02-ديسمبر-2015

العقيد عمر ولد أبيبكر

تعيش الساحة السياسية والحقوقية هذه الأيام حالة من الجدل بسبب قيام الأمن الموريتاني باعتقال العقيد المتقاعد عمر ولد أبيبكر، حيث داهمت عناصر من الأمن الموريتاني قاعة كانت تنظم فيها ندوة بمناسبة يوم عيد الاستقلال الثامن والعشرين من نوفمبر، وكان العقيد مشاركًا فيها واعتقلته السلطات على خلفيتها. 

قضية الإرث الإنساني وعمليات قتل الضباط الزنوج كانت دائمًا محل نقاش ومصدرًا لإثارة الجدل في موريتانيا، وأبرز مواطن الشرخ في الدولة المتنوعة

كان العصيد قد قدم في تلك الندوة، شهادة حول مجزرة إينال التي وقعت يوم عيد الاستقلال عام 1990، والتي راح ضحيتها مجموعة من الضباط الزنوج الموريتانيين على يد الجيش الموريتاني أيام حكم الرئيس الأسبق لموريتانيا معاوية ولد سيد أحمد الطائع(1984-2005)، وقد قامت عناصر الأمن باختطاف العقيد لوجهة غير معلومة، ولم يظهر سوى مساء الثلاثاء، فاتح ديسمبر، عن ذلك الظهور تحدث ل" ألترا صوت" الشيخ ولد عمر ولد أبيبكر نجل العقيد، وقال: "وصلنا الوالد رفقة مجموعة من عناصر الأمن وكان يرتدي نفس الثوب الذي كان يرتديه يوم اعتقاله، حيث فتش رجال الأمن المنزل وبعدها أخذوا الوالد مجددًا لمكان غير معلوم"، نحن نعتبر العقيد في حالة اختفاء قسري وهو ما يخالف القانون"، وأكد الشيخ على أن عائلة العقيد لا تعرف التهم الموجهة له ولا خلفية الاعتقال.

ماذا قال العقيد؟

كلام العقيد في الندوة لم يكن أول تناول للقضية من طرفه، فقد سبق وكتب مقالًا حول مجزرة إينال وكونها لطخت ذكرى الاستقلال، قال فيه: "لم يعد بإمكان الثامن والعشرين من نوفمبر أن يشكل عيدًا وطنيًا لشعبنا. لا يمكن أن نحتفل بذكرى قتل شهدائنا الثمانية والعشرين الذين تم شنقهم في هذا اليوم الخالد. فقد لطخ دمهم للأبد ذكرى استقلالنا وشوه علمنا الوطني. لا يمكن أن نحتفل بشنق مجموعة بكاملها، ثقافة بكاملها. لا يمكن أن نحتفل بشنق الإنسانية جمعاء. إن دماء أولئك الرجال المؤمنين الذين تمت التضحية بهم مثل الخراف يوم الثامن والعشرين من نوفمبر 1990، على أيدي إخوتهم في السلاح وسط احتفاء لا يصدق؛ تستدعي ضميرنا الديني، ضميرنا الوطني، ضميرنا المدني، ضمير وطنيتنا".

وتحدث في فقرة أخرى عن مجازر أخرى بحق الزنوج: "في شهر نوفمبر من عام 1990، سقط مئات من القتلى في صفوف إخوتنا الزنوج الموريتانيين؛ مدنيين وعسكريين. عدة مئات من النفوس المؤمنة تم إعدامهم دون أي سبب وجيه، أو ماتوا تحت التعذيب. وتم إعدام البعض بدم بارد أمام الملأ، وعرضت جثثهم لفترة طويلة جدًا أمام ذويهم الذين منعوا من تشييعهم؛ ودفن آخرون أحياء كما حدث في العزلات وفي اجريده. وتم شنق آخرين في إينال ورش تاشدبيت بمقاطعة روصو في كتيبة المظليين الأولى (1er BCP)، وآخرين تحت التعذيب في نواذيبو وغيرها... أما الضحايا في صفوف وحدات الجيش الوطني فكانوا أقل بقليل من ثلاثمائة، أزيد من نصفهم (154) في القبر الجماعي بإينال". 

تنديد بالاختطاف

أثار اختطاف العقيد ولد أبيبكر موجة تنديد واسعة رغم الجدل الذي تثيره مقالاته، حيث اعتبر أنه استمرار في نهج خنق الحريات في موريتانيا، وقد عبر حزب اتحاد قوى التقدم عن صدمته من حالة الاختطاف التي يتعرض لها العقيد المتقاعد، وطالب بتوضيح ملابسات اعتقال العقيد ولد ابيبكر والمعاملة التي حصلت له؛ وكذلك إطلاق سراح العقيد في أسرع وقت ومن دون أية شروط، بالإضافة الي إلقاء الضوء على الإرث الانساني لسنتي 89/91 وتحقيق العدالة للضحايا.

بدوره، قال المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أن اعتقال العقيد ولد أبيبكر يعد دليلًا واضحًا على تراجع الحريات في موريتانيا، وأكد أن السلطات الموريتانية قامت باختطاف ولد أبيبكر، ولم تسمح لذويه بمعرفة مكان احتجازه، ولا حتى بمحام للدفاع عنه، وهو ما يعتبر انتهاكًا صارخًا لحرية التعبير وخرقًا لدستور وقوانين البلاد.

وكان المحامى الموريتاني محمد ولد أمين، عضو هيئة الدفاع عن العقيد ولد أبيبكر، قد أكد عبر صفحته على موقع فيسبوك أن هيئة الدفاع عن العقيد عمر ولد ابيبكر طلبت من وكيل الجمهورية تمكينها من مقابلة موكلها ولم تستقبل أي رد لحد الساعة.

قضية الإرث الإنساني وعمليات قتل الضباط الزنوج كانت دائمًا محل نقاش ومصدرًا لإثارة الجدل في موريتانيا، وأبرز مواطن الشرخ في الدولة المتنوعة، وقد تبنتها عدة منظمات حقوقية وأحزاب سياسية معارضة، لكن الجديد في قضية ولد أبيبكر هو أن المتحدث، عقيد من الجيش الموريتاني، أي أحد عناصر المؤسسة المتهم قادتها بالتورط في عمليات القتل، وهو ما يعتبر تطورًا كبيرًا في مستوى القضية، خاصة أن ولد أبيبكر أكد في شهادته على أن الجناة معروفون.

اقرأ/ي أيضًا: 

الأزمة السياسية في موريتانيا والحوار المرتقب

الحرية لصوت المغرب..هشام المرآة