24-سبتمبر-2018

أمير داود (الترا صوت)

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أمير داود، كاتب وباحث ثقافي فلسطيني، صدر له مؤخرًا كتاب نصوص سيرية تحت اسم "صديق نقطة الصفر"، ويكتب في مجموعة من الصحف والمجلات الثقافية.


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب ؟  

ملثمو الانتفاضة الأولى. كان الملثم في الانتفاضة الأولى هو البطل الخارق في وعي الناس، وخصوصاً الأطفال، كانت واحدة من مهمات هؤلاء الملثمين هي إلقاء البيانات على الناس ونعي الشهداء وإعلان الإضرابات الشاملة، كنت مسحوراً حينها بلغة الملثمين، بأشعار الانتفاضة الأولى، كنت مأخوذاً بهذه الخطابة البليغة التي تتحدى الاحتلال في الفضاء المخنوق بالحكم العسكري والدوريات والجنود،  مشهد الملثم يلقي بياناً أو خطاباً أو أشعاراً حماسية كان مشهداً مكثفاً وبليغاً وساحراً بالضرورة، كنت أحفظ هذه العبارات وأعيد كتابتها مرة أخرى على الكراسة، من هنا تولدت تلك الرغبة العارمة بأن أقرأ وأحفظ أشعاراً جديدة، أذكر أول كتاب قرأته في حياتي كتاب "رجال حول الرسول"، وخصوصاً مقدمة الكتاب الطويلة، كانت المقدمة مؤثرة، وفيها عبارات يصلح اقتطاعها من أجل أن تُلقى على مسمع من جمهور.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

أنا على علاقة جيدة مع كل الكتب التي قرأتها، لا أذكر أنني أكملت كتاباً لم يعجبني من صفحاته الأولى، هنالك كتب استحوذت على عقلي وقلبي بالكامل، لدرجة أن خليطاً غريباً من مشاعر الغيرة والرغبة بإعادة القراءة والحزن لحظة الانتهاء منها، وهناك كتب اكتفيت بشرف إكمالها. الكتاب الذي أحبه، ألوم نفسي لأني لم أكتب مثله، لأني لم أذهب إلى هناك أولاً، إلى تلك المساحة التي تمت إضاءتها في ذهن القارئ. على كل، يمكنني القول أن عمل المسرحي السوري سعد الله ونوس "طقوس الإشارات والتحولات" هي الأكثر تأثيراً عندي، لدرجة أنني أعدت قراءتها أكثر من 5 مرات. أحس دائماً بأنني حظيت بشرف قراءة كتاب "الضوء الأزرق" لحسين البرغوثي على شكل مسودة، أي قبل أن يصدر ككتاب في المكتبات، وهذا هو الكتاب الذي واصلت قراءته من لحظة صدوره في العام 2001 وحتى هذه الأيام، الضوء الأزرق ذهب في جنس السيرة العربية إلى مساحة جديدة لافتة من التأملات والعوالم الفردية المفتوحة على هشاشة إنسان ما بعد الحداثة وتناقضات المكان والوعي الحساس تجاه ذلك كله.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

        أستطيع أن أقول أن عندي مجموعة من الكتاب المفضلين، وهي مجموعة تتحرك وتتغير بشكل مستمر. أنا ممن يتناولون أعمال الكاتب كلها دفعة واحدة متى أمكنني ذلك. منذ فترة أجهزت على معظم أعمال المفكر البولندي زيجمونت باومان، ابتداءً من "حيوات مهدورة" ومروراً وليس انتهاءً بـ "أوقات سائلة" و"غرباء على بابنا". وكذلك مع المسرحي العدمي الأمريكي إدوارد أولبي. لكن أعتقد أن ربيع جابر، الروائي اللبناني هو أحد المفضلين عندي هذه الأيام، وخصوصاً رواياته التاريخية "دروز بلغراد" و"بيروت مدينة العالم" بأجزائها الثلاث، وما فيها من عودة راحلة عبر الزمن والأرشيف القديم إلى مدينته قبل ثلاثة قرون. التزام ربيع جابر بالكتابة عن بيروت ليس التزاماً رومانسياً بالمعنى الترفيهي من الكتابة، بل تستطيع أن تقول أن هذه الأعمال وليدة جهد شاق ومضنٍ من أجل ضخ الروح في شخصيات تحار أنت في سطوة وحميمية حضورها في سطور الروايات، أنا من النوع الذي تستهويه اللغة في الرواية، بل تكاد تسير اللغة جنباً إلى جنب مع التفاصيل والأحداث والتقنيات الأخرى من حيث الأهمية، وربيع جابر أحد هؤلاء الذين يبرعون في كتابة رواية تستوفي شروط تفضيلها على غيرها.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

ليس دائماً. القراءة، كفعل يستوجب استهلاك الطاقة، تكون بالعادة عندي فعلاً نشيطاً ومسرفاً للغاية، أستهلك فيه ذهني وجهدي كله، عملية دراسية بالمعنى الحرفي، وهنا أكتب ملخصات وملاحظات وأسئلة ومفاتيح لبحث إضافي في مكان آخر، وفي مرات أخرى تكون القراءة جزءاً من حالة كسولة مسترخية، وكأنني أشاهد مسلسلاً على التلفاز، وهي حالة لا تستدعي فعل أي شيء سوى المشاهدة الذهنية. لكن بالمجمل، عندي عادة كتابة أرقام الصفحات على ملحق خارجي من أجل العودة لها لاحقاً، وهي وسيلة ناجحة في الإبقاء على ملاحظاتي وأسئلتي حول الكتاب في المتناول، أذكر في كتاب "العنف الرمزي" لبيير بورديو بأنني أنتجت فهرساً مكوناً من 78 ملاحظة كتبتها أثناء القراءة لكتاب لا تتجاوز صفحاته 95 صفحة على ما أذكر.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أنا لست صديقاً للكتاب الإلكتروني بالمجمل، وإذا حدث وقرأت واحداً أكون في غاية الاضطرار لذلك، لم يتغير أي شيء عندي منذ دخول الكتاب الإلكتروني إلى واجهة عالم الكتابة والقراءة، أحب الكتاب في شكله الورقي، وأتمنى أن لا يصل بنا الزمن إلى عالم بلا أوراق.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

هي مكتبة متنوعة، فيها مجموعة من الأعمال الأدبية والفكرية والمجلات المتخصصة، وكتب ومراجع باللغة الإنجليزية التي قرأتها طالباً، المكتبة تغطي حائطاً كاملاً في غرفة مكتبي، بالإضافة إلى مجموعة من الكتب التي لا أقرأها عادة ولا أعود إليها لازالت حبيسة الصناديق، في الفترة الأخيرة بدأت بالتفكير بإضافة واجهة أخرى تغطي حائطاً آخر نظراً لقرب امتلاء الواجهة الأولى. أنا بالمجمل لست مهووساً بامتلاك كم كبير من الكتب؛ حتى أبقي على تلك العلاقة الحساسة مع كل كتاب أمتلكه، ميزة مكتبتي أن لدي علاقة جيدة مع كل كتاب مركون فيها، الميزة الأخرى، أنها مصفوفة في المكتبة وفق ترتيبي الذهني لها، أي كيف وضعتها في المرة الأولى، وليس كترتيب موضوعي، ترتيب فوضوي تقريباً، لذلك تجد رواية إلى جانب كتاب في التاريخ، وديواناً شعرياً إلى جانب كتاب عن التصوف، وهكذا.

حديثاً بدأت العمل على تطوير زاوية في المكتبة من أجل الاحتفاظ بأهم المقالات المطبوعة، وهي بالمجمل مقالات طويلة ومتخصصة سواء بالفكر أو النقد أو التاريخ، وهي لا شك ستكون في حال نضوجها إضافة جيدة لعملية قراءة تستند إلى الكتاب في بعده الأفقي والمقال في إطاره العمودي، بحثاً في الثيم المعرفي.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

بين يدي كتابان أقرأهما هذه الفترة، منها "ليس للحرب وجه أنثوي" للكاتبة البيلاروسية سفيتلانا اليكسيفيتش، وهو كتاب مؤثر  تستدعي فيه شهادات النساء في الحرب العالمية الثانية، وأقرأ أيضاً مجموعة قصصية لخوان رولفو تحت اسم "السهل يحترق"، وهي مجموعة قصصية تتناول الحقبة ما بعد الاستعمارية في المكسيك، ووهم وزيف برامج الإصلاح الزراعي، مجموعة قصصية قادمة من أحلك أيام الريف المكسيكي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مكتبة طارق عزيزة 

مكتبة بلال شلش