الفنّانة الحرّة، أو الثائرة، أو أيقونة الثورة؛ هي ألقاب من بين أخرى كثيرة حملتها الفنّانة السورية مي سكاف (1969 - 2018) التي غادرت عالمنا في مثل  هذا اليوم  عام 2018 بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد رحلة دامت 49 عامًا.

كانت السنوات الأخيرة من رحلة مي سكاف هذه كفاحًا مضنيًا، بعد أن قضتها في خدمة ثورة أبناء بلدها

كانت السنوات الأخيرة من رحلة مي سكاف هذه كفاحًا مضنيًا، بعد أن قضتها في خدمة ثورة أبناء بلدها الذين تقاسموا جميعًا وجع رحيلها الذي جاء كخسارةٍ تُضاف إلى قائمة الخسائر الكبيرة التي مُنيت بها الثورة السورية مؤخّرًا، وكأنّها. كما أورد محبّوها في مواقع التواصل الاجتماعي، لا تريد أن تكون شاهدةً على خسارة ما تبقّى من الثورة التي وقفت إلى جانبها منذ بدايتها.

اقرأ/ي أيضًا: جريمة "نائمة" في الذاكرة

بدأت مي سكاف مسيرتها الفنّية في الثانية والعشرين من عمرها، وذلك بمشاركتها في فيلم "صهيل الجهات" الذي صوِّر سنة 1991، لتؤسِّس لنفسها بعد ذلك مكانًا مهمًّا في الشاشة السورية، ولا سيما بعد مشاركتها في مسلسل "العبابيد" الذي أدّت فيه دور تيما. المسلسل الذي بُثَّ للمرّة الأولى سنة 1996، كان شاهدًا على تفردّ الراحلة فنّيًا. ولعلّ تفرَّدها هذا كان نابعًا من كونها ظلّت بعيدة عن معاملة الفن كمهنة، أو اعتباره مصدرًا للرزق أو الشهرة وحسب، ذلك أنّ الفنّ ظلّ في نظرها ذو قيمة، وجسّدت قيمته الأصيلة بوقوفها في وجه الدكتاتورية والاستبداد، وانخراطها في صفوف الثائرين الذين لطالما أكّدت أنّها لربّما لا تعرف شيئًا عن نشاطاتهم، ولكنّها تشعر دائمًا بأنّها واحدة منهم.

هكذا، كانت مي سكاف من أوائل الموقّعين على "بيان الحليب" الذي طالب سلطات النظام بإدخال الحليب إلى أطفال درعا. وأيضًا من أوائل الذين توافدوا إلى اعتصام الفنانين السوريين الذي جرى في الثالث عشر من شهر تموز/ يوليو سنة 2011. حيث اعتقلت الراحلة برفقة آخرين. وعلى الرغم من اعتقالها هذا الذي تبعه اعتقال آخر في سنة 2013، ظلّت مي سكاف وفية للثورة، ولم تتمكّن حملات التخوين التي أطلقها قطعان الشبيحة آنذاك ضدّها من إسكات صوتها، أو إثباط عزيمتها، أو النيل من صخب وشغف روحها الثائرة، لتتحوّل حينها إلى أيقونة للثورة السورية، ورمز من رموزها، إذ إنّ وقوفها إلى جانبها لم يكن أمرًا شكليًا، لأنّ مي سكاف كانت تعيشها بكلّ حواسّها، لدرجة أنّها أكّدت مرارًا أنّ استشهادها في سبيلها كان من أمنياتها، وأنّ الأمر لو حدث، لكان من أجمل لحظات حياتها.

على الرغم من اعتقالها للمرة الثانية، سنة 2013، ظلّت مي سكاف وفية للثورة

أمّا أقسى لحظات حياتها، فكانت دون شك لحظة مغادرتها لبلادها بعد إطلاق سراحها سنة 2013، وبدئها حياة جديدة في المنفى الذي لم تتوقف فيه مي سكاف عن تسجيل مواقف مشرّفة في تاريخ الثورة، ولعلّ أبرزها نسفها مرارًا لادعاءات النظام وأعوانه بأنّ الثورة السورية ثورة طائفية إرهابية تستهدف الأقليات، وتحاول القضاء عليها، وهو ما نفته الراحلة مي سكاف قائلة في أحد حواراتها بعد خروجها من سوريا بمساعدة من يصفهم النظام بالإرهابيين: "هل من يساعد امرأة وممثلة مسيحية هم إرهابيون؟ إن كان مساعدة الناس والوقوف بجانبهم إرهاب، فإنّ الإرهاب على رأسي، والله محيي الإرهاب".

اقرأ/ي أيضًا: نقابة الفنانين في سوريا: مجلس تأديب علني

استطاعت مي سكاف بمواقفها هذه أن تجعل من شخصيتها شخصية متفرّدة وعصية على العبور السهل أو الغياب، لأنّ اسمها سوف يظلّ محفورًا في ذاكرة ثورة السوريين الذين ردّدوا اسمها في إحدى تظاهراتهم في مدينة حماة قائلين: "يا وزير الأوقاف، قول للبوطي ما يخاف، ويتعلّم من مي سكاف".

 

اقرأ/ي أيضًا:

فنانون سوريون.. ما بين الثورة وبساطير النظام

محمد أوسو.. عندما يتوافق السوريون على صورة