17-فبراير-2016

محمد حسنين هيكل

بصخب كبير، استقبل الناس خبر وفاة محمد حسنين هيكل، الصحفي المصري، وربما العربي، الأهم. الصخب الذي أتى من كونه خبرا طال انتظاره، أكثر من أي شيء. فمثل كل المعمرين المحافظين على حيوية أذهانهم، كان هيكل مثالا لزمن لا يريد أن ينهزم ويشعر الآخرين بمدى انتصاره كلما خيب آمالهم برحيله، كما كان تحديا كبيرا لكل الصحفيين المصريين، ليس لأنه كان صحفي النظام الأول في عهد جمال عبدالناصر، ولكن لأنه بقى كذلك، رغم تعاقب الأجيال والرؤساء.

كان هيكل ممثلا لـ"روح الدولة"، ليس الدولة نفسها كسلطة، ولكن الدولة كمفهوم عقلاني مثالي وخير، لا يستطيع فهمه سوى "رجل دين الدولة" الوحيد، هو

كل ظهور لهيكل بعد انهيار "عالمه" وهو عالم نظام عبدالناصر، كان تذكيرا للناس بقدرته على البقاء والتحدي، كان كذلك وقت السادات ومبارك، لكن تضاعف ذلك الإحساس حين تمكن هيكل من الاحتفاظ بمكانته بعد ثورة يناير نفسها، الذكاء المرن والمثير للإعجاب الخاص بهيكل، جعل النظر إليه لا كممثل لـ"نظام قديم"، رغم أنه كان كذلك، ولا كـ"حكيم بأثر رجعي"، رغم أنه كان كذلك، بل صنع هيكل بمهارة نموذجا فريدا في علاقته بالناس والسلطة، إذ أصبح ممثلا لـ"روح الدولة"، ليس الدولة نفسها كنظام وسلطة، ولكن الدولة كمفهوم عقلاني مثالي وخير، لا يستطيع الاتصال به وفهمه سوى "رجل دين الدولة" الوحيد، والذي كانه هيكل، ولهذا لا يثير العجب أنه بعد ثورة يناير، والتفكير في دولة جديدة، زارت كل أطياف التيارات السياسية المصرية "الأستاذ" ليتقربوا لآلهة الدولة ويقدموا إليها القرابين، علّها تفيدهم في ذلك.

كما لا يبدو غريبا، أن يفكر بعض الناس في هيكل على أنه "المفكر الأول لـ3 يوليو"، رغم أنه لم يكن كذلك بالتأكيد، وكانت استعانة السيسي به من حين لآخر، لا تختلف كثيرا عن استعانة أي أحد به، كشخص ممثل لـ"حكمة التاريخ" ومتعال على الأحداث والتيارات والمعارك التفصيلية.

انتهى دور هيكل كصحفي النظام الأول، منذ ما يقرب من 46 عاما، أي حوالي نصف قرن، وبقى ممثلا في أذهان الناس لـ"النظام"، لأن أحدا لم يستطع أن يحوز نفس المكانة ،التي احتلها عند نظام عبدالناصر، لدى الرؤساء المتتالين. حاول عشرات من كبار الصحفيين المصريين أن يكونوا "هيكل جديد" لدى كل رئيس جديد، وكان فشلهم في ذلك، يصب في صالح ترسيخ مكانة "الأستاذ" كأفق مثالي لصحفي لا يستطيع أحد أن يبلغه، وكلما حاولت مجموعات جديدة أن تلعب نفس الدور، كانت مكانة "الأستاذ" تترسخ أكثر وأكثر، وأصبح جليا استحالة استنساخه مرة أخرى.

ليس لعبقرية صحفية خاصة لهيكل، وإن كانت موجودة لديه بالفعل، أصبح هيكل الصحفي والصديق والمستشار الخاص لعبدالناصر، المعادلة لها شقان، أحدهما هيكل، والآخرعبدالناصر نفسه، الذي تمثل شخصيته وطبيعته الجزء الآخر من المعادلة التي أنتجت "هيكل" كمنتج مشترك بين الصحافة والدولة، لم تفلح الأخيرتان بعد ذلك، رغم كثرة المحاولات، في إنتاجه مرة أخرى، لأنها ظلت تفكر في جانب واحد من المعادلة هو هيكل، دون أن تحدس أن انتفاء وجود شقها الثاني، سيكون كفيلا بعدم تحقيقها.

اقرأ/ي أيضًا: 

قبل أن يموت الزميل محمد حسنين هيكل

شبح التدخل السعودي التركي في سوريا..الظهور الأخير؟