30-سبتمبر-2017

زعماء دول مجلس التعاون الخليجي (أ.ف.ب)

في أجواء من التفاؤل، نشأ مجلس التعاون الخليجي، في أيار/مايو 1981، كتكتل إقليمي يجمع ست دول هي السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات وعُمان. كان في البداية تكتلًا إقليميًا طموحًا أو هكذا بدا، حيث دول صغيرة نسبيًا من حيث أعداد السكان، وغنية بالنفط والغاز الطبيعي، يجمع بينها تاريخ وجغرافيا مشتركة، وبطبيعة الحال مصير مُشترك، ومن ثمّ كان التنسيق المتكامل والترابط في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع، الطريقة الأمثل.

منذ بداية نشأة مجلس التعاون الخليجي، بل من قبله أيضًا، تحاول السعودية لعب دور "شيخ القبيلة" بفرض الوصاية على جيرانها

مشروع طموح.. ولكن!

في البداية ركزت دول مجلس التعاون الخليجي على التكامل في المجال الاقتصادي، حتى استطاعت تحقيق نمو اقتصادي وصل لأن يكون حجم اقتصادها مجتمعة، في المرتبة الـ12 ضمن أكبر اقتصاديات العالم، وذلك بإجمالي ناتج محلي ضخم، وصل 1.62 تريليون دولار.

اقرأ/ي أيضًا: هل سيبقى العمل في الخليج حلمًا؟

أما من حيث حجم التبادل التجاري في العالم، فتمثل دول الخليج خامس أهم اقتصاد. وهي مُجتمعة تمثل رابع أكبر مُصدّر للعالم بعد الصين والولايات المتحدة وألمانيا. وكون المجلس تجمع للدول الغنية بالنفط، جعله ذلك في المركز العاشر عالميًا بين أكبر الدول المستوردة في العالم، ففي عام 2013، وصلت واردات دول الخليج لـ514 مليار دولار.

وهناك عدة مشروعات طموحة استطاع مجلس التعاون الخليجي أن يثبت أقدامه فيها بدرجة ما، كان أولها عندما أطلقت الدول الست الأعضاء منطقة التجارة الحرة، ثم تحركت في عام 2003 للبدء فعليًا في الاتحاد الجمركي الذي يهدف إلى الإعفاء الجمركي لمنتجات دول التعاون، ثم تلتها خطوة مهمة عام 2008 بإقامة السوق الخليجية المشتركة، ثم الانتقال إلى خطوة توحيد النقد الخليجي التي تعثرت على عدة مستويات، بسبب الخلافات السياسية، خاصة تلك التي كانت بين الإمارات والسعودية.

منذ بداية نشأة مجلس التعاون الخليجي، ومن قبله، وسياسة الإملاءات وفرض الوصاية من قبل السعودية، وهي المتصدرة. من ذلك اتفاق جدة عام 1974 الذي تنازلت بموجبه السعودية عن جزء من واحة البريمي، في مقابل حصولها على ساحل بطول 50 كيلومتر تقريبًا، يفصل بين الإمارات وقطر. كذلك امتلاكها بحكم الأمر الواقع لحقل شيبة كاملًا، رغم أن جزءً منه يمتد داخل الأراضي الإماراتية. لاحقًا اعترضت الإمارات على الاتفاقية، واصفةً إياها بـ"الظالمة"، كون السعودية لم تُشركها في عائدات نفط حقل شيبة، وعليه قاطعت الإمارات حينها مؤتمر وزراء الخارجية والنفط لدول المجلس، والذي كان مقامًا في السعودية، كردة فعل احتجاجية.

في عام 2006 تطورت الخلافات بين البلدين بتصعيدٍ بدأ من الإمارات التي أصدرت في كتابها السنوي خرائط جديدة يظهر فيها "خور العديد" تابعًا للمياه الإقليمية الإماراتية، وهي أيضًا منطقة كانت محل خلاف بين البلدين، فجاء الرد من قبل السعودية بمنع المواطنين الإماراتيين من الدخول إلى أراضيها ببطاقات الهوية كما هو الحال في كل بلدان المجلس، ثم ردت الإمارات بدعوة مواطنيها من الراغبين في دخول السعودية بالسفر إليها من خلال استخدام جوازات بدلًا من بطاقات الهوية.

تعد المؤامرة التي قادتها السعودية والإمارات لحصار قطر بمثابة ضربة في قلب مشروع مجلس التعاون الخليجي

طريقة السعودية التقليدية في التعامل مع جيرانها، ظهرت أيضًا في مشكلة الجسر الذي أرادت الإمارات عام 2005 مده بينها وبين قطر، فاعترضت السعودية عليه. وكان وجه اعتراضها أنه يمر على مياهها الإقليمية، المقابلة للساحل الذي حصلت عليه مقابل اتفاق جدة.

اقرأ/ي أيضًا: قطر تدفع ثمن الاستقلالية عن وصاية "شيخ القبيلة"! 

حصار قطر.. مؤامرة السعودية والإمارات لتفتيت الخليج العربي

رغم الحملات الإعلامية الشرسة التي سبقت أزمة قطع العلاقات مع قطر وحصارها، لكن لم يتوقع أحد أن تأخذ هذا المنحى من التصعيد في المؤامرات من طرف السعودية والإمارات، اللتين بدأتا في الخصومة بفبركة تصريحات على لسان أمير قطر الشيخ تميم بن حمد، ورغم نفي قطر الرسمي لهذه التصريحات، إلا أنهما تمادتا في الخصومة، قبل أن ينكشف بالفعل أنها كانت حملة مدبرة، سواءً بالرسائل المسربة من البريد الإلكتروني ليوسف العتيبة سفير أبوظبي في واشنطن، أو بالتحقيقات القطرية في اختراق وكالة "قنا" أو حتى بالتصريحات الأمريكية التي أشارت بأصابع الاتهام للإمارات بالوقوف خلف اختراق وكالة "قنا".

هذه المؤامرة التي قادتها السعودية والإمارات، كانت بمثابة ضربة في قلب مشروع مجلس التعاون الخليجي، بعد أن فرضتا ومعهما البحرين، حصارًا على جارتهم قطر، وتبنوا خطابًا عدائيًا تجاه قطر، بجملة تهم واهية، تبين لاحقًا أنهم المتهمون بها أصلًا.

حتى الوساطة الكويتية لحل الأزمة، نالت نصيبها من ضيق الأفق السعودي والإماراتي، فعلى الرغم من الترحيب الشفوي بالوساطة الكويتية، إلا أن الكويت نفسها تعرضت في بداية الأزمة إلى هجوم و انتقاد مباشرين من الأذرع الإعلامية لدول الحصار.

وألقت الأزمة القطرية بظلالها على مجلس التعاون الخليجي كمشروع وحدوي، بعد أن تسببت في هز "البيت الخليجي" وكشفت عن هشاشة المجلس من الداخل، بسبب ضيق الأفق لدى دول الحصار الخليجية.

وبسبب السياسات العدائية لكل من السعودية والإمارات وفي ركبهما البحرين، بدأت تُطرح العديد من التساؤلات حول مجلس التعاون الخليجي ومشاريعه التي بدت في البدء طموحة. فمع تطور أزمة حصار قطر، حظرت السعودية التعامل مع الشركات والبنوك القطرية، رغم أنها نفسها التي ضغطت على دول الخليج للعمل في إطار الوحدة الاقتصادية وتفعيل سياسات السوق العربية المفتوحة، وعليه فإن حصار قطر وما استتبعه من خطوات من دول الحصار، يضرب المشروع الاقتصادي (الشيء الوحيد شبه الناجح في مجلس التعاون الخليجي) في مقتل، بدافع ابتدأته دول الحصار.

وفوتت أزمة قطع العلاقات مع قطر، فرصة سياسية واقتصادية هامة على مجلس التعاون الخليجي، للاستفادة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وبحثها عن سوق بديلة لشراكة أقوى، وهو ما كان مزمع مناقشته في كانون الأول/ديسبمر العام الجاري، لولا الأزمة المفتعلة من دول الحصار.

في البداية كان السعودية والإمارات عقبة في طريق تطور التعاون الخليجي بسبب خلافاتهما، والآن تمثلان عقبة بمؤامراتهما ضد قطر

وبعد أن كانتا، السعودية والإمارات، عقبة أولى في مسار تطور المشروع الوحدوي في مجلس التعاون الخليجي، بخلافاتهما مع بعضهما البعض، عادتا من جديد في تحالف صوري، لتمثلا عقبة أكثر خطورة هذه المرة على المجلس، ولتتكشف أجنداتهما التي لا تحمل على ما يبدو أية توجهات جادة لمشروع وحدوي تشاركي دون وصاية منهما.

 

اقرأ/ي أيضًا:

جهد كويتي متجدد لحفظ الخليج من "مغامرات" دول الحصار

الغاز.. العنصر الغائب في تفسير حرب السعودية على قطر