23-يناير-2017

مارتن هايدغر

في آب/أغسطس 2015، صدرت عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (بيروت)، ضمن "سلسلة ترجمان"، الترجمة العربية لكتاب "هايدغر والفكر العربي" للأكاديميّ اللبناني مشير باسيل عون، وكان الكتاب قد صدر بالفرنسية عن دار "لارماتان" (باريس)، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2011، في 150 صفحة.

هل المُشكِل الأيديولوجي هو ما تعاني منه الإنتلجانسيا العربية؟ 

"لم يثر مارتن هايدغر (1889-1976) في العالم العربيّ على الإطلاق أيّ شغف عقليّ، كما لم يمارس البتّة أيّ إغواء أيديولوجيّ"، هكذا يفتتح عون، مترجمًا إلى العربية من قِبل إيلي أنيس نجم، كلامه في إعلانٍ قاطع ولاذع. يُرجِع ذلك إلى "أن النخب الثقافية العربية... قد افتتنت زمنًا طويلًا بالماركسية وببدائلها الاشتراكية، أو بالوجودية وتنويعاتها الشخصانية، لأن الأوضاع الاجتماعية والسياسية اقتضت التزامًا أيديولوجيًا قادرًا على تحريك الجماهير والقضاء على أنظمة الظلم، أو التزامًا عاطفيًا قادرًا على حماية الإنسان العربي من خيبات محتومة عرفها، ومن عذابات عايشها، وكانت لا تطاق".

اقرأ/ي أيضًا: طبعة جديدة من "السياسة" لأرسطو

من هنا، يعمل عون على تبيين "أن ثمة فائدة كبيرة للفكر العربيّ الحاليّ في أن ينعم النظر في الإسهام الإيجابيّ لمشروع هايدغر"، لأن هذا المشروع، بما يطرحه من مساءلة أنطولوجية، "يتيح للعقل العربي أن يبلغ الهدف المزدوج الذي سعى وراءه الاتجاهان الفلسفيان المذكوران آنفًا [الماركسية والوجودية]، وتنازعا على تحقيقه... تحرير المجتمع العربي من الظلم الذي ارتكب بحق الوجود التاريخي للبشر من دون الوقوع في فخ الأيديولوجيا، وتخليص النفس العربية من الانحرافات والأمراض التي ابتليت بها على نحو مريع من دون الانعزال بالمقابل في الأنا الآسرة، الأنا الجوانية الهانئة".

إن عملية التأمُّل والنظرَ في المشروع الهايدغري، التي يحضُّ عليها عون، تنطلق أساسًا من موضع المساءلة، "ذلك أنه ليس المقصود البتة أن نعهد إلى هايدغر في رسم طريق الخلاص". لكن، هل يُنقذنا هايدغر، ولو من طريق المساءلة، من ماركس وسارتر؟ هل المُشكِل الأيديولوجي هو ما تعاني منه الإنتلجانسيا العربية؟ هل ثمة حضور حالي أصلًا للماركسية والوجودية عند هذه النُخب؟

بقدر ما يفتحنا طرح عون على عوالم فاتنة في فكر هايدغر، لا شك أنها تعزز الحاسة النقدية، بقدر ما يثير أسئلة تتعلق بالغرض الأنطولوجي من ورائه، الذي هو على وجه التعيين إنقاذ النُخب العربية من تعثرها الأيديولوجي، خصوصًا أن الأيديولوجيات التي يتحدث عنها قد تركتها غالبية هذه النُخب إلى غير رجعة منذ أواخر ستينيات القرن المنصرم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"الطبقات والتراصف الطبقي" بحسب روزماري كرومبتون

المركز العربي يقارب الذكرى المئوية للحرب العالمية