أبو الطيّب المتنبي (915م - 965م) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي أبو الطيب الكندي الكوفي المولد، نسب إلى قبيلة كندة نتيجة لولادته بحي تلك القبيلة في الكوفة لا لأنه منهم. عاش أفضل أيام حياته وأكثرها عطاء في بلاط سيف الدولة الحمداني في حلب وكان من أعظم شعراء العرب، وأكثرهم تمكنًا من اللغة العربية وأعلمهم بقواعدها ومفرداتها، وله مكانة سامية لم تُتح مثلها لغيره من شعراء العرب. فيوصف بأنه نادرة زمانه، وأعجوبة عصره، واشتُهِرَ بحدة الذكاء واجتهاده وظهرت موهبته الشعرية مبكرًا.
سار أبو الطيب من الرملة إلى إنطاكية ومدح واليها أبا العشائر بالقصيدة:
أتراها لكثرة العشاقِ
تحسب الدمع خلقة في المآقي
ثم مدحه في ثلاث قطع، وأنشأ في إنطاكية أرجوزة حينما غشَّى الثلج الأرض، وتعذر المرعى على فرسه الجَهامة ومُهره الطخرور:
ما للمروج الخضر والحدائقِ
يشكو خلاها كثرةَ العوائقِ
ثم أغار على إنطاكية يانس المؤنسي، قائد الإخشيديين، وفاجِأ أبا العشائر، فقاتل عن نفسه حتى خرج إلى حلب، وفي هذه الغارة قُتل مهره الطخرور وأمُّه، فقال أبو الطيب الأبيات الآتية:
إِذا غامَرتَ في شَرَفٍ مَرومٍ
فَلا تَقنَع بِما دونَ النُجومِ
فَطَعمُ المَوتِ في أَمرٍ صَغيرٍ
كَطَعمِ المَوتِ في أَمرٍ عَظيمِ
سَتَبكي شَجوَها فَرَسي وَمُهري
صَفائِحُ دَمعُها ماءُ الجُسومِ
قَرَبنَ النارَ ثُمَّ نَشَأنَ فيها
كَما نَشَأَ العَذارى في النَعيمِ
وَفارَقنَ الصَياقِلَ مُخلَصاتٍ
وَأَيديها كَثيراتُ الكُلومِ
يَرى الجُبَناءُ أَنَّ العَجزَ عَقلٌ
وَتِلكَ خَديعَةُ الطَبعِ اللَئيمِ
وَكُلُّ شَجاعَةٍ في المَرءِ تُغني
وَلا مِثلَ الشَجاعَةِ في الحَكيمِ
وَكَم مِن عائِبٍ قَولًا صَحيحًا
وَآفَتُهُ مِنَ الفَهمِ السَقيمِ
وَلَكِن تَأخُذُ الآذانُ مِنهُ
عَلى قَدرِ القَرائِحِ وَالعُلومِ