13-فبراير-2017

لقطة من الفيلم

فجأة اختفى الرجل من الفيلم، تتساءل "متى حدث هذا؟"، "ألا يستحق وداعًا لائقًا على الشاشة؟"، ثم تنتظر أن يظهر مرة أخرى، في حلم عابر، أو تذكرة بالماضي، أو ربما رؤية مرشدة للمستقبل، لكنه لم يظهر، كان مقدر له أن يأتي ويرحل بهذه الطريقة كي تتذكره دائمًا.

هكذا كان ماهرشالا علي أبرز ما قدمه فيلم "Moonlight" من الناحية التمثيلية، "خوان" رجل يبيع المخدرات، يبدأ مع المشاهد أحداث الفيلم، ويظهر من البداية متتبعًا الطفل الصغير "شيرون" الذي يلاحقه باقي الأطفال لمضايقته بميوله الجنسية الشاذة، الطفل مازال لا يفهم، يبحث عن مهرب ويختبئ، فيجد هذا الرجل وقد نَصَّب نفسه حاميًا له، يعطيه النقود ويذهب به إلى الشاطئ ويعلمه السباحة ويحضره للمنزل لتكون زوجته أمًا ثانية للطفل.

ماهرشالا علي يواجه منافسة قوية على الأوسكار لأفضل أداء رجالي بدور ثانٍ، وسواء فاز أو لم يحالفه الحظ، هذا لن ينقص من أدائه الرائع

خياران لا ثالث لهما عندما تحاول قراءة شخصية "خوان" منذ البداية، الأول أنه رجل عصابات يحاول استغلال الطفل، جنسيًا أو ماديًا، والثاني أنه رجل صالح لا ينتمي لحياة المجرمين التي يقبع فيها، وأنه بالفعل رأى طفلًا يضيع قبل أن يبدأ الطريق من الأساس وحاول أن ينقذه، ويستقر الخيار الثاني بمرور الأحداث، حين نصل لآخر مشهد يظهر فيه "خوان"، حينما يسأله الطفل عن كونه تاجر مخدرات، فيطرِق أرضًا ويجيب بخزي "نعم".

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "حريق في البحر".. مزيج من الحالات الإنسانية

يختفي الرجل وتستمر حياة الطفل الذي نراه في مرحلة المراهقة ثم في مرحلة الشباب، ونضع في أذهاننا هذا الرجل الذي ساعده، هذا الرجل الذي عرفنا أنه رحل عن الدنيا بجملة واحدة عابرة، ثم يتطور الأمر ويواجه البطل "شيرون" المصاعب، ليتحول تدريجيًا إلى ما يشبه "خوان"، تاجر مخدرات يحمل السلاح ويحب السيارات، لتقفز شخصية "خوان" مرة أخرى إلى ذهن المشاهد دون أن يراها، ويبدأ في صياغة دافع الرجل في مساعدة الطفل من البداية، الدافع الذي لم يظهره الفيلم وتركه للمشاهد ليستنتجه ويتوقع حياة "خوان"، هذه الحياة التي قد تشبه إلى حد كبير حياة بطل الفيلم "شيرون".

جسد ماهرشالا علي في فيلم Moonlight الشخصية باقتدار، كل شيء ملفت على رغم هدوئه

هنا نجد أبعادًا جديدة قد أضيفت إلى شخصية "خوان"، أبعاد تجعلها مميزة أكثر من باقي الشخصيات في الفيلم وفي الأعمال الأخرى، بدايةً جسد ماهرشالا علي الشخصية باقتدار، كل شيء ملفت على رغم هدوئه، ثم يأتي وقت ظهور الشخصية على الشاشة كميزة أخرى، فالشخصية لم تدم طويلًا أمام المشاهد، لكنها استمرت حتى النهاية في ذهنه، وما بعد النهاية في توقعاته وتفكيره في أحداث الفيلم، إضافة إلى عدم إظهار تاريخ الشخصية جليًا مما جعلها غامضة بعض الشيء ومثيرة للاهتمام، ولا شك أن كل هذا يعود إلى جودة النص ورسم الشخصية منذ البداية.

ماهرشالا علي يواجه منافسة قوية على جائزة الأوسكار لأفضل أداء رجالي في دور ثانِ، وكان قد حاز على جائزة الـ"جولدن جلوب" عن ذات الفئة. وسواء فاز أو لم يحالفه الحظ، هذا لن ينقص من أدائه الرائع.

اقرأ/ي أيضًا:
"A Monster Calls" وفانتازيا الحكايات غير التقليدية
نسخة جديدة من فيلم "سكارفيس" يخرجها الأخوان كوين