01-فبراير-2018

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وبابا الكنيسة القبطية تواضروس الثاني (رويترز)

عامان بالضبط يفصلان لحظة ميلاد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقداسة البابا تواضروس الثاني، وهي نفسهما المدة التي تفصل بين لحظة رسامة البابا كبطريرك، والمشير كرئيس.

السيسي وتواضروس الثاني، كلاهما توليا منصبيهما في ظروف دقيقة، لعلها كانت الدافع للتقارب بينهما ومهدت الطريق بين الرئاسة والبابوية

وسبق البابا الرئيس لحظة الميلاد، إذ كان ميلاده في تشرين الثاني/نوفمبر 1952، كما سبقه في حيازة الكرسي البابوي؛ حيث تم اختياره بابا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في العام 2012.

اقرأ/ي أيضًا: بابا الشعب أم بابا الأنظمة؟ 

يستجيب قداسة البابا وسيادة الرئيس لمتلازمة عرفتها مؤسسة الكنيسة والرئاسة في مصر، وذلك منذ ثورة 23 تموز/يوليو 1952، فقد تولى الرئيس مقاليد الحكم وواكبه رسامة البابا كيرلس السادس، وبعده الرئيس الراحل أنور السادات وحسني مبارك مع البابا شنوده الثالث.

وبالرغم من البدايات المتماثلة، بين البابا والرئيس طيلة العقود الماضية، إلا أن الأمر مختلف إلى حد بعيد في حالة عبدالفتاح السيسي وتواضروس الثاني؛ ففي سياق تباين مسارات الحقوق والواجبات، لكلا المنصبين وطبيعتيهما، فإن كلاهما حاز المنصب وسط ظروف دقيقة، غلفت أجواء الترشيح، وفرضت علامات الاستفهام حول الأداء المتوقع، الأمر الذي أوجب الاقتراب فيما بينهما، ومهد الطريق بين المقر الرئاسي والبابوي.

بعد شهور قليلة من تولي الرئاسة، ظهر السيسي، في كانون الثاني/يناير 2015، وبالتزامن مع احتفالات عيد الميلاد المجيد، في مقر الكاتدرائية بالعباسية، مهنئًا بالعيد، بينما لم تنقطع زياراته في مناسبات مختلفة.

وبعد شهور قليلة أيضًا من تولي الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، حكم مصر وتنصيب البابا شنوده الثالث، بطريرك للكنيسة، وقع الاحتكاك الأول على خلفية بناء كنيسة لم تحصل على ترخيص في مدينة الخانكة، بينما قامت وزارة الداخلية بإزالة المبنى، وعلى إثر ذلك، زار السادات الكاتدرائية، وترك الرئيس للبابا تصريحات ببناء خمسين كنيسة، يتصرف فيها بالطريقة التي يراها مناسبة، ومضت تلك التصريحات إلى حيث استقرت أوراق النائب جمال العطيفي في أودية النسيان.

يذهب المتابعون إلى أن موجات خروج الأقباط من مصر، بدأت إبان 23 تموز/يوليو 1952، وعقب صدور قوانين التأميم، إلا أنها تركزت خلال فترة حكم الرئيس السادات، نظرًا لتنامي تيار الإسلام السياسي، واستمرت في فترة حكم مبارك، تبعًا لضغوط الحياة الاقتصادية، حيث تركزت موجات الهجرة الأولى إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا.

وتضاعفت أعداد الكنائس المصرية، لرعاية المهاجرين المسيحيين المصريين، وخاصة في عهد البابا شنودة، الذي توترت علاقته بالرئيس السادات، حيث دخل الأقباط المهاجرون، طرفًا في ذلك الاحتكاك، وبدا أن لهم تأثير من خلال بعض التنظيمات في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا، كلما توترت العلاقة بين الكنيسة والدولة.

كانت فترة الأربعينات من القرن الماضي، منعطفًا هامًا في المشهد السياسي المصري، وصعود تيار الجماعات الأيديولوجية، والتحاق جيل جديد من الجامعيين بالكنيسة الأرثوذكسية؛ إذ خفت صوت حزب الوفد، كممثل للحركة الوطنية، لحساب التيارات الأيديولوحية، كمثل جماعة الإخوان المسلمين، وصعود تنظيم الضباط الاحرار، وصولًا لحركة الضباط في 23 تموز/يوليو 1952. وكان البابا شنوده الثالث واحدًا من أهم الرهبان الجامعيين، الذين نضج وعيهم الكنسي وتطلع لنهضة الكنيسة الأرثوذكسية.

لم تكن آثار الثورة المصرية متمثلة في عزل مبارك فقط، بل كانت المرة الأولى التي يخرج فيها الأقباط عن سلطة الكنيسة والبابا شنودة

ولم تمض الأمور بين قداسة البابا والرئيس خلال عقدي السبعينات والثمانينات على مايرام، في ظل تمدد جماعات الإسلام السياسي، بطول وعرض المجتمع المصري، وتزايد الحوادث الطائفية، وصولًا إلى قرارات أيلول/سبتمبر الشهيرة وعزل البطريرك واغتيال الرئيس في تشرين الأول/أكتوبر 1981.

اقرأ/ي أيضًا: تفجير كنيسة الإسكندرية: من يتحمل حقًا فاتورة الدم؟

مع نهايات عام 2010، قامت أحداث العمرانية حيث توقف بناء كنيسة العذراء والملاك ميخائيل، وأسفرت تلك الأحداث عن صدامات بين رجال الأمن ومتظاهرين أقباط، نتج عنها إصابة البعض والقبض على آخرين.

ومع أفول العام نفسه، أظهرت نتائج انتخابات البرلمان المصري، تقدمًا كاسحًا للحزب الوطني، فيما شرع المعارضون تنظيم برلمان مواز، وسخر الرئيس الأسبق مبارك منهم قائلاً: "خليهم يتسلوا".

لم يصمد الود بين البابا ومبارك أمام أحداث العمرانية، وأعلن البابا اعتكافه، بدير وادي النطرون، وأوفد مبارك على الفور، مصطفي الفقي لمقابلة البابا ومحاولة ترضيته، حيث تمكن الفقي من إقناع البابا بالعودة إلى الكاتدرائية، وجرت الاستجابة لمطالبه بالإفراج عن المقبوض عليهم من شباب الأقباط، قبل احتفالات عيد الميلاد المجيد، وعودة البابا للكاتدرائية، ليقع حادث تفجير كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة الأول من كانون الثاني/يناير 2011.

لم تكن آثار الربيع العربي في نسخته المصرية، في عزل مبارك فقط، بل كانت المرة الأولى التي يخرج فيها الأقباط عن سلطة الكنيسة والبابا شنودة، في مواجهة الدولة، بعيدًا عن سلطوية الكنيسة التي تكفلت بذلك طيلة عقود مضت.

ومثلما كان على النظام السياسي المصري يتعامل مع تلك الأوضاع الجديدة، بما فيها من سيولة سياسية في الشارع المصري، وحركات الاحتجاج، كان على الكنيسة الأرثوذكسية أن تجد الطريقة المثلى للتعامل مع فوران الأقباط، وقدرتهم على مخالفة رغبات البابا، وخروح الإكليروس بملابس الكهنوت إلى الشارع في مظاهرات واحتجاجات ضد تزايد وتيرة الأحداث الطائفية، الأمر الذي أظهر أن هناك صوت غير صوت الكنيسة الرسمي والتقليدي، يفصح عن وجوده المسكوت عنه في ملف الأقباط.

غيب الموت البابا شنودة، في آذار/مارس 2012، ولم يشهد فوز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، وهو يتسلم مقاليد الحكم، وأدار الأنبا باخوميوس الكنيسة، في فترة الانتخابات الرئاسية، فيما لم تستطع الكنيسة أن تحشد أصوات الأقباط صوب مرشح بعينه.

وتبوأ مرسي حكم مصر، واعتلى البابا تواضروس الثاني كرسي ماري مرقس الرسول، في الوقت الذي تعقدت فيها سياسة الإخوان وشهدت حالة من عدم المرونة، وتصاعدت الاحتجاجات ضدهم. في المقابل، كانت أزمة البابا أكثر عمقًا، فهو من ناحية لا يستطيع أن يسيطر على غضب الأقباط ومخاوفهم، كما لا يجد في مؤسسة الرئاسة السند والظهير الآمن، من ناحية أخرى.

في نيسان/أبريل 2013، وقع حادث طائفي بمنطقة الخصوص، أسفر عن مقتل عدة أشخاص، وفي اليوم التالي وأثناء تشييع جثامين الضحايا بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ووسط حالة الغضب التي كانت تسيطر على الحاضرين، حدث اعتداء على المغادرين من الكنيسة وهم يحملون الجثامين.

كان هذا المشهد في السابع من نيسان/أبريل 2013، حدثًا فارقًا في تاريخ الكنيسة الارثوذكسية، إذ شهد أول تعد في العصر الحديث على المقر البابوي، وسط غياب أي تحرك إيجابي من مؤسسة الرئاسة، وبدت الكنيسة وكأنها تواجه المجهول.

في حين كان نظام ما بعد الثالث من تموز/يوليو 2013 يحاول السيطرة على زمام الأمور، كانت الكنيسة كذلك تحاول احتواء غضب رعاياها

ومثلما كان على النظام السياسي أن يمرر بيان الثالث من تموز/يوليو 2013، ويسعى أن يقنع دول العالم أن ما قامت به القوات المسلحة المصرية، هو "إجراء يعكس رغبة الشارع المصري صاحب الشرعية"؛ كانت الكنيسة الأرثوذكسية تواجه غضب رعاياها، وانفلات تصوراتهم ورؤاهم عن تصورات ورؤى الكنيسة والبطريرك، فيما بدا القصر والكاتدرائيه وكأنهما يواجهان نفس المصير. هكذا ليبقى أقباط مصر تحت واقع حروب فرض سلطة النظام من جهة، والمؤسسة الكنسية من جهة رديفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تاريخ الكنيسة والرئاسة المصرية: التاج والسلطان

قصة تحول السيسي من "مسيح الأقباط" إلى "أسوأ رئيس جمهورية"