25-نوفمبر-2017

أودت مجزرة مسجد الروضة بسيناء بحياة نحو ربع رجال القرية (مواقع التواصل الاجتماعي)

"مش أحسن ما نكون زي سوريا والعراق"، هذه هي الجملة الرئيسية في الدعاية التي يقودها أنصار الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية عبدالفتاح السيسي، لامتصاص غضب الجماهير ضد قمع الحريات والأوضاع الاقتصادية المتردية، وفشل السيسي خلال السنوات التي قاد فيها الدولة كرئيس للجمهورية ومن قبلها وزيرًا للدفاع، في إنهاء سيطرة المجموعات المسلحة على أجزاء في سيناء، وتنفيذهم عمليات نوعية شديدة التطور، ومتصاعدة، كان آخرها حادث مسجد الروضة ببئر العبد التابعة لمدينة العريش بشمال سيناء، وذلك عقب أذان صلاة الجمعة، أمس 24 تشرين الثاني/نوفمبر 2017.

القتل في مصر لم يُعد يُفرّق مكانًا أو أشخاصًا أو دينًا. ومع الإرهابيين هناك أيضًا نظام يقمع بالسجن والتعذيب وكذلك القتل

الرئيس المصري الذي يرفض تحميل الأمن مسؤولية أي عملية ضد المدنيين أو العسكريين، خرج في بيان متلفز يتوعد بالرد "بالقوة الغاشمة"، على مرتكبي هجوم مسجد الروضة. حديث متكرر لم يعد يشفي قلوب ذوي الضحايا، ولا يمنع أصوات الصرخات ولا دموع المودعين في كل مصر، فالقتل في مصر لم يعد يفرّق مكانًا أو شخصًا أو مذهبًا أو دينًا، فمع الجماعات المسلحة الإرهابية، هناك أيضًا نظام يقمع الحقوق والحريات، بالسجن والتعذيب، وربما القتل أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا كل هذا الفشل المصري في مكافحة الإرهاب؟

ماذا حدث في مسجد الروضة؟

10 مقابر جماعية جمعت رواد المسجد في مكان واحد، بحسب شهود عيان. الحادثة جرت بشكل متسارع وغير معتاد، تصاعدت أعداد القتلى والمصابين لتتجاوز 450 مدنيٍّ من بينهم أطفال. البيانات الرسمية وروايات شهود العيان تشير لمذبحة لم تشهدها مصر من قبل، فيما يتعلق بالهجمات المسلحة الإرهابية ضد المدنيين. 

هكذا أصبحت "مجزرة مسجد الروضة" الأكبر من حيث أعداد ضحاياها، فقد قُتل فيها 305 أشخاص بينهم 27 طفلًا، إضافة إلى إصابة 128 شخصًا بإصابات متفاوتة.

ضخامة أعداد الضحايا لم يكن الأمر الوحيد المستجد في الحادث، إذ يُعد المسجد مكانًا جديدًا لاستهدافات الإرهابيين في سيناء، تحديدًا تنظيم ولاية سيناء المابيع لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

يقول أهالي قرية الروضة، إن المسجد المستهدف يتردد عليه أتباع الطريقة الجريرية الأحمدية الصوفية. وليست هذه المرة الأولى التي يستهدف فيها إرهابيو سيناء أتباع الطرق الصوفية، وهو ما يدفع لمزيد من التساؤل حول غياب دور الأمن في تأمين مناطق وأماكن تجمعات الصوفية، وهو ما تكرر من قبل مع الأقباط، وفي سيناء تحديدًا وصل الأمر معهم إلى تهجيرهم قسريًا بعد استهداف الكنائس والأفراد.

أطفال وشيوخ ورجال استعدوا كالعادة ليوم الجمعة بطقوسه المعروفة لدى المصريين: التعطر وارتداء الملابس البيضاء والتسابق للصفوف الأولى. وفي المسجد الكبير، "مسجد الروضة"، تواجد الكثير من أهالي البلدة، الذين بينهم أعداد كبيرة من الفارين من المناطق الساخنة في سيناء: رفح والشيخ زويد.

ما كانوا يتوقعون أن يكونوا هدفًا لهجوم مُسلح بهذه البشاعة. فوفقًا لبيان النائب العام، أكثر من 20 مسلحًا يرفعون راية "داعش"، توجهوا إلى المسجد في نحو خمس سيارات دفع رباعي. انتظروا الأذان، ثم بداية خطبة الجمعة للتأكد من امتلاء المسجد، ثم هاجموه من جميع المنافذ والنوافذ، وفتحوا النيران على من بداخل المسجد، لينتهي الأمر بوقوع نحو 500 ضحية أغلبهم من القتلى، وبينهم أطفال. ثم قام المسلحون بإحراق سيارات خاصة بالمصلين كانت أمام المسجد، حوالي سبع سيارات، وقطعوا الطريق المؤدية للسيارات لمنع وصول سيارات الإسعاف إلا متأخرًا.

ويتوافق بيان النائب العام الصادر بعد الحادث بنحو 24 ساعة، مع تقارير صحفية نقلت عن شهود عيان، وتُشير إلى أن الإرهابيين استمروا لنحو نصف ساعة كاملة في إطلاق الرصاص على من بداخل المسجد. نصف ساعة عرفت غيابًا أمنيًا كاملًا. نصف ساعة أودت بحياة نحو ربع رجال البلدة. نصف ساعة كشفت عن تطور خطير في تكتيكات تنظيم ولاية سيناء، وكذلك عن تصاعد الخلافات بين التنظيمات المسلحة في مصر.

وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بيان قيل إنه لتنظيم "جند الإسلام" في سيناء، وهو تنظيم أقرب لتنظيم القاعدة. يتبرأ البيان المنسوب لهذا التنظيم من العملية الإرهابية التي استهدفت مسجد الروضة، ويستنكره.

والصراع بين داعش من جهة وجند الإسلام من أُخرى، بدأت ملامحه في الوضوح مع إصدار بيان صوتي لجند الإسلام، يُعلن فيه استهدافه لمسلحي ولاية سيناء. الاستهداف كان في 11 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، لسيارات تابعة لولاية سيناء، ما أسفر عن مقتل أربعة عناصر من عناصره. ووصف البيان مسلحي ولاية سيناء التابع لداعش بـ"الخوارج"، لـ"اعتدائهم على المدنيين المسلمين"، على حد ما جاء فيه.

بيان منسوب لتنظيم جند الإسلام
بيان منسوب لتنظيم جند الإسلام

وهذه علامة اُخرى على أن الغياب الأمني وصل لمراحل حرجة، تلك التي تتصارع فيها التنظيمات المسلحة، وتُنشئ بعض القبائل كتائب مُسلحة للدفاع عن نفسها أمام هجمات ولاية سيناء. 

الصوفية في مرمى داعش

علي مسافة تصل لنحو 25 كيلومتر من غرب مدينة العريش، تقع قرية الروضة التي تعد إحدى القرى الآمنة للفارين من الاشتباكات بين قوات الأمن من جانب والمسلحين من جانب آخر في عمق العريش. وازداد اللجوء للقرية التي تقع على الطريق الدولي "العريش - القنطرة" بعد التهجير الذي قام به الجيش المصري للمئات من أهالي مدينة رفح المصرية. وتتبع القرية إداريًا مركز بئر العبد بشمال سيناء، ولم تكن خلال الفترة السابقة مسرح لعمليات عسكرية أو اشتباكات.

استهداف داعش للصوفية بسيناء ليس جديدًا فقد سبق واستهدف أضرحة صوفية كما قام بذبح شيخ تسعيني في نفس الوقت من العام الماضي

ويرتبط أهالي القرية بالصوفية. وكثير منهم أتباع في الطريقة الجريرية، إحدى الطرق الصوفية التي يقول أتباعها إن شيخها المؤسس عيد أبو جرير هو من أدخل الصوفية لسيناء، وأن الطريقة كان لها دورٌ تاريخي في القتال ضد إسرائيل منذ حرب الاستنزاف أواخر الستينيات. ومن أبرز معالم القرية، مسجد الروضة بمئذنته المرتفعة. نفس المسجد الذي وقعت فيه الحادثة الإرهابية.

مسجد الروضة عقب الحادث
مسجد الروضة عقب الحادث

اقرأ/ي أيضًا: العسكر والإرهاب.. ثنائية هدر الإنسان المصري

استهداف الصوفيين ليس بالأمر الجديد، وإن كانت عملية بهذا الحجم، تستهدف جموع مصلين داخل مسجد، تُعد الأولى من نوعها في مصر. لكن مسلسل العنف ضد الصوفية في سيناء بدأ مع ظهور تنظيم ولاية سيناء، باستهداف أضرحة ومقامات صوفية. أما أبرز المحطات فكان ذبح الشيخ التسعيني، سليمان أبو حراز، في تشرين الثاني/نوفمبر العام الماضي، بعد اختطافه لنحو شهر ونصف من قبل عناصر التنظيم.

ومن قبلها، في تشرين الأول/أكتوبر 2016، اقتحمت عناصر من ولاية سيناء، زوايا صوفية لمنع مريديها من إقامة الحضرات ومجالس الذكر. كما أقدم التنظيم على اختطاف سبعة من مشايخ الصوفية، وهددهم بإقامة ما أسماه "الحد الشرعي": "اعلموا أنكم عندنا مشركين كفار. وإن دماءكم عندنا مهدرة. ونقول لكم، إننا لن نسمح بوجود زوايا لكم في ولاية سيناء"، كانت تلك من تهديدات التنظيم الإرهابي المتشدد لأتباع الطرق الصوفية في سيناء، وفقًا لما جاء في مجلة النبأ الصادرة عن التنظيم.

متى يحمي السيسي مصر بالفعل؟

لم يعد كثير من المصريين مهتمون بخطابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي يعد فيها ويُنذر ويهدد باستخدام "القوة الغاشمة"، إذ لم تعد تلك الخطابات وغيرها تُجيب على الأسئلة الحقيقية: أين التواجد الأمني الفعال لمنع حدوث الأعمال الإرهابية؟ ولماذا تتكرر الحوادث الإرهابية، بل تتصاعد وتيرتها دون استجابة تتناسب مع هولها من قبل الدولة؟ في سوريا والعراق، حيث نشأة التنظيم ومناطق تمركزه الأساسية؛ اندحر وتقهقر، لكن في سيناء، يتقدم دون رادع.

وتعد عملية مسجد الروضة، استمرارًا لتطوير أدوات الهجوم وتصعيدًا في تكتيكات التنظيم المتشدد في سيناء، والذي يبدو أنه بات معتادًا على تنفيذه جُرمه في وضح النهار، بعمليات تقوم عناصره خلالها بالسيطرة على كامل المنطقة التي تُنفذ فيها العملية.

قبل أسابيع، نفذ التنظيم عملية سرقة للبنك الأهلي المصري. وخلال العملية التي ظلت لنحو ساعة إلا ربع، سيطر عناصر التنظيم على مربع سكني كامل حول منطقة البنك الواقعة وسط العريش. أتمت العناصر العملية، وتحركت، ولم يعوق مسيرها أحد! 

العديد من الشواهد كانت تُشير إلى هجوم ما ضد الصوفية في سيناء، مع قرب المولد النبوي والاحتفالات الصوفية بمناسبته، ففي العام الماضي خلال نفس الشهر نُفذت عملية ذبح الشيخ أبو حراز. لكن القوات الأمنية أيضًا لم تكن مستعدة، ولم تُنسق لتأمين القرية التي تعد معقلًا للصوفية في سيناء.

استمرار العمليات الإرهابية، بل تصاعدها وتجاوزها بشكل غير مسبوق، يُنذر بأزمة حقيقية في التعامل الأمني مع الإرهاب في سيناء 

تكرار العمليات الإرهابية المستهدفة للمدنين، وتجاوزها لهذا الحد بعملية غير مسبوقة، يُنذر بلا شك، بأزمة حقيقية في التعامل الأمني مع الإرهاب في سيناء، إذ يبدو أن ما تُروج له الدولة، ويروج له نظام السيسي، لا يمت للواقع بصلة. يضرب الإرهاب بقوة، ولا تجاري القوات الأمنية هذه الضربات، فماذا يُتوقع إذن من "قوة غاشمة" وعد بها السيسي، ولماذا لم يستخدمها من قبل إن كان قادرًا عليها؟!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

سيناء.. ذلك البؤس في الشمال

لعبة "القط والفأر" بسيناء.. داعش يتقهقر في كل مكان إلا مصر