17-ديسمبر-2016

من جنازة الصحفي الجزائري محمد تامالت (رياض كرامدي/أ.ف.ب)

أثيرت مخاوف في الجزائر من تراجع الحريات وحرية التعبير، على خلفية وفاة الصحفي الجزائري محمد تامالت السبت الماضي، يوم 11 كانون الثاني/ديسمبر الجاري، داخل مستشفى في العاصمة الجزائرية بعد أسابيع من دخوله في إضراب عن الطعام احتجاجًا على إدانته من قبل محكمة بالسجن لمدة سنتين، حبسًا نافذًا بتهمة سب رموز الدولة.

وقع عدد من النواب في البرلمان الجزائري لائحة يطالبون فيها بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية في أسباب وفاة الصحفي تامالت داخل السجن

وفي خطوة جريئة برأي المتتبعين في الجزائر، وقع عدد من نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى في البرلمان الجزائري) لائحة يطالبون فيها بإنشاء لجنة تحقيق برلمانية في أسباب وفاة الصحفي تامالت في ظروف تطرح العديد من التساؤلات.

اقرأ/ي أيضًا: تامالت..آخر شهداء الجزائر

الخطوة بادر إليها النائب ناصر حمدادوش عن كتلة (تكتل الجزائر الخضراء)، الذي يضم ثلاثة أحزاب محسوبة على التيار الإسلامي وهي حركة مجتمع السلم والإصلاح الوطني وحركة النهضة، كما حملت اللائحة توقيعات من طرف نواب عن كتلة حزب العدالة والتنمية ونواب أحرار، جاءت لـ"تقصي الحقيقة والبحث عن ظروف وفاة الصحفي"، معتبرة أن الوفاة أضحت "قضية وتمثل حالة من الخرق الدستوري والخدش للأعراف الدولية حول حماية الصحفيين وضمانات حرية التعبير، واستهتارًا واضحًا بحياة الإنسان وبمهنة الصحافة".

كما شدد مندوب أصحاب الاقتراح، النائب عن تكتل الجزائر الخضراء ناصر حمدادوش، أن "تشكيل اللجنة يهدف إلى إجلاء الحقيقة عن ظروف الوفاة". واعتبر النواب وفاة الصحفي "سابقة خطيرة في تاريخ الجزائر، وتحديدًا في الوقت الذي كانت البلاد تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان"، مضيفًا أنها "أخذت أبعادًا خطيرةً تمس بسمعة الجزائر وصورتها الخارجية". كما يرى النواب الموقعون على اللائحة أن قضية وفاة الصحفي تشكل منعطفًا مفزعًا حول مستقبل الحريات في الجزائر وحقوق الإنسان عمومًا ومستقبل حرية الرأي والتعبير خصوصًا.

وبخصوص ظروف اعتقال الصحفي، قال حمدادوش إنها " تتنافى مع الدستور الجزائري حيث اعتقل مباشرة بعد عودته من لندن إلى الجزائر تموز/يونيو الماضي، ونوع العقوبات التي طالته تتنافى مع مواد الدستور الجزائري في الفصل الرابع منه فيما يتعلق بالحقوق والحريات، لا سيما المواد: 38، 39، 40، 41، 42 والمواد: 48، 50، التي تضمن حرية التعبير، وحرية الصحافة والشبكات الإعلامية، وحرية نشر المعلومات والأفكار والصّور والآراء". وأوضح ذات المصدر أن "النواب يتعارضون مع مواقف الصحفي، أو بالأحرى هناك تحفظ حيال تصريحاته التي أوصلته إلى السجن، لكن وفاته تعتبر في نظرهم "قضية وطنية تستوجب الوقوف والتحقيق".

وفي هذا السياق، شدد البيان على أن الصحفي تامالت كان يعاني من أمراض مزمنة "تمنحه حق الإفراج المشروط، خصوصًا بعد إضرابه عن الطعام لفترة أربعة أشهر وتدهور حالته الصحية"، لافتًا إلى "تعالي الصيحات بأخذ وضعه الاستثنائي بعيْن الاعتبار قبل وقوع كارثة "وفاة صحفي" في السجن". وواصل قائلًا إنه "لا يمكن أن "تخضع جنحة الصحافة للعقوبة السالبة للحرية، والتي تستوجب تسليط عقوبات مادية فقط، إضافة إلى إلغاء عقوبة تجريم الصّحفي في المادة: 144 مكرّر من قانون العقوبات".

اقرأ/ي أيضًا: "اغتيال بطيء" للصحفي الجزائري محمد تامالت!

وفي سياق متصل، أكد البيان أن النواب يتحملون كامل المسؤولية النيابية في تبني هذه القضية والدفاع عنها وفي إطار ممارسة صلاحيات النواب الرقابية على عمل الحكومة، معتبرًا الصحافة هي "شريكة في خدمة الوطن والدفاع عن مصالحه الاستراتيجية الكبرى ولا يمكن أن تكون يومًا عدوًّا أو خصمًا تبرّر التراجع عن المكتسبات الديمقراطية والإعلامية.

وفاة الصحفي الجزائري محمد تامالت، يوم 11 من الشهر الجاري، كانت "غامضة" بحسب عائلته التي وضعت طلبًا لدى السلطات المعنية لتشريح الجثة

ويطالب النواب بالكشف عن الحقيقة ومصارحة الرأي العام بها بالإضافة إلى طمأنة الأسرة الإعلامية على حقوقها ومكتسباتها، وإعادة الاعتبار والحقوق لعائلة الصحفي "محمد تامالت". ويتخوفون من مزيد تدهور صورة الجزائر في مجال الحريات وحقوق الإنسان، والانتهاك الصارخ لمكتسبات حرية الرّأي والتعبير، والجرأة على التراجع والمساس بالضمانات الكبيرة لممارسة السلطة الرابعة، "والتبعات التي يمكن أن تطال بعض مؤسسات الدولة، وما يترتب عن ذلك من محاولات التدخل والضغط الأجنبي"، حسب رأيهم.

وفي مقابل ذلك، قال الأمين العام لحزب التجمع الديمقراطي، أحمد أويحي، إن "الصحفي محمد تامالت حظي برعاية صحية وطبية جيدة من طرف الطاقم الطبي الذي أشرف عليه في المستشفى"، مشددًا في مؤتمر صحفي عقده اليوم السبت أنه "يثق في العدالة الجزائرية لرفع اللبس حول ما يثار عن وفاة تامالت". أويحي، الذي يشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، قال إن "العدالة الجزائرية فتحت تحقيقًا من أجل وضع النقاط على الحروف حول هذه القضية"، داعيًا إلى "فتح المجال أمامها للقيام بعملها والتحقيق في ملابسات الوفاة".

وبخصوص تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في وفاة الصحفي محمد تامالت، اعتبر الإعلامي مروان لوناس لـ"ألترا صوت" أن "تشكيل اللجنة هو أقل شيء يمكن أن تقوم به مؤسسة البرلمان باعتبارها تمثل الشعب وتدافع عن المواطنين"، مضيفًا أن "ما حصل مع الإعلامي تمالت فضيحة ووصمة عار ستبقى في جبين سجل حقوق الإنسان في الجزائر". ولفت الإعلامي لوناس إلى أن "طلب تشكيل اللجنة تقدمت به كتل الأحزاب المعارضة المحسوبة على التيار الإسلامي على وجه الخصوص، فهو يرجح أن يتم رفض الطلب من قبل الأغلبية النيابية ومكتب البرلمان الواقع تحت سيطرة الأحزاب الموالية للسلطة".

ورغم ذلك، اعتبر المتحدث أن خطوة هذه الأحزاب "أخلاقية وتسجل للتاريخ"، على اعتبار أن عددًا من النواب لم يسكتوا عن موت مواطن وصحفي داخل السجن لاسيما وأن هناك شكوكًا حول تعرضه للاعتداء والانتقام داخل السجن، في وقت لم تتحرك فيه وزارة الدفاع ولا غيرها لرفع الشكوك، ليظل مطلب النواب أقل ما يمكن القيام به".

وفاة الصحفي محمد تامالت، يوم 11 كانون الأول/ديسمبر الجاري، كانت "غامضة" بحسب عائلته، التي وضعت طلبًا لدى السلطات المعنية لتشريح الجثة، وهو ما أعلن عنه وزير العدل الجزائري الطيب لوح في تصريحات صحفية، مؤكدًا أنه استجاب للمطلب وأمر بفتح تحقيق حول القضية ومضيفًا أن "الصحفي السجين نقل إلى مصلحة الاستعجالات الطبية الجراحية منذ21 آب/أغسطس الماضي، أي منذ دخل في إضراب عن الطعام، وكان يتم فحصه يوميًا من طرف طبيب".

القضية، أثارت جدلًا إعلاميًا وسياسيًا وحقوقيًا في الجزائر وخارجها، حيث تعالت أصوات حقوقية تطالب بالتحقيق فيها، وقد حملت منظمة العفو الدولية في الجزائر الهيئات الحقوقية والأحزاب السياسية المعارضة السلطات مسؤولية وفاة الصحفي وطالبت بفتح تحقيق محايد حول ظروف وملابسات ذلك.

اقرأ/ي أيضًا:
إيقاف برنامجين سياسيين ساخرين في الجزائر

الدول العربية بعد 68 سنة من ميثاق حقوق الإنسان