16-يوليو-2018

الشاعر والكاتب شوقي برنوصي

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


شوقي برنوصي شاعر وروائي ومترجم من تونس. يعمل مهندس كهرباء منذ 2003، بالإضافة إلى ذلك هو ناشط في المجتمع المدني التونسي. له "كسرت المرآة بأجنحتي" مجموعة شعريّة 2013، "بذلة الغوص والفراشة" ترجمة عن الفرنسيّة للكاتب جون دومينيك بوبي. قيد النشر رواية بعنوان "مأزق تشايكوفسكي"، وترجمة لرواية "سأرقص على قبوركم" للكاتب بوريس ڤيان.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

سأعترف هنا بسرّ خطير: لم أكن أحبّ الكتب في طفولتي! أحببتُ قراءة المجلاّت المصوّرة أكثر. كنت أذهب إلى المكتبة في نهاية الأسبوع خوفًا من عقاب أبي الذي كان يعشق الكتب ويقرأ على مسامعي أحيانًا قصائد لأبو القاسم الشابّي وشعراء آخرين. تعتريني حالة غريبة حال دخولي المكتبة العموميّة: أنسى نفسي والوقت، وظهرت في سنّي الثالثة عشرة رغبتي بالكتابة. تدريجيًّا صار ذلك الموعد الأسبوعيّ "القسريّ" مع الكتب فسحة من دراسة العلوم والرياضيّات. خلال دراستي للهندسة، بقي الأدب متنفّسي من دراستي للعلوم. أبقيتُ على علاقتي بالورق من خلال الكتب العلميّة التّي احتجتها في دراستي، وكانت بعض صفحاتها مسرحًا لبعض قصائدي وخواطري.

بقي شغفي بالكتب الأدبيّة على حاله، رغم انشغالي بالعمل كمهندس في التحكم الآليّ إلى حدّ سنة 2011. في شهر أيار/مايو من ذلك العام انضممت كعضو في صالون "ناس الديكامرون" الذّي أسّسه الروائي التونسي كمال الرياحي، وكنت مطالبًا بقراءة كتاب أو كتابين خاصّين بالموضوع الذي سيناقش كلّ أسبوع مع أصدقاء الصالون. مكّنني ذلك النسق في القراءة من الاطّلاع على كتّاب كبار مثل دوستويفسكي وهنري ميلر وخوسيه ساراماغو وبول أوستر وأميلي نوثومب وآخرين. كما خضت بفضله تجارب جديدة خاصّة في الكتابة الصحفيّة والترجمة والسرد، وعرّبت عن الإنجليزيّة أوّل قصّة لتشارلز بوكوفسكي كانت بعنوان "بيرة، شعر وحديث".

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

رواية "الطفل" جول فاليس ذلك العمل الرائع جزء من ثلاثيّة أوتوبيوغرافيّة للكاتب. جول ولد مقهور من طرف والديه خوفًا عليه من أن يصير مدلّلًا، والذي يجد نفسه محبوسًا ووحيدًا ومنسيًّا في غرفة لا أثاث فيها سوى نسخة من كتاب "روبنسون كروزو" لدانيال دييفو. تقلب تلك الرواية حياته رأسًا على عقب بعد أن قرأها مرّات دون انقطاع في وحدته القسريّة تلك. وللأسف لم تترجم هذه الرواية إلى العربيّة إلى الآن رغم أنّها تمثّل علامة من علامات الأدب الفرنسي.

تأتي بعدها رائعة غابرييل غارسيا ماركيز "ذاكرة عاهراتي الحزينات"، تعلّمت منها تواضع كاتب تجاه كتابات الآخرين، والتّي استلهمها ماركيز من رواية "الجميلات النائمات" للياباني الحائز على نوبل ياسوناري كاواباتا.

من أشدّ الكتب تأثيرًا أيضًا رواية "امتداح الخالة" لماريو فارغاس يوسا، بترجمة صالح علماني. أذكر المترجم هنا لأنّه منحها روحًا أخرى تضاف إلى عمقها وجعلتها من أحبّ الكتب إليّ، وشدّني كثيرًا فيها توظيف الفنّ التشكيليّ في الكتابة الروائيّة، ما يعمّق فكرة أنّ هذا الجنس الأدبيّ قادر على استيعاب جميع الفنون.

من الروايات التّي غيّرت حياتي أيضًا مذكّرات الكاتب الفرنسيّ جون دومينيك بوبي، والتي نالني شرف نقلها للعربيّة ونشرت سنة 2017 عن "دار مسكيلياني" التونسيّة. كتاب يعتبر درسًا في تحدّي الإعاقة والموت، كذلك قدرة الكتابة والتخييل على أن تكون ملاذًا من كلّ مصائب الكون.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

قيل عنه إنّه "رأس وسط السحب وأرجل داخل العلوم": الكاتب الفرنسيّ بوريس ڤيان. أوّلًا لأنّه من نفس اختصاصي أي مهندس وعمل في الجمعيّة الفرنسيّة للمواصفات الميكانيكيّة والكهربائيّة. شاعر وكاتب وعازف آلة البوق ومغنّي جاز وصحفيٌّ ومترجمٌ. يعتبر مجدّدًا في الأدب الفرنسي عبر استحداثه ألفاظ جديدة ومعاودًا تثمين الكلمات رغم قدومه من عالم مختلف عن الأدب وكان دائم التذمّر من مهنته كمهندس. طرح في أعماله عديد المواضيع المحظورة، وتناغم في عالمه الروائيّ الواقعيّ بالعجائبيّ والكوميديّ بالتراجيديّ. أعتبر إلى الآن أنّ روايته "زبد الأيّام" من أروع قصص الحبّ في الرواية، عمل قدّم فيه ڤيان اختراعه الشهير "البيانو كوكتيل: آلة تشبه البيانو من اختراع ﭬيان تتحكّم مفاتيحه بقوارير عصير، كلّ معزوفة تعطي نوعًا متفرّدًا من العصير خاصّ بكلّ معزوفة. لهذا السبب ترجمت له روايته "سأرقص على قبوركم" (العنوان الأصليّ سأبصق على قبوركم) وهي قيد النشر وأفكّر بترجمة أعمال أخرى له. أطمح حقيقة أن أكون بوريس ڤيان العالم العربيّ.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟ 

نعم. تمكنّني الملاحظات من التدقيق في أسلوب الكاتب والوقوف على بعض تأمّلاته والرمزيّة التّي ساقها في جملة أو عبارة معيّنة. تعدّ تلك الملاحظات مجرفة تتوغّل بك في عمق تربة الكتاب الخصبة. نفس تلك الملاحظات تمنحني قرار الكتابة عن الكتاب أو لا.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أتذكّر إلى الآن أوّل كتاب إلكترونيّ قرأته سنة 2008، "حاكمة قرطاج" للصحفي الفرنسي نيكولا بو والذّي كان ممنوعًا من السلطات التونسيّة آنذاك، و"بورقيبة: سيرة شبه محرّمة" للصافي سعيد. أغلب الكتب التّي قرأتها إلكترونيًّا كانت ممنوعة في تونس، روايات سلمان رشدي على سبيل المثال. عادة أقرأ الكتب في صيغتها الورقيّة، العلاقة مع الورق تشبه راقص التانغو مع رفيقته أو العكس. بعد انتفاء صيغة المنع عن الكتب في تونس، صار الكتاب الإلكترونيّ فرصة للاطلاع على أعمال غير متوفّرة أو صعبة المنال.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

أود أن أصرّح أنّ رفوف مكتبتي الزرقاء الحاليّة كانت من إهداء الروائي التونسي كمال الرياحي. تتكوّن أغلبيّتها من الروايات العربيّة والعالميّة، بالإضافة إلى مجموعات شعريّة وكتب علميّة في اختصاص الهندسة الذي أزاول، بثلاث لغات وهي العربيّة والفرنسيّة والإنجليزيّة. أفتخر بامتلاكي للآثار الشعريّة لآرتور رامبو وبعض روايات دوستويفسكي، هنري ميللر، بوريس ڤيان، خوسيه ساراماغو، آميلي نوثومب، أفونسو كروش. بالنسبة للكتاب العرب أملك مجموعات محمود درويش الشعريّة وأغلب روايات رشيد الضعيف وكمال الرياحي وعلي مصباح وسليم بركات وجان دوست وعبد العزيز بركة ساكين وعلي المقري. أحرص شهريًّا على اقتناء سلسلة "إبداعات عالميّة"، الصادرة عن "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب" بالكويت.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

عن الفرنسيّة، أنهيتُ قراءة رواية "سنة الأرنب البري" لعلم من أعلام الكتابة في فنلندا والبلدان الاسكندينافيّة آرتو باسيلينا. تصنّف هذه الرواية ضمن ما يسمّى الأدب البيئيّ وتسرد قصّة هروب صحفيّ فنلنديّ يدعى ڤاتانان مع أرنب بريّ بعيدًا عن زوجته القاسية وعالمه الكئيب والمملّ، منتقدًا مهنته كصحفيّ ومنظومة الروابط الاجتماعيّة في فنلندا.

 حاليّا أقرأ رواية باللّغة العربيّة "الإقالة من الحياة" للكاتب والصحفي الإيطالي ايرمانّو ريّا، وتروي قصّة مهندس إيطاليّ كلّف بإعادة تفكيك آلات مصنع الصلب الذّي قضّى فيه قرابة ثلاثين عامًا من عمره، وهي من ترجمة الدكتور ناصر إسماعيل.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة طارق عزيزة

مكتبة فواز حداد