16-نوفمبر-2016

القاهرة 2011 (بيتر ماكديرمك/Getty)

وسط حالة من الجدل بين القوى المدنية، وافق البرلمان المصري في جلسته الثلاثاء 15 تشرين الثاني/نوفمبر، على مشروع قانون الجمعيات الأهلية المقدم من النائب عبد الهادي القصبي، عضو ائتلاف دعم مصر، بشأن تنظيم عمل الجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال العمل الأهلي.

اعتبر حقوقيون أن قانون الجمعيات الأهلية الجديد يهدف إلى محاصرة المجتمع المدني في مصر

ويواجه القانون البالغ عدد مواده 89 مادة انتقادات حقوقية واسعة، محلية وأجنبية، نظرًا لاحتواء نصوصه على تشريعات اعتبرها حقوقيون خطوة جديدة في تحجيم عمل منظمات المجتمع المدني ومشاركة متواطئة في الحملة التي تشنها الدولة عليها، والتي كانت من بينها القضية المعروفة إعلاميًّا بـ"قضية التمويل الأجنبي".

وينص القانون على عقوبة الحبس لمدة تصل إلى 5 سنوات، إضافة إلى غرامة تصل إلى مليون جنيه، لكل من عاون أو شارك منظمة أجنبية في ممارسة نشاط أهلي في مصر دون الحصول على تصريح، أو شارك في إجراء بحوث ميدانية أو استطلاعات رأي في مجال العمل اﻷهلي دون الحصول على موافقة مسبقة.

ويُلزم القانون جميع الكيانات التي تمارس العمل الأهلي بتعديل نظمها وتوفيق أوضاعها وفقًا لأحكامه، وذلك خلال 6 أشهر من تاريخ العمل به وإلَّا قضي بحلها، كما ألزم مشروع القانون الجهة الإدارية بحصر الكيانات التي لم توفق أوضاعها أولًا بأول وفقًا لأحكامه.

اقرأ/ي أيضًا: مصر..قروض كبيرة وبرلمان غائب وأزمة دستورية

كيف تم إقرار القانون؟

كان القصبي، الذي يرأس لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان، قد أعدّ مشروع القانون وجمع توقيع 203 نائب لعرضه للمناقشة، وتقدم بمشروع القانون في أيلول/سبتمبر الماضي، قبل انتهاء دور الانعقاد الأول للمجلس. وبدأت لجنة التضامن بالبرلمان مناقشة القانون قبل أسبوعين في سبع اجتماعات مغلقة، تخلّلها اجتماع استضافت فيه رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، وممثلي الاتحادات الإقليمية والنوعية، واعتبرت ذلك بمثابة "حوار مجتمعي" حول القانون.

وكان القصبي قد أدلى بتصريحات صحفية، عشية مناقشة القانون، قال فيها إنه سلّم رئيس البرلمان "خطابًا من عدد من مؤسسات المجتمع المدني يتضمن تأييدهم لمشروع القانون، ورفضهم أن تكون المؤسسات الأهلية ستارًا يمرّ من خلاله التمويل المشبوه، ليكون سلاحًا موجّهًا ضد المواطن المصري"، على حد قوله.

وشهدت الجلسة البرلمانية يوم الاثنين في بدايتها سجالًا ساخنًا بين البرلمان والحكومة حول مشروع القانون، الذي قدمه أعضاء البرلمان. والسبب في ذلك يعود إلى إعداد الحكومة مشروع قانون آخر للجمعيات الأهلية بحسب المستشار مجدي العجاتي، وزير الدولة للشؤون القانونية ومجلس النواب، الذي أبدى انزعاجًا من تسرّع البرلمان في مناقشة القانون المقترح من جانب نوابه.

وقال العجاتي إن غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، لا تعلم شيئًا عن مشروع القانون المقدم من النواب حول تنظيم عمل الجمعيات الأهلية، وطالب الوزير البرلمان بالتريّث والتمهل قليلًا لأخذ الوقت لدراسة مشروع النواب، وقال إن الحكومة حريصة على تفعيل نصوص الدستور ولكن لا بد من إعطاء الفرصة لإبداء الملاحظات وبحث الأسلوب الأمثل، وهو ما أعقبه رد علي عبد العال رئيس البرلمان بتأكيده أن المادة 101 من الدستور أعطت البرلمان سلطة التشريع.

وظهر عبد العال داعمًا بشدة للقانون، مقدمًا التبريرات والأسانيد القانونية والسياسية له، حيث قال إن "مصر في حاجة لإصدار قانون ينظّم عمل الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني"، مُرحبًا بقانون ائتلاف الأغلبية، بدعوى أنه اقتحم المناطق التي ظلت شائكة لمدة طويلة، زاعمًا أن هناك ضغوطًا داخلية وخارجية تحول دون إصداره. وادّعى عبد العال أن نظام الحوكمة على عمل الجمعيات الأهلية "يعتبر نموذجًا سياسيًا ديمقراطيًا لمراقبة دخول وخروج الأموال في الدولة"، مضيفًا أنه لا توجد دولة في العالم لم تُقنّن هذا الأمر لأنه بمثابة أمن قومي، خاصة بعدما أصبحت الجمعيات الأهلية "وسيلة تتخذها بعض الدول فى حروب الجيل الرابع التي تهدف إلى إشاعة الفوضى"، على حد تعبيره.

وعلى المنوال نفسه، هاجم عدد من النواب الحكومة، وعلى رأسهم النائب مصطفى بكري، المقرّب من النظام الحاكم، الذي عاب على الحكومة تقاعسها عن تقديم مشروعات القوانين للبرلمان وقال: "تعوّدنا من الحكومة التلكؤ في كل شيء حتى قانون الهجرة غير الشرعية". وزعم بكري أنه "تم صرف ما يقارب المليار و200 مليون جنيه من أموال الجمعيات الممولة خارجيًا خلال عام 2011 لإثارة الفوضى وتحريض المواطنين للهتاف ضد الجيش"، مضيفًا أن "إحدى الجمعيات حصلت على 70 مليون دولار العام الماضي، وتأتيها منحة سنوية 10 مليون يورو، فقط لأنها تعادي مصر".

واعتبر رئيس ائتلاف دعم مصر، محمد السويدي، أن تمرير قانون الجمعيات "سابقة برلمانية"، لأن مجلس النواب لم ينتظر الحكومة، ومارس مهامه المنوطة بالتشريع، مضيفًا أنه لم يعد مقبولًا أن تكون هناك تجمعات داخل الدولة لاستقبال التبرعات دون علم المؤسسات الرسمية.

أراد النظام المصري تمرير مشروع القانون الأكثر تضييقًا على المجتمع المدني من خلال "النواب المنتخبين في انتخابات حرة ونزيهة"

البرلمان في خدمة السلطة

ويرى مراقبون أن تسرّع البرلمان في إصدار القانون الذي تقدّم به القصبي وإهمال المشروع الحكومي، معطوفًا على تمسك البرلمان بدوره التشريعي على عكس ما جرى في مشروعات قوانين مماثلة، لا تزال حبيسة الأدراج بحجة انتظار مشروع الحكومة، هذا التسرع يؤكد أن القانون الجديد، الذي اعتبره بعض الحقوقيين أكثر تشددًا من مثيله الحكومي، ليس سوى المشروع الأصلي الذي يريده النظام ويرغب في تمريره منذ البداية.

وبحسب تلك القراءة، فإن النظام المصري يرغب في تمرير مشروع القانون الأكثر تشددًا وتضييقًا على المجتمع المدني من خلال "النواب المنتخبين في انتخابات حرة ونزيهة"، ليرسل رسالة إلى المجتمع الدولي يقول فيها إن القانون تم إقراره من خلال ممثلي الشعب المصري، وليس من قبل السلطة التنفيذية.

وتشير خبيرة بالشؤون البرلمانية إلى أنه خلال السنوات الماضية التي شهدت محاولات لإصدار القانون، كان هناك اتجاه لدى بعض الحقوقيين المشاركين في جلسات الاستماع، بالدفع لتمرير مشروعات القوانين السابقة أيًا كانت مساوئها، لعلمهم المسبق بأن القانون الذي سيصيغه نواب البرلمان سيكون أسوأ.

يُذكر أن حكومات متعاقبة قدّمت مشاريعَ لتعديل القوانين التي تنظّم عمل منظمات المجتمع المدني، بدءًا من مشروع قدمته حكومة أحمد نظيف في عهد مبارك عام 2010، وآخر في ظل حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحيه، وعدة مشاريع في ظل رئاسة محمد مرسي انتقدها البرلمان الأوروبي ومفوضية حقوق الإنسان بالأمم المتحدة ومنظمات حقوقية دولية أخرى، ولم يتسن إقرار أي منها.

وفي عهد السيسي، تعددت محاولات إعادة صياغة قانون الجمعيات الأهلية في محاولة من السلطات المصرية لتقييد مساحة عمل المجتمع المدني والنيل من استقلاليته. وقد تسببت الضغوط الأمنية المتوالية في إغلاق عدد من المنظمات المهمة بعد إحساسهم بأنهم مستهدفين على نحو متزايد.

وتواجه مصر انتقادات عالمية فيما يتعلق بتعاملها مع المنظمات المحلية غير الحكومية، وخصوصًا تلك التي تعمل في مجال حقوق الإنسان. وقضت محكمة القضاء الإداري، في مايو/آيار الماضي، بأحقية منظمات المجتمع المدني في تلقي التمويلات الأجنبية ما لم تخالف الشروط القانونية.

في عهد السيسي، تعددت محاولات إعادة صياغة قانون الجمعيات الأهلية في محاولة من السلطات المصرية لتقييد مساحة عمل المجتمع المدني

اقرأ/ي أيضًا: مصر..استبعاد "رموز يناير" من العفو الرئاسي

مذبحة حقوقية

في أول رد فعل على القانون الجديد، أعربت مجموعة من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في بيان مشترك أمس الثلاثاء عن بالغ استيائها ورفضها للمشروع، وذلك لأن "القانون يقضي فعليًا على المجتمع المدني ويحيل أمر إدارته للحكومة والأجهزة الأمنية"، بحسب البيان، مؤكدة على إدانة طريقة تعامل البرلمان المصري مع المجتمع المدني باعتباره عدو تُحاك الخطط والقوانين السرية للقضاء عليه.

وذكر البيان أن مشروع القانون يتشابه إلى حد كبير مع المشروع الذي سبق وطرحته الحكومة في سبتمبر/أيلول الماضي، ورفضته المنظمات الحقوقية، إلا أن المشروع البرلماني يعد "أشد قمعًا وعداء للجمعيات الأهلية ولفكرة التطوع والمبادرات الجماعية". وأشار البيان إلى أن القانون في حالة إقراره سيتسبب في "مذبحة حقوقية" للجمعيات الأهلية العاملة في مجال التنمية والخدمات الاجتماعية المشهرة بالفعل.

ويتعيّن على المنظمات والجمعيات الأهلية العاملة، بموجب القانون، توفيق أوضاعهم وفقًا لنصوصه، التي تتضمن "شروطًا فضفاضة" للتسجيل، منها عدم ممارسة نشاط يتعارض مع الأمن القومي والنظام العام. كما أن القانون يفترض أن تبتُ جهة متخصصة (لم تتحدد بعد) ما إذا كان نشاط الجمعية يتوافق واحتياجات المجتمع وخطط الدولة في التنمية من عدمه، وهو الشرط الذي يمثل، بحسب البيان، عودة صريحة لقانون الجمعيات الأسبق رقم 32 لسنة 1964، والمعروف بقانون تأميم العمل الأهلي.

وينص القانون المقترح على كيان يسمى "الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية"، وهو جهاز يشكّله رئيس الجمهورية ويتكون من ممثلي 3 جهات أمنية، بالإضافة لممثلي وزارات الخارجية، والعدل، والتعاون الدولي، والوزارة المختصة بالجمعيات، وممثل للبنك المركزي، وآخر عن وحدة مكافحة غسيل الأموال، وعن هيئة الرقابة الإدارية. وبحسب القانون المقترح يختص هذا الجهاز بالبت في شؤون المنظمات الدولية غير الحكومية وتمويل وأوجه التعاون بين الجمعيات المصرية وأي جهة أجنبية.

وأشار البيان الحقوقي إلى أن القانون الجديد اعتبر عدم رد الجهاز على الطلبات المقدمة له خلال 60 يوم يعد بمثابة رفض للطلب، وهو ما يمثّل، بحسب البيان، "خرقًا لمبادئ الدستور والمواثيق الدولية التي صادقت عليها مصر". وأضاف البيان أن تلك الخطوة تأتي في إطار حملة منظمة لمحاربة العمل الأهلي بكل السبل الممكنة، بما في ذلك إعطاء الحق للحكومة في الاعتراض على كل قرارات الجمعيات الأهلية، وترشيحات عضوية مجلس الإدارة، ودورية اجتماعاتها.

أعربت مجموعة من الأحزاب والمنظمات عن رفضها لقانون الجمعيات الأهلية الجديد، واعتبرت أن "القانون يقضي فعليًا على المجتمع المدني"

وندد البيان بالعقوبات السالبة للحرية المنصوص عليها في القانون الجديد في حال أجرت الجمعية الأهلية استطلاعات رأي أو بحوث ميدانية، أو مارست العمل الأهلي دون التسجيل وفقًا للقانون، أو تعاونت بأي شكل مع أي منظمة دولية بما في ذلك أجهزة الأمم المتحدة دون الحصول على الموافقة اللازمة لذلك. وأشار البيان إلى أن القانون لم يكتف بحالة "الهوس بعقاب الجمعيات"، بل فرض عقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن سنة، على أي جهة حكومية أعطت تصريحًا لكيان بمزاولة أي نشاط يدخل ضمن أغراض الجمعيات والمؤسسات الأهلية، بخلاف الجهة الإدارية المختصة، كما اعتبر مشروع القانون مجرد نقل مقر الجمعية دون إخطار الجهة الإدارية جنحة، تصل عقوبتها للحبس لمدة سنة. واعتبر البيان أن النص المقترح والذي يعتبر المسؤول عن الإدارة الفعلية للجمعية مسؤولًا جنائيًا أصليًا عن أي إخلال بأعمال الإدارة "سابقة خطيرة لقانون الجمعيات".

وانتهى البيان إلى أن "الدولة المصرية قطعت شوطًا بعيدًا في خطتها الهادفة لاستئصال المنظمات الحقوقية الدولية والمصرية، من خلال القضية 173 لسنة 2011 والمعروفة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي، والتي على خلفيتها تم إغلاق مقار عدد من المنظمات الدولية، ومنعت بعض المنظمات المصرية ومديريها الحالين والسابقين من السفر ومن التصرف في أموالهم، إلا أن مشروع القانون المقترح من "نواب الشعب" سيمهّد الطريق للقضاء على العمل الأهلي التنموي والخيري والخدمي، وسيصبح وجود جمعيات التنمية المحلية المنتشرة في القرى والنجوع والتي تقدم خدماتها لسكان تلك المناطق أمرًا شبه مستحيل".

وأوضح جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في تصريحات صحفية أن المجلس عقد 4 ورش حول هذا القانون، وانتهت بسلسلة من التوصيات حول القانون، لكن لم يتم تنفيذ تلك التوصيات، خصوصًا في المواد التي وافق عليها البرلمان. وأضاف إسحاق أنه في حالة تجاهل تلك التوصيات وإقرار القانون بالشكل الذي هو عليه الآن، سيتم الطعن بعدم دستورية القانون وتعديله بشكل يضمن الحقوق والحريات التي نصّ عليها الدستور.

وبحسب محمد سالم، عضو المكتب السياسي بالحزب الديمقراطي الاجتماعي، فإن القانون الجديد ينهي عمل المجتمع المدني المستقل بشكل نهائي، ولا يفتح الطريق إلا للمؤسسات التي تمارس نشاطاتها بإذن الأمن أو التي يرأسها لواءات سابقون أو جمعيات تنموية فقط. وأضاف سالم، عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك"، أن "القانون المقترح من النواب أقسى من مقترح الحكومة وتوجد به عقوبات تصل للسجن المشدد، وبه لجنة للإذن بالتمويل منصوص فيها بشكل صريح على عضوية وزارتي الدفاع والداخلية والمخابرات العامة"، مشيرًا إلى أن القانون يشترط على الجمعيات العمل وفق احتياجات الدولة التنموية فقط، كما يحظر أي عمل للجمعيات الأهلية يتدخل في نطاق نشاط الأحزاب والنقابات، ويجرِّم استطلاعات الرأي أو نشرها. وأكد سالم أنه لم ير في حياته مثل "هذا البؤس في الفكر والرُخص من نواب ملكيين أكثر من الملك، لا يخجل بعضهم من أنه يتلقى تعليمات من أجهزة أمنية يوميًا للتصويت واتخاذ القرارات".

اقرأ/ي أيضًا: 

5 أسباب لفشل "ثورة الغلابة" في مصر

 ماذا بعد تعويم الجنيه؟.. إجراءات و"ثورة"؟