22-نوفمبر-2017

الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط

ألا يجب أن نُلقي نظرة أكثر انتقادية على وجهات نظر أشهر مفكري العالم وفلاسفته؟ كذلك هل سيستمر تجاهل الفلسفات التي قدمتها الحضارات غير الأوروبية؟ هذا المقال المترجم يقدم نظرة أخرى حول الجدل الدائر عن مركزية الفلسفة الأوروبية وجوانب من عنصريتها تجاه الاتجاهات الفلسفية الأخرى. 


في يوم الفلسفة العالمي، يتم الاحتفال والاحتفاء بكثيرٍ من رواد الفكر أمثال إيمانويل كانط، وديفيد هيوم، ومارتن هايدغر، في جميع أنحاء العالم. ولكن، في الوقت الذي يتم التركيز فيه على تشكيك الكتاب من أصلٍ أوروبي في الجامعات الغربية، هل ينبغي لنا أن نُعيد التفكير في تكرار أفكار الأشخاص الذين كانوا عنصريين وكارهين للأجانب؟ وهل يمكننا أن نفصل بين هوية الفلاسفة عن أفكارهم؟

تم تجاهل التقاليد الفلسفية للصين والهند وأفريقيا، والسكان الأصليين للأمريكتين، من قِبل معظم المؤسسات الأكاديمية في أوروبا

بينما كانت النقاشات حول الفلسفة تقتصر على مكتبات الجامعات والمحاضرات، وجدناها فجأةً تملأ العناوين الرئيسية للصحف مؤخرًا، وعلى وجه التحديد، النقاشات المرتبطة بالفلسفة والعِرق. فقد أثار عنوان صحيفة "الديلي ميل" الأخير؛ "لا يمكن أن يكونوا جادين"، الكثير من الصخب حول قصة مجموعة تُسمي نفسها "حرّروا عقولنا" في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بلندن، والتي أطلقت حملة تهدف إلى تضمين المناهج الدراسية لمزيد من الفلاسفة المنتمين إلى الأعراق الأخرى. منتقدين تفضيل كلية الدراسات الشرقية والأفريقية وغيرها من الجامعات الغربية استخدام النصوص الفلسفية الخاصة بالرجال من الفلاسفة البيض، وذلك على حساب الفكر الشرقي، على الرغم من الخلاف حول هذا المصطلح. وقد خيمت تلك المخاوف على طلاب جامعة كامبريدج، وعبرت عنها ممثلة الطالبات في اتحاد الطلبة، لولا أولفيمي، والتي ظهرت على الصفحة الأولى لصحيفة "التليغراف"، مشيرةً إلى ضرورة تضمين المنهج الدراسي الإنجليزي بالمزيد من الكُتاب من الأصول العرقية المختلفة. وهو ما فجر سلسلة من الاحتجاجات ضد تواجد النُصُب الإمبريالية في الأماكن العامة، بما في ذلك النصب التذكاري لسيسيل رودس في جامعة كيب تاون، التي انطلقت تحت وسم #RhodesMustFallcampaign - حملة إزالة رودس.

اقرأ/ي أيضًا: هايدغر في الفكر العربي

وُصمت هذه المجموعة بمحاولات استبدال الفلاسفة والكُتاب الموجودين في المناهج الدراسية لمجرد أنهم بيض البشرة، دون التفكير في حجم مساهمة تلك العقول في تحويل العالم إلى الأفضل. ومع ذلك، صرح أحد طلاب درجة الدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية، والعضو في مجموعة "حرّروا عقولنا" لصحيفة "الجارديان" البريطانية، أنهم لا يريدون "استبعاد المفكرين الأوروبيين، بل "يحاولون إزالة القدسية عن المفكرين الأوروبيين، وإيقاف التعامل معهم على أنهم منزهون".

سلّطت نيلام تشهارا، طالبة في السنة الثالثة في قسم العلوم السياسية بكلية الدراسات الشرقية والأفريقية، ومسؤولة المساواة والتحرر في اتحاد الطلبة، الضوء من خلال تصريحاتها للصحيفة، على أن اثنين فقط من أصل ستة وعشرين مفكر في منهجها الدراسي للفلسفة، كانوا من أصل غير أوروبي، وهما فرانز فانون، والمهاتما غاندي.

وقد تناول بريان فان نوردن، أستاذ الفلسفة بكلية فاسار بنيويورك، لب هذه النقاشات في كتابهه الجديد، "استعادة الفلسفة: بيان متعدد الثقافات".

يُشير فان نوردن في هذا الكتاب إلى حقيقة التقاليد الفلسفية للصين والهند وأفريقيا، وكذلك تقاليد السكان الأصليين للأمريكتين، والذي تم تجاهلها من قِبل معظم المؤسسات الأكاديمية في أوروبا، وفي الدول المتحدثة بالإنجليزية. وهو أمرٌ ليس جيد، كما أنه في حقيقة الأمر، كثير من الفلاسفة أنفسهم، كانت لهم آراء عنصرية كارهة للأجانب.

يقدم الفلاسفة البوذيون نقدًا أكثر تقدمًا عن موقع الذات عن الذي قدمه رينيه ديكارت

فبالنسبة للبروفيسور فان نوردن، فإن الفلسفة الأنجلو أوروبية المعاصرة "منغلقة بشكلٍ مبالغ فيه"، وذلك حسب ما صرح لموقع IBTimes UK. يقول ڤان نوردن، أولًا، الفلسفة غير الغربية حُصرت بشكل كبير في الـ zen kōans - عبارة مختصرة تعبر عن التأمل والأقوال المأثورة - مثل بعض العبارات القصيرة والحكم الشائعة التي قالها كونفوشيوس.

اقرأ/ي أيضًا: الفلسفة والأدب.. سردية حب معلن

يوضح فان نوردن قائلًا: "في الواقع، هناك تراث ثقافي غني بالاستدلال المتعمق مقارنةً بغيره من الثقافات". ويضيف قائلًا: "يقدم الفلاسفة البوذيون نقدًا أكثر تقدمًا عن موقع الذات عن الذي قدمه رينيه ديكارت، بينما يجادل فلاسفة المدرسة الكونفوشيوسية من أجل الوصول إلى بدائل أكثر معقولية لملامح المذهب الذري في السياسة الذي قدمه الفلاسفة المتقدمين على توماس هوبز".

وعلى الرغم من ذلك، فإن الأفكار "واسعة النطاق" و"الكثيفة" الشائعة بين الفلاسفة الأنجلو أوروبيين المعاصرين، "لا يمكن بكل بساطة أن تكون شائعة في تلك الثقافات"، حسب ما أكد ڤان نوردن.

وقد ضرب مثالًا بإيمانويل كانط، أحد فلاسفة القرن الثامن عشر، والتي ساعدت أفكاره حول نظرية المعرفة، والميتافيزيقا، والأخلاق، وعلم الكونيات في تحديد ملامح عالمنا المعاصر. إلا أن ذلك كله لا يعني أنه لا يكتنفه الغموض.

يقول فان نوردن: "إيمانويل كانط هو أحد الفلاسفة العشر الأكثر تأثيرًا في الثقافة الغربية، وعلى الرغم من ذلك، فقد قال متهكمًا على تعليق شخصٍ ما، لقد كان ذلك الوغد أسود البشرة بالكامل، من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه، وهو أكبر دليل على غباء ما قاله. بل أنه قد صنّف الأجناس تصنيفًا هرميًا، وقال، إن الجنس الأبيض يتضمن كل المواهب والدوافع بطبيعته. كما أكد بكل أريحية، أن مفهوم الفضيلة والأخلاق لم يدخل قط إلى رؤوس الصينيين".

كتب أحد زملائه في القرن الثامن عشر، الفيلسوف ديڤيد هيوم، وهو أحد الشخصيات الأساسية الداعمين لنظرية التجريب وفكرة أن كل المعارف تأتي من الحواس، ذات مرة: "أنا أميل للظن بأن الزنوج أقل شأنًا من البيض، إذ نادرًا ما كانت هناك دولة متحضرة من تلك البشرة، كما لم يبرز أي فرد منهم سواء في العمل أو التجارة". أثّر مارتن هايدجر، في الوقت نفسه، على العديد من الفلاسفة بما في ذلك جان بول سارتر، لكنه كان منحازًا مع النازيين.

ديفيد هيوم: أميل للظن بأن الزنوج أقل شأنًا من البيض، إذ نادرًا ما كانت هناك دولة متحضرة من تلك البشرة!

وقد يكون من المغري استبعاد هذه المواقف كنتاج لتلك الحقبة، ولكن ليس من المؤكد أن العنصرية كانت مقبولة عالميًا في الماضي. على سبيل المثال، فقد كافح معاصرو كانط وهيوم ضد الاستعمار والعبودية في عام 1770 وهو الجدل الذي أطلق عليه بالفرنسية (Histoire philosophique des deux Indes) ويعني التاريخ الفلسفي للجزيرتين الهنديتين.

اقرأ/ي أيضًا: الصراع من أجل الاعتراف

يقول البروفيسور ڤان نوردن: "لقد أدرك الفلاسفة الغربيون التقاليد الفلسفية الأخرى إلى أن أصبحت المفاهيم العلمية الزائفة التي تنادي بالتفوق العنصري الأبيض سائدةً منذ أواخر القرن الثامن عشر".

ويبقى السؤال قائمًا: هل لا تزال هناك قيمة في أفكار هؤلاء المفكرين العظماء، حتى لو اعتبروا أن الناس الآخرين أقل شأنًا؟

يقول كوامي أنتوني أبيا، أستاذ الفلسفة والقانون في جامعة نيويورك، الذي يتضمن المنهج الذي يدرس الأخلاق العالمية للمفكرين الأوروبيين والعرب والصينيين والهنديين، في حديث له مع "الجارديان" إنه من المهم النظر في قيمة أفكار الفلاسفة، بدلًا من الترويج للتنوع كهدفٍ في حد ذاته.

وأضاف: "مهما كانت قيمة ما يُدرّس، وأيًا كان قام به، فإنه يجب دائمًا التعامل معه بشكلٍ نقدي، وهذا هو أحد المبادئ الأولى للتعليم الجامعي".

المشكلة الأساسية هي أن تجاهل فلسفة الثقافات الأخرى أو الأكاديميين أو المفكرين حتى لو اختلفنا معهم هي خسارة لكلا الجانبين.

ويؤكد البروفيسور فان نوردن أنه لا يرغب في تلك التقسيمات التي تقترح أن الفلسفة الغربية "سيئة" وأن الفلسفة غير الغربية "جيدة"، لكنه يستطرد قائلًا: "الفلسفة ككل يمكن أن تؤدي مهمتها على أفضل وجه إذا لم تُحمل فقط على الثقافة التي انحدرت منها ولكن أيضًا بالعودة لجذورها والتي تتمثل في مفكرين مثل كونفوشيوس وسقراط الذين أنتجوا تلك الفلسفة التي تناولت مخاوف الحياة اليومية".

وتابع: "إن العنصرية والمركزية العرقية هي مشاكل موجودة في كل التقاليد والأعراف والثقافات"، مضيفًا: "لكننا نستطيع أن نحاول أن نكون أفضل من ذلك".

 

اقرأ/ي أيضًا:

طبعة جديدة من "السياسة" لأرسطو

الوجه وأنطولوجيا الغيرية عند إيمانويل ليفيناس