30-نوفمبر-2017

من صفحة "كتابي من ورق" (فيسبوك)

يمثّل الحصول على الكتب الورقيّة باللغة العربية، في المنافي وبلدان اللجوء الأوروبية، أزمةً عصيّة بالنسبة للعرب المتواجدين هناك، سواء كانوا لاجئين أم مقيمين، وذلك لندرة المكتبات التي تقوم ببيعها وتوفيرها، والتي حتى لو وجدت فأسعارها مرتفعةً ولا تناسب الكثيرين، ما يدفع الراغبين في الحصول عليها إلى طلبها من مواقع المكتبات الإلكترونية العربية، الأمر الذي يدخلهم في حالة انتظار قد تمتدُّ أسابيع، وأحيانًا تتجاوز الشهر.

20 ألف كتاب عربي خلال وصلت إلى أوروبا وأمريكا وكندا لفضل مشاريع شبابية فردية

لتجاوز هذه الصعوبات بدأت مجموعة من المبادرات والمشاريع الثقافية تتوالى على المشهد، تمثّلَ ما هو ذو طبيعة جماعية بـ"معرض الكتاب العربيّ الأول في إسكندنافيا"، الذي أُقيم في مدينة مالمو السويديّة قبل شهور، إضافة إلى بعض المبادرات الفرديّة التي جاءت من لاجئين سوريين عملوا على إنشاء مكتبات إلكترونيّة توفّر الكتب الورقيّة، وفي الوقت ذاته توفّر لأصحابها فرص عمل في الدول التي يتواجدون فيها.

اقرأ/ي أيضًا: القراءة.. أعظم النعيم

يقول ورد الدمشقي، صاحب فكرة مشروع "كتابي من ورق" لـ"ألترا صوت": "كان ذلك صعبًا، ولكنّنا نجحنا في اجتيازه. هذه الجملة بمثابة تعريف لنا كأوّل مشروع للكتاب الورقي في أوروبا، والذي بدأ في شهر حزيران/يونيو من العام المنصرم، وأصبح الآن أضخم مشروع لتوفير الكتاب العربي في القارّة الأوروبيّة. بالإضافة إلى أنّه ساهم في ظهور عدّة مشاريع مُشابهة كون البعض تقمّص الفكرة وعملَ على تحقيق الهدف ذاته، لأن الكتاب الورقي العربي شبه مفقود في القارّة العجوز".

يتحدّث ورد الدمشقي عن الظرف الذي قاده إلى التفكير بإطلاق المشروع: "بدأت الفكرة حين طلبت عدّة كتب ورقيّة من موقع إلكتروني عربيّ، ولم تصل حينها إلا بعد 50 يومًا، ووصلت ناقصةً أيضًا. كما أنّني لم أتمكّن من استرداد القيمة المادّية المدفوعة، إنّما اضطررت إلى تغيير الكتب المطلوبة بأخرى لا أرغب في اقتنائها. ومنذ ذلك الوقت ولدت لدي فكرة: لمَ لا ننقل المشروع إلى أوروبا؟ لم لا نفتح مثلًا دار عربيّة أو مكتبة عربيّة؟ ونقوم بنقل وتوفير الكتاب العربي للجالية العربيّة هنا، والتي بلغ عددها مئات الآلاف؟".

ورد الدمشقي (فيسبوك)
ورد الدمشقي (فيسبوك)

حسب ما يقوله صاحب ومدير مشروع "كتابي من ورق، كانت البداية صعبة ومعقّدة، خصوصًا فيما يتصل بآليّات الطلب. "كيف سنصل إلى الناس؟ كيف سنفحص الكتب قبل إرسالها؟ ما هي المدّة المطلوبة لتأمين الطلبات إن كانت كثيرة؟ ومن ثمّ الشحن والتخليص وإعادة الإرسال؟". الإجابة على هذه الأسئلة لم تكن ممكنة دون تجربة سابقة، لهذا جاءت تكلفة التجربة الأولى باهظةً، من حيث المدى الزمني والتكاليف المادّية والجهود الجسدية، لكن ذلك كله سيصبح هيّنًا عند عبور عتبة التحدي، يقول الدمشقي: "مع توالي التجارب تمكّنا من تمرير ما يُقارب 20 ألف كتاب خلال عام ونصف العام إلى كلّ من أوروبا وأمريكا وكندا".

اللافت في تجربة "كتابي من ورق" أّن أكثر المهتمّين هم من فئة الشباب، وهذا ما حفّز القائمين على المشروع لاستكمال العمل. "روح الشباب التي غيّرتها المناخات السياسية المضطّربة في بلادنا العربية أصبحت أكثر وعيًا وأكثر حبًا للقراءة".

يُنهي ورد الدمشقي حديثه: "من خلال التجربة الشخصيّة أقول إن الجيل الحالي من الشباب استطاع معرفة أنّ طريقه نحو تحقيق الذات يتمّ من خلال الكتب والقراءة بدلًا من القنابل والبنادق. وهذا ما جعلنا نستمر حتى اللحظة في إيصال الكتب من العالم العربي إلى أوروبا وعدّة أماكن أخرى".

من جانب آخر، يقول راشد حمشو، مؤسّس "مكتبة العرب الألمانيّة" لـ"ألترا صوت": "أقيم في ألمانيا منذ سنتين تقريبًا، وحين وصلت، في البداية، كانت لديّ أوقات فراغ كبيرة حاولت أن أمليها بالقراءة، ولكنّني لم أتمكّن من الحصول على الكتب العربيّة بسهولة، ما دفعني إلى الاعتماد على قراءة الكتب الإلكترونيّة من خلال هاتفي المحمول. ومن هنا بدأت تتبلور فكرة إنشاء المكتبة، خصوصًا بعد وصول زوجتي إلى ألمانيا مُصطحبةً معها مجموعة كتب قرأتها بنهم خلال فترة قصيرة، ومن ثمّ قمت ببيعها عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ، وشعرت حينها أنّهُ من المُمكن أن ينجح مشروع المكتبة في حال قمنا بالعمل بشكلٍ جدّي".

يخلق الكتاب العربي في أوروبا مساحة للحضور، وذلك بجهد السوريين المقيمين هناك

يتحدث راشد حمشو عن الصعوبات التي واجهها، ويجملها في النقاط الآتية: التواصل مع المكتبات في الدول العربيّة التي توفّر الكتب بأسعار مقبولة. تحديد آلية عمل سريعة لتجهيز الكتب وشحنها بأقصى سرعة إلى ألمانيا، وهذا الأمر يتطلّب وقتًا طويلًا لا يقلُّ عن 15 يومًا في أفضل الظروف. وصعوبة ترخيص المكتبة في دولة البيروقراطيّة العجيبة والمملّة ألمانيا.

راشد حمشو (فيسبوك)
راشد حمشو (فيسبوك)

ويسهب قليلًا في شرح بعض العصوبات التي تتعلّق بالقارئ التي تستهدفه المكتبة: "المصاريف كثيرة بدءًا من تكاليف الشحن من البلدان العربيّة إلى ألمانيا، وتكاليف الشحن أيضًا داخل ألمانيا، أو إلى الدول الأوربيّة الأخرى، والضرائب التي تُحسب علينا. وكلّ هذا يساهم في رفع سعر الكتاب الذي هو في الأساس مادّةً قليلة الطلب، ونسبة القرّاء العرب قليلةً مقارنةً مع المجتمعات الأخرى، والأوروبيّة تحديدًا. ولذلك فإنّ المشروع ليس فيه ما يُغري ماديًا، خصوصًا أنّ القدرة الشرائيّة للقرّاء العرب في الدول الأوربيّة محدودة، لأنّ معظمهم يعتمد على المساعدات التي تقدمها حكومات الدول المقيمين فيها. وبالتالي لا نستطيع أن نرفع سعر الكتاب أكثر من 15 يورو للنسخة كي لا يكون حملًا ثقيلًا على القارئ".

اقرأ/ي أيضًا: إسكندنافيا.. الكتاب العربي في معرض المنفى

لكن تلك العصوبات كلها تتحوّل إلى متعة مع الوقت، لأنّ العمل في الكتب ومعها يعطي الإنسان إحساسًا دافئًا بالجدوى، لا سيما إذا كنا نتحدّث عن منفيين بشكل أساسي، بالإضافة لما يمنحه كتاب اللغة الأم من إحساس بالألفة.

الكتاب العربي في أوروبا يخلق مساحة للحضور، وذلك متعلّق بشكل أساسي بجهد السوريين، وبمزيد من الوقت ستتسع هذه المساحة، وسنسمع عن مبادرات وأفكار جديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شارع المتنبي..ليس الكتاب وحده هناك

طوطم الكتاب