04-يوليو-2017

يعيش مدنيو المناطق الشرقية في سوريا بين نيران داعش وقسد والتحالف الدولي (عبدالله الشام/ أ.ف.ب)

يواجه المدنيون في المناطق الشرقية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، انتهاكات تمارسها جميع الأطراف المتحاربة فيها، فإما أن يتخذهم التنظيم دروعًا بشرية للتخفيف من حدة الهجمات التي تشهدها مناطق سيطرتهم، أو يكونوا عرضة لخطر إصابتهم بالألغام المزروعة من عناصر التنظيم لإعاقة تقدم القوات المقتحمة لمناطق سيطرتهم، أو أن يكونوا مضطرين لدفع مبالغ خيالية للمهربين من أجل تأمين هروبهم من مناطق الاشتباكات تحت خطر تعرضهم للقتل في حال اكتشافهم من قبل عناصر التنظيم المتشدد، وإن نجوا من جميع المخاطر المحيطة بهم، فعليهم الحذر من غارات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، التي لا تفرق بين منازلهم ومقرات داعش.

يواجه المدنيون في المناطق الشرقية انتهاكات جسيمة بحقهم، سواءً من جهة داعش أو جهة قوات سوريا الديمقراطية

أما الذين استطاعوا النزوح من مناطق سيطرة داعش، فإنهم يتعرضون للاعتقال التعسفي من عناصر قوات سوريا الديمقراطية (قسد) لاستخراج المعلومات منهم تحت التعذيب، والتحقيق معهم لمعرفة إن كانوا ينتمون للتنظيم المتشدد، كما أن قسد تمنع بالقوة، السكان الذين تمكنوا من النزوح من العودة إلى منازلهم الأصلية، كما سُجّلت عشرات حالات الاعتداء على مدنيين في هذا السياق، فضلًا عن عمليات التجنيد القسري التي تشنها بين المدنيين الذكور لتدعيم صفوفها بالمقاتلين، ومن بينهم أطفال دون سن 18، وهو ما يشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية.

اقرأ/ي أيضًا: وبدأت معركة الرقة.. سيناريو تهجير قسري آخر بين قسد وداعش

وبغطاء جوي مكثف من مقاتلات التحالف الدولي والقوات الأمريكية التي تدعم مقاتلي قسد على الأرض، تمكنت الأخيرة قبل أيام من فرض حصار كامل على مدينة الرقة التي يتحصن داخلها بضعة آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة، وسط مخاوف على مصير المدنيين الذين لم يستطيعوا الفرار من داخل المدينة التي تشهد قصفًا عنيفًا على مختلف أحيائها، وتحذيرات من أن التنظيم قد يتخذهم دروعًا بشرية.

المدنيون هم الضحية

حذرت عشرات التقارير من مصير المدنيين المتواجدين في مناطق سيطرة داعش، والتي تشهد اشتباكات بين مقاتلين تابعين لفصائل مختلفة من طرف، وتنظيم الدولة من طرف آخر. ونفذت مقاتلات التحالف غارات جوية في 27 حزيران/يونيو المنصرم، استهدفت سجنًا تابعًا للجهاز الأمني في تنظيم داعش، يحتجز داخله عشرات المدنيين في مدينة الميادين بريف دير الزور، ما أودى بحياة 40 مدنيًا على الأقل.

وفي الثامن من حزيران/يونيو الماضي، قصفت مقاتلات التحالف الدولي بالقنابل الفوسفورية البيضاء، أحياء في مدينة الرقة المحاصرة، وفق ما أظهرت تسجيلات مصورة بثها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي. واعترف التحالف الدولي رسميًا بشنه هذه الغارات، مبررًا استخدامها في إطار "التعيين والإخفاء والتعليم بطريقة تراعي بشكل كامل الآثار الجانبية على المدنيين والمباني المدنية"، لكنه تجاهل الحديث عن المدنيين الذين قضوا بالقصف، إذ قالت تقارير محلية إن 28 سقطوا جراء القصف بالقنابل الفوسفورية.

 

 

وفي بيان له، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، إن قرابة 173 مدنيًا قتلوا منذ الأول من حزيران/يونيو الماضي بضربات التحالف التي استهدفت مدينة الرقة، لكنه لفت إلى أن هذا العدد تقريبي، مُرجحًا أن يكون الرقم الفعلي أكبر من ذلك بكثير، رافضًا أن تكون المكاسب المحققة على الأرض على حساب أرواح المدنيين.

وفي منتصف الشهر الماضي، أوضح رئيس لجنة التحقيق الخاصة بسوريا، باولو سيرجيو بينهيرو، أن نحو 160 ألفًا تمكنوا من الفرار من داخل مدينة الرقة، فيما قالت كارن أبو زيد، إحدى أعضاء اللجنة، إن مقاتلات التحالف قتلت بغارة جوية على بلدة "المنصورة" بريف الرقة الغربي، في 21 آذار/مارس الماضي، ما لا يقل عن 200 مدني، مُشيرةً إلى أنّ المدنيين الذين يقررون البقاء، يتعرضون للاعتقال التعسفي، بينما تقوم قسد بتجنيد الأطفال للقتال في صفوفها ضد التنظيم المتشدد ما يشكل انتهاكًا للقوانين الدولية المرتبطة في مناطق النزاعات.

قسد.. تكرار الانتهاكات ضد المدنيين

منذ إعلان بدء عملية "غضب الفرات"، التي بدأتها قسد بدعم من التحالف الدولي لاستعادة مدينة الرقة مع ريفها، في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، سُجّلت عشرات الانتهاكات التي مارستها قسد ضد المدنيين، بالإضافة لسقوط مئات الضحايا الذين قضوا بقصف جوي لمقاتلات التحالف الدولي، ما يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية المعمول بها في إطار الحفاظ على أرواح المدنيين.

كما صادرت قسد عشرات المنازل في القرى التي دخلتها، بعد أن منعت السكان المحليين من العودة إليها، في رسم لخارطة التغيير الديموغرافي لإفراغها من قاطنيها العرب. وتحدث مدنيون في مقاطع عديدة تداولها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن الانتهاكات التي تعرضوا لها من مقاتلي قسد بقيادة "وحدات حماية الشعب" الكردية، ذراع حزب العمال الكردستاني، المصنف على لائحة التنظيمات الإرهابية في تركيا، حيثُ تسعى القوات الكردية لضم المناطق التي سيطرت عليها في مدينة الرقة وريفها، لما يعرف بمسمى "الإدارة الذاتية"، ضمن مخطط الفدرالية الكردية المزمع إنشائها في شمال شرق سوريا.

أشار تقرير حقوقي إلى أن قوات آسايش الكردية بالاشتراك مع قسد، تُجبر الأطفال في مناطق سيطرتها على القتال في صفوفها

وكانت وكالة أنباء الأناضول التركية، قد نشرت عبر موقعها الرسمي، مقطعًا مصورًا يظهر فيه مقاتلان من قسد يعذبان مدنييّن اثنين، للاعتراف بأماكن تحصن عناصر داعش داخل مدينة الرقة. وبيّن المقطع المنشور، تعرض المدنيين المكبلين للركل على ظهريهما، بينما قام أحدهما بضرب معتقل بكرسي بلاستيكي على رأسه، رغم تأكيد المعتقلين عدم معرفتهما بأماكن تمركز عناصر التنظيم. وكان هذا أحدث مقطع مصور يظهر انتهاكات قسد ضد المدنيين الفارين من مناطق الاشتباكات في الرقة.

وفي تسجيل آخر نشر على صفحة حملة "الرقة تذبح بصمت"، تحدثت إحدى النساء من قرية "السويدية كبيرة" بريف الرقة، عن تعرضها للضرب على يد عناصر قسد بعد أن طالبت بالعودة إلى منزلها في القرية، إذ تصر قسد على منع جميع المدنيين النازحين من العودة إلى منازلهم بعد انسحاب مقاتلي التنظيم منها.

 

 

اقرأ/ي أيضًا: مطالبات سورية بعدم استهداف المدنيين في الرقة

وقال تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، نُشر منتصف حزيران/ يونيو الماضي، إن "قوات الآسايش"، القوة الأمنية داخل المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية؛ أقدمت بالاشتراك مع قسد، على تجنيد الأطفال دون سن 18 عامًا، للقتال في صفوفها، وذلك منذ عام 2013، حيثُ تشن حملات دهم كل فترة للبحث عن الأطفال من أجل إجبارهم على القتال على الجبهات في مختلف المناطق التي تشهد اشتباكات عنيفة، كما أنها نوهت في ذات التقرير لاحتجاز قوات الآسايش، للمدنيين تعسفيًا داخل سجونها بحجة انتمائهم لداعش.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لأجل من قُتلت سوريا؟

العاهل الأردني: تسوية في القرم ستحل الأزمة السورية