02-أكتوبر-2017

زراعة القنب الهندي في الشمال المغربي تعود إلى القرن 19 مما صعّب استئصالها (عبد الحق سنا/أ.ف.ب)

على الطريقة الهوليودية، قامت عصابة مخدرات قبل أيام قليلة بإغارة على مركز حراسة للجيش المغربي بمنطقة "بنمنصور" على الساحل الأطلسي، حيث شنَّ أزيد من 50 فردًا، مسلحين بقنابل وهراوات وصواعق كهربائية بقيادة مهرب دولي، هجومًا مباغتاً على نقطة الحراسة العسكرية، وتمكنوا من احتجاز أحد الجنود وتعذيبه، قبل أن تأتي تعزيزات الجيش لتسيطر على الوضع. وأقدمت العصابة على هذه العملية الخطيرة بهدف تحرير خمسة من أعضائها، كان قد تم إلقاء القبض عليهم من طرف دورية للجيش أثناء تحضيرهم قارب صيد للتهريب.

يقول تقرير أمريكي  إن المغرب هو أكبر منتج ومصدر للقنب الهندي ووصل حجم إنتاجه إلى 700 ألف طن خلال الموسم 2015-2016

العملية التي صدمت القيادات العليا للدرك الملكي من جرأتها، ودفعت بها إلى إيفاد لجنة تحقيق على وجه السرعة لكشف ملابسات ما حصل، فضلاً عن إعفاء قائد المركز الترابي لدرك جماعة "بمنصور" بنواحي مدينة القنيطرة من مهامه، وفق ما نقلت يومية "المساء" المغربية.

اقرأ/ي أيضًا: أمراء المخدرات..مقارنة لبنانية مغربية

قوة متزايدة لمافيا المخدرات

كان ما أقدم عليه أفراد العصابة تلك غير مسبوق بالفعل، فعلى الرغم من أن مافيا المخدرات تنشط بشكل مكثف شمال المغرب منذ عقود كما هو معلوم، إلا أنها لم تصل يومًا ما لتهدد الاستقرار الأمني للبلاد، على عكس دول أمريكا اللاتينية، حيث تخوض السلطات هناك مواجهات ندية مع "كارتيلات" المخدرات باستمرار.

يقول تقرير عن كتابة الدولة الأمريكية صدر في آذار/مارس الماضي، إن "المغرب هو أكبر منتج ومصدر للقنب الهندي، حيث وصل حجم الإنتاج إلى 700 ألف طن خلال الموسم الفلاحي 2015-2016"، مضيفًا أن عائدات إنتاج الحشيش قد تعادل %23 من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ومنبهًا في نفس الوقت إلى أن المغرب بات معبرًا لشحنات الكوكايين القادمة من أمريكا الجنوبية نحو أوروبا.

وهو تقرير تؤيده الوكالة الأوروبية لمراقبة حدود الاتحاد الأوروبي (فرونتكس)، التي صنفت المغرب عام 2015 المصدر الأكبر للحشيش نحو أوروبا، إذ أحصت أكثر من 1200 مهرب مخدرات مغربي، مقابل 500 سوري و400 تركي، كما أن الهيئة الدولية لمكافحة المخدرات، التابعة للأمم المتحدة، تسير في نفس الاتجاه، بكون البلد أصبح محطة لمافيا المخدرات.

لكن الغريب في الأمر أن قضية "المخدرات" في المملكة المغربية ظلت تابوهًا مسكوتًا عنه، سواء من قبل الرأي العام أو وسائل الإعلام، وذلك لكونها لم تشكل تهديدًا خطيرًا للنظام العام أو الأمن الاجتماعي، حيث تكتفي عصابات المخدرات بالعمل سرًا وجني الأرباح بتصدير بضاعتها نحو أوروبا بعيدًا عن أعين الرقابة، وإن كانت تطفو بين الفينة والأخرى على صفحات الجرائد عمليات تصفية حسابات بين أفرادها كما يحدث في الأفلام الهوليودية.

ويظهر أن هذه العصابات قد تقوّت لدرجة جعلتها تتحدى السلطة مثلما حصل في المرة الأخيرة، كما أنها طوّرت من وسائل عملها، حتى أضحت تستعمل الحوامات الصغيرة لتهريب الحشيش، فضلاً عن شبكة النفوذ والعلاقات التي باتت تملكها، مما يتيح لها تجاوز رقابة الدولة.

تقوّت عصابات المخدرات في المغرب إلى درجة جعلتها تتحدى السلطة كما أنها طوّرت من وسائل وشبكة نفوذها وعلاقاتها

اقرأ/ي أيضًا: سعيد شعو.."إسكوبار" المغرب الذي أشعل أزمة دبلوماسية مع هولندا

مافيا الحشيش..شبكات مصالح معقدة

ظهر القنب الهندي في المناطق الشمالية للمغرب منذ القرن 19، وباتت زراعته في الشمال معتادة منذ تلك الفترة مما صعّب استئصاله، وتعيش اليوم حوالي 90 ألف عائلة مغربية بالمناطق الشمالية على عائدات زراعة الحشيش في الحقول، بحيث لا يتجاوز مردود كل عائلة من هذه الزراعة 3600 يورو سنويًّا، وفق دراسة أنجزتها وكالة إنعاش وتنمية الشمال، التابعة لرئاسة الحكومة.

لكن هؤلاء المزارعين الصغار، والذين يتم التركيز عليهم عادة في الحديث عن هذه الآفة، ليسوا سوى قمة الجبل التي تظهر فوق سطح الماء، أما الجبل نفسه فيتمثل في أخطبوط شبكات المخدرات المتوارية، التي تعمل على إعداد النبتة في أشكال مختلفة لتصبح قابلة للاستهلاك، ومن ثم تهريبها نحو الخارج، ليربحوا لقاء ذلك ملايين الدولارات سنويًا، حيث يتم تبييضها على شكل عقارات وشركات وهمية لإخفاء أصول الأموال.

هذه العصابات التي باتت أكثر قوة بفضل المال والنفوذ، تملك شبكة من المصالح المتغلغلة في أجهزة الدولة والسياسة والإعلام والمجتمع، تحمي أنشطتها غير الشرعية، كما يكشف أحد التحقيقات الصحافية، وهو ما يجعلها أكثر خطورة من أي وقت مضى، إذ تتسبب في تآكل مؤسسات الدولة وإفساد دواليبها، وبالتالي قد تصبح تهديدًا للأمن الاجتماعي والسياسي للبلاد.

وعلى خلاف الولايات المتحدة الأمريكية، تتجنب السلطات في المغرب السياسة الصدامية في محاربة المخدرات، وتتبنى نهجًا أكثر مرونة، خاصة وأنها لا تجد حلاً لإيجاد مورد بديل بالنسبة لفلاحي مناطق الريف، الذين يعيشون على زراعة القنب الهندي، وتكتفي بسجن المروجين لها محليًا، حيث يقارب عدد النزلاء المتورطين في المخدرات ثلث المساجين.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إنفوغراف: المخدرات في مصر.. أرقام مرعبة

المغرب.. زراعة الحشيش في دائرة الجدل