13-أغسطس-2018

الشاعر والباحث جمال جمعة

ألترا صوت - فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


جمال جمعة شاعر ومترجم وباحث من العراق. يقيم في الدنمارك منذ 1984. قام بتحقيق مجموعة من كتب التراث الإيروتيكي العربي للنفزاوي والتيفاشي وغيرهما، وقد أثارت هذه الكتب جدلًا واسعًا. من إصداراته الشعرية: "يوميات السائر في نومه"، و"اختراق حاجز الصوت"، و"قصائد فيلنيوس"، و"شرفة في شارع جدمينو".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

والدي، هو الذي أدخلني إلى عالم القراءة الساحر يوم حمل لي مجلة "سوبرمان" بعد عودته من العمل في معمل السجائر. كنت قد دخلت المدرسة توًا وأنا بعمر ست سنوات. وقد سحرتني هذه المجلة، وما زالت، برونق ألوانها ومغامراتها المشوقة وكم المعارف الجديدة التي تحتويها، إضافة إلى شيء مهم آخر ما زال يؤثر على كتابتي للشعر، لقد غذت مخيلتي الصورية وأخذتها إلى آفاق كونية ومديات بعيدة ومتعددة.

ظلّ والدي، رحمه الله، مواظبًا على ذلك كل خميس تقريبًا، رغم سعرها الباهظ آنذاك "50 فلسًا عراقيًا". مع تقدمي في سنين الدراسة الابتدائية ازدادت سرعتي في القراءة وأضحى عدد صفحات المجلة المحدود (36 صفحة) ينتهي بظرف ساعة أو أقل، مما جعل من الأسبوع فترة طويلة وشاقة لانتظار العدد القادم، فشرعت بالبحث عن منافذ أخرى فيما بعد بين زملائي في المدرسة وأبناء الجيران، وكنت سعيد الحظ باكتشاف أن أحد رفاق اللعب كان مولعاً بالمجلة مثلي فقررنا تبادل المجلات وهنا حدث لي أول انعطاف جاد في القراءة، لقد كان لهذا الصديق أخ أكبر لديه مكتبة تضم كتباً "حقيقية" فأعارني رواية نجيب محفوظ  "زقاق المدق" ثم تفرعت الاستعارات إلى كتب نجيب محفوظ الأخرى، يوسف السباعي، مكسيم غوركي وهكذا. وأظنني ولجت إلى عالم الكتب من "زقاق" نجيب محفوظ.  

  •     ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثير في حياتك؟

هنالك مرحلة ما يكون فيها المرء طرياً وقابلاً للتأثر الواعي وليس العابر، وهي ليست مرحلة الطفولة الساذجة ولا مرحلة النضوج التي يشتد فيها عود المرء وتتبلور شخصيته. التأثر يأتي في سني المراهقة حينما تكون روح الانسان ما تزال بريئة ومستكشِفة، وأظن أن كتب سلامة موسى كان لها أبلغ التأثير في شخصيتي وتكويني الفكري في تلك المرحلة لما تمتلك من قوة الإقناع العلمي والتفكير المنظم، إضافة إلى حميمية الخطاب وجدّته.   

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

لدي العديد من الكتاب المفضلين، وهؤلاء لا أفوّت لهم عملًا أو نصًا مهما ضؤل، أخص منهم بورخيس وأمبرتو إيكو وإيتالو كالفينو وباتريك زوسكند، وقد أصبحوا كذلك لأنهم جمعوا خصب المعرفة والخيال المتفرد مع براعة فنية قل نظيرها، ما زلت شخصيًا أتعلم منهم الكثير رغم كوني شاعرًا وليس روائيًا، فهم أساتذة قبل كل شيء وليسوا مجرد كتّاب.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرؤه عادةً؟

لا أبدًا، لم أفعل ذلك طوال حياتي. أنا أقرأ العمل وأتركه يمضي في غياهب اللاوعي ليمتزج مع المؤثرات الأخرى من تجارب حياتية وثقافية، ليعود بصيغة قصيدة لا تحمل من الأصل سوى استيحاءات مبهمة. النسيان ضروري للمبدع لتجنب التأثير المباشر على نصوصه من كتابات الآخرين.

  • هل تغيرت علاقاتك مع الكتب بعد زمن الكتاب الإلكتروني؟

كثيرًا، لم أعد أشتري الكتب إلا نادرًا جدًا، خصوصاً الروايات والدواوين، غالبًا ما أقرؤها على جهاز "الآيباد" أو أطبعها على الورق إذا تجاوزت صفحاتها المئتين. وهذا ما جعل نقودي تذهب إلى أمور حياتية أخرى: ملابس جديدة، تذاكر سفر، نزهات... إلخ.

  • حدثنا عن مكتبتك؟

ليست لدي مكتبة الآن ولا أظنها ستكون، المكتبة في البيت شؤم، أو هكذا أراها. كانت لدي ثلاث تجارب مع بناء المكتبات انتهت نهايات كارثية، أولها في العراق، حيث اضطررت لتركها مع ما تركت حين خرجت من البلاد، والأخيرة في الدنمارك، تخلصت منها بعد أن تهيأتُ للانتقال إلى ليتوانيا للعمل في جامعة فيلنيوس. المكتبة الأخيرة كانت حصيلة جمع دؤوب على مدى ربع قرن، ارتأيت أن ألقي بها في صناديق إعادة التدوير في مكب القمامة المجاور للبيت بعد أن اكتشفت أن أجور نقلها ستكلفني أضعاف إعادة شرائها من جديد. مذ ذاك تغيرت نظرتي للمكتبة ولم أعد أحتفظ بالكتب. الكتب التي قرأتها غالبًا ما أهديها لصديق أو أدعها تذهب إلى مصير من سبقوها في سلة النفايات. لم تعد تستهويني المكتبة الكبيرة داخل البيت، لأن المكتبة الكبيرة تلغي القراءة. لقد لاحظت أن قراءتي تكون أكثر وأسرع بوجود بضعة كتب في البيت. كثرة الكتب تغوي بالانتظار والتريث في قراءة ما بين يديك، سيكون دائماً ثمة كتاب آخر أكثر إثارة في مكتبتك يجعلك تهجر الكتاب الذي شرعت به فتتحول منه دون إتمامه. فطالما كان الكتاب في حوزتك سيمكنك دائماً قراءته "لاحقًا"، ثم تشتري آخر وآخر وهكذا تتكدس الكتب في منزلك دون أن تكون قد قرأت أغلبها، المكتبة هنا تتحول إلى "مخزن الكتب اللامقروءة" حسب تعبير إيكو.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

"قلعة المصائر المتقاطعة" لإيتالو كالفينو بترجمة بارعة للأستاذ ياسين طه الحافظ، والكتاب على صغر حجمه سأظل برفقته وقتًا طويلًا، فقراءة كالفينو تشبه التهام الشوكولاتة، ينبغي الاستمتاع بها ببطء.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة سفيان مخناش

مكتبة عبير اسبر