الوضعيات القانونية يشرذم الفلسطيني بحسب مكان سكناه. فإذا كان الفلسطينيون الذين يسكنون داخل حدود 1967 يتمتعون بالجنسية الإسرائيلية التي تضمن لهم بعض الحرية في التنقل، فإن فلسطينيي القدس لا يتوفرون سوى على بطاقة "الإقامة الدائمة" التي يمكن أن تلغيها السلطات الإسرائيلية في أي وقت. في الضفة الغربية، لا تُمنح أي أوراق إقامة أو تجنيس للفلسطينيين، ما يقيد حريتهم في التنقل والاستقرار حيثما أرادوا، حتى وإن كان ذلك من أجل التجمع العائلي. أما بالنسبة للاجئين وأبنائهم وأحفادهم، الذي يعيشون خارج إسرائيل، في أغلبهم، من المستحيل أن يعودوا إلى مدنهم أو قراهم، حتى في زيارة عائلية. وهذا ليس إلا مثالا من بين العديد، غير أن هذا التفكيك المتعمد يمثل، في حد ذاته، عنصر تمييز ودونية.
علاوة على ذلك، بينما يرى الفلسطينيون حقهم في التنقل، الاستقرار، السكن، والتملك، مقيد بشدة، أو بالأحرى غير موجود، يتمتع المواطن الإسرائيلي اليهودي بكل الحرية في التجوال والاستقرار في أي مكان من تراب البلاد.
- ميديابارت: بحسب ما تؤكده منظمة العفو الدولية، فإن الفصل العنصري الإسرائيلي هو حقيقة قائمة في جميع الأراضي التي تمارس فيها إسرائيل سلطتها سياسية أو عسكرية. هذا التشخيص محل خلاف في بعض الأحيان بسبب وجود مجتمع تعايش ومواطنة بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين داخل حدود 1948. كيف تجيب على ذلك؟
في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية، الفصل العنصري واللامساواة في الوصول إلى الحقوق، بما فيها الحقوق الأساسية، واضحة بشكل مطلق: وإضافة لما أشرت له، هناك نظامان قضائيان، حيث الفلسطينيون يحاكمون أمام محاكم عسكرية، ويهود المستوطنات أمام محاكم مدنية. وفي الضفة كذلك، نجد أن هناك طرقا مخصَّصة للمستوطنين وممنوعة على الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، وبحسب ما أظهرت أبحاثنا، فمن الخاطئ الظن بأن المساواة والحقوق موجودة فعلا داخل حدود ما قبل 1967، وأن نظام الفصل العنصري، كما يعرفه القانون الدولي، غير مطبَّق هناك على حد سواء.
إسرائيل تميز، بموجب نصوصها القانونية، بين الجنسية والمواطنة الكاملة. هكذا، وحتى داخل حدود ما قبل 1967،كل المقيمين الدائمين يملكون الجنسية، غير أن المواطنة الإسرائيلية الكاملة يُخصُّ بها فقط اليهود؛ هذه الفئة، مرة أخرى، المحددة بموجب القوانين الإسرائيلية. وبالتالي، يتمتَّع اليهود بحقوق فردية أكثر من أولئك الذين يتوفرون فقط على الجنسية. على سبيل المثال، أولئك الذين تعينهم القوانين الإسرئيلية كـ "عرب إسرائيل" -والذين في أغلبهم يعرفون أنفسهم كفلسطينيين وفلسطينيات- معفيون من الخدمة العسكرية الإلزامية، ولكنهم أيضًا محرومون من المزايا المرتبطة بها.
أمنستي: تعدد الوضعيات القانونية يشرذم الفلسطيني بحسب مكان سكناه في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو داخل إسرائيل
ويمكننا كذلك أن نشير إلى وجود منظومتين للتعليم غير متساويتين، أو أن 1.75% فقط من إعانات الدعم الاقتصادي بعد كورونا تم منحها للفلسطينيين بينما هم يمثلون 19% من ساكنة البلاد.