13-يوليو-2016

(Roberto Machado Noa/LightRocket via Getty)

هناك صورة نمطية عن الاشتراكية بأنها تساوي الفقر أو أنها تعني العدالة في توزيع الفقر. ويرجع الأصل في هذه الصورة إلى الافتراض المالتوسي حول ندرة وعدم كفاية الثروة بالمجتمعات لسد حاجات البشر نظرًا لكون الزيادة السكانية تبتلع أي معدل للنمو! لكن ما مدى جدية هذه الصورة؟ ومن أين يأتي الفقر؟ وهل لا تكفي الموارد لسد حاجة كل البشر بالفعل؟ وماذا عن التقدم التكنولوجي الهائل في الاستفادة من الموارد؟ وماذا عن التفاوت الكبير في توزيع الثروة بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد؟

مجموع الثروات المتراكمة لأغنى 500 ملياردير حول العالم تقدر بـ4.4 تريليون دولار

الحقيقة أن إحصاءات البنك الدولي تؤكد أنه بينما يبلغ متوسط نصيب الفرد اليومي من الناتج العالمي 28.5 دولارًا تقريبًا خلال الفترة من 2010-2014، الا أن معدلات الفقر عام 2012 قد بلغت 12.7% من سكان العالم، حيث يعيش هؤلاء على أقل من 1.9 دولار في اليوم، وهذا يعني أنهم يعيشون على أقل من متوسط نصيبهم اليومي بـ 14 مرة.

كما كشف توماس بيكيتي في كتابه رأس المال في القرن الحادي والعشرين أنه وفقًا لتحليل إحصاءات توزيع الثروة وعدم المساواة في 26 دولة حول العالم، وعبر ثلاثة قرون كاملة فإن الثروة في النظام الرأسمالي تتركز أكثر فأكثر في يد القلة على حساب الكثرة. إذن وبالنظر إلى هذه الإحصاءات سنجد أنه بالرغم من كون عدد السكان في زيادة إلا أن الناتج الذي يخلقونه في زيادة أيضًا، والأهم من ذلك أن المتوسط اليومي لنصيب كل فرد من هذا الناتج في زيادة أيضًا، بالتالي فالأصل إذن هو أن الموارد تكفي لسد حاجة المجتمعات. لو كان الأمر كذلك فمن أين يأتي الفقر؟!

اقرأ/ي أيضًا: بحث عن يسار "إنسانيّ" في سوريا

وفقًا لمجلة "فوربس" فمجموع الثروات المتراكمة لأغنى 500 ملياردير حول العالم تقدر بـ4.4 تريليون دولار، ومجموع ثروات 1645 مليارديرًا تقدر بـ6.4 تريليون دولار، بينما لم يحصل النصف الأفقر من سكان العالم إلا على 1% من الزيادة في الثروة العالمية طوال القرن الماضي، وبالتالي فمصدر الفقر هو النظام الرأسمالي القائم على زيادة معدلات استغلال الكادحين والفقراء لمراكمة أرباح البرجوازية.

وما الترويج لمثل هذه الصورة إلا إحدى حيل البرجوازية لتزييف وعي الفقراء وإخضاعهم عبر إعادة إنتاج نظرية مالتوس وتدويرها في ثوب جديد، فهي بذلك من ناحية، ستضرب المضطهدين بعضهم ببعض، فالعامل الذي يعمل 12 ساعة سينظر إلى زميله الذي يعمل 8 ساعات في حسد أو يتساءل لماذا لا يعمل نفس ما يعمله من وقت بدلًا من أن يطالب بتخفيض ساعات عمله. والعامل بقطاع النسيج والذي لا يحصل على الحد الأدنى للأجور سينظر لما يحصل عليه زميله بقطاع البترول الذي يحصل على الحد الأدنى للأجور ويطالب بحتمية تخفيض أجره.

لم يكن الاتحاد السوفيتي تحت حكم ستالين اشتراكيًا، بل كان نظامًا لرأسمالية الدولة 

كما أنها من ناحية أخرى ترفع الحرج عن البرجوازية بحجة أن نقص الموارد هي سبب الأزمة والفقر وليس طريقة توزيع الثروة بالنظام الرأسمالي. ومن جهة ثالثة فهي تبرر لوجود البرجوازية كحكم بين الفقراء المتصارعين على ندرة الموارد المزعومة كطرف يدعي الحياد.

ويضاف إلى دور البرجوازية في الترويج لمثل هذه الأوهام دور نموذج معسكرات العمل غير الآدمية بالاتحاد السوفيتي تحت حكم ستالين، فلم يكن الاتحاد السوفيتي تحت حكم ستالين اشتراكيًا، بل كان نظامًا لرأسمالية الدولة التي حلت فيه البيروقراطية القيصرية وقطاعات من الطبقة الوسطى والمثقفين محل رجال الأعمال في استغلال الطبقة العاملة مدفوعة بالمنافسة مع الرأسمالية الغربية.

فكل ما يتم ترويجه عن أن الاشتراكية تعني الفقر أو المساواة في توزيع الفقر هو الوجه الآخر للعملة لكل ما يتم ترويجه حول ندرة وعدم كفاية الموارد لسد حاجة البشر فالقاعدة الأساسية التي بنيت عليها الاشتراكية وأيدتها الدراسات العلمية والإحصاءات أن هناك من الموارد والثروات ما يكفي لسد حاجة البشر ولكن المشكلة في التوزيع غير العادل لهذه الثروة.

وبالتالي فالتقدم الذي تطرحه الاشتراكية ليس على الإطلاق ما يروج له حول العدالة في توزيع الفقر، الذي تنتجه الرأسمالية بالأساس، ولكنه يعني العدالة في توزيع الثروة وتسخير كافة الموارد البشرية والطبيعية لصالح كل المجتمع وليس لصالح طبقة على حساب الأخرى، ففي المجتمع الاشتراكي سيتحول العمل من مسؤولية فردية يتحمل الفرد عبئها بمعزل عن المجتمع إلى مسؤولية اجتماعية يجب أن يتحمل الجميع عبئها ومشقتها، وأيضًا يجب أن يتمتع الجميع بثمارها بعدالة.

اقرأ/ي أيضًا:
سلافوي جيجك.. الاستشفاء بجرعة لينينية
كفر موسكو.. لا حزب ولا مقهى