28-مارس-2017

لا تزال عديد الأسر الجزائرية تحرم بناتها من الميراث (فايز نور الدين/أ.ف.ب)

لأول مرة تواجه سعدية، 32 سنة، أخاها الوحيد أمام المحكمة، وربما هي المرة الأولى التي تدخل فيها إلى أروقة "دار القاضي" كما تسمى في الجزائر العميقة، ذلك المكان الذي ينظر في خصومات العشرات من الجزائريين يوميًا من أجل مشاكل الميراث، حيث أكدت لـ"ألترا صوت" أنها لن تتنازل عن حقها ما دام الشرع والقانون معها، فهي طردت من بيت والدها بعد وفاته، لأنها أم مطلقة مع طفلين، وتعتقد أنها ظلمت من قبل شقيقها.

العديد من الأسر الجزائرية تفككت بسبب قطعة تراب، والكثير منها تفرقت بسبب تناحر بين الإخوة حول تقسيم تركة الأب بعد وفاته

العديد من الأسر الجزائرية تفككت بسبب قطعة تراب، والكثير من العائلات باتت اليوم متفرقة بسبب تناحر بين الإخوة حول تقسيم تركة الأب بعد وفاته. وفي عادات الجزائريين، يبقى البيت الكبير، كما يقال مفتوحًا لجميع الإخوة، وخصوصًا البنات المتزوجات، فبيت والدهن يظل لهن في النهاية، يتجمعون جميعهم فيه، أو كما ردد نور الدين عرابي، 61 سنة، لـ"ألترا صوت" أن والدته تقول دومًا "البيت الكبيرة للبنات، فلو جرى لهن أي مشكل في بيت الزوجية فبيت والدهن أولى بهن"، لكن هذه العادات تغيرت مع مرور الزمن، وتجاوزتها الأحداث، يردد ذات المتحدث، لافتًا إلى أنه "بعد أن يموت الوالدان تبدأ حسابات الجمع والطرح والقسمة للميراث وأولها المنزل الكبير، الذي يعتبر في عيون الكثيرين مصدر رزق قائم".

اقرأ/ي أيضًا: مساواة في الميراث قريبًا في تونس؟

كما تشهد عديد المدن الجزائرية ظاهرة منقطعة النظير تتمثل في بيع "فيلات" الورثة أو ما يعرف في عديد المناطق بـ"بيع ملك الجدود" وقد ترتب عن ذلك مشاكل في العائلات. "حينما تغيب عيون الأم والأب تصعد فكرة بيع الملك وتقاسم الثروة"، تردد سكينة، 67 سنة، في تصريح لـ"ألترا صوت"، وأي ثروة؟. تواصل المتحدثة: "إنها دينارات تتفرق بين الأبناء، تنتهي بين عشية وضحاها، وينفض الجمع واللمة بعد تقسيم، يذهب بيت الأجداد بين أيديهم، ويبقى الإخوة أعداء مدى الحياة".

اللافت أن منازل الأجداد تباع عادة للغريب وغالبًا ما يرفض الإخوة أن يبقى البيت لشخص واحد منهم، أو يتمتع به أحدهم كما كانت العادة أن يكون الابن الأكبر أو الأصغر أو من لديه متاعب مادية، لكن تغير الزمن وصار البيت لمن دفع أكثر وما انجرت عن ذلك من مشاكل بالجملة بين الإخوة والورثة، وهذا ما تؤكده المحامية حورية بن ايدر لـ"ألترا صوت" قائلة إن "هناك قضايا بين الإخوة ظلت معلقة لأزيد من عقد من الزمن دونما حل لأن الورثة الشرعيين مهاجرون أو رفضوا بيع حصتهم في البيت، وهو ما يسبب تفكك العائلة ولا أحد يستفيد من السكن الموجود".

في بعض الأسر الجزائرية، تحرم المرأة من الميراث في إطار عادات وتقاليد بالية بحجة أنها لا تحتاجه وهي في بيت زوجها

اقرأ/ي أيضًا: المساواة بين الجنسين في الميراث..قريبًا في المغرب؟

وبالرغم من أن قطاع المواريث في القانون الجزائري مستمد من الشرع الإسلامي، إلا أن هناك معضلة أخرى تعرفها عديد الأسر في بعض المناطق الجزائرية وهي حرمانها للمرأة من الميراث، في عادات لا تزال راسخة بحكم الأعراف والتقاليد، حيث جرت العادة أن لا تطالب المرأة بحقها في الميراث بحجة أنها لا تحتاجه ما دامت في بيت زوجها، بل وأكثر من ذلك، فإن مطالبتها بالإرث وبحقها فيه يجلب الفضيحة والعار للعائلة ويتم تحييدها عنها.

أليس القضاء على العائلة يتم عبر جرها إلى المحاكم؟، هكذا ترى الأخصائية الاجتماعية صليحة بوهني في تصريح لـ"ألترا صوت"، معتبرة أن "الميراث مثل حشرة تقوم بتفتيت قطعة قماش وتفسده، حيث أفسدت معارك الأسر حول الميراث تماسك العائلات وزعزعت كيانهم، وخلقت بينهم عداوات استمرت على مر العقود، وفرقت بين الأبناء جميعًا"، مضيفة أن "الكثير من الجزائريين صاروا يفضلون أن لا يتركوا شيئًا بعد وفاتهم، على حد التعبير الشعبي الجزائري "عاش ما كسب مات ما خلى"، أي أنه في حياته ما كسب شيئًا ولما مات لم يترك شيئًا ليتطاحن عليه خلفاؤه".

اقرأ/ي أيضًا:

10 أحكام مميّزة لدستور العائلة التونسية

الحركة الشبابية ومهماتها التونسية