09-مايو-2017

يُتوقع ألا تختلف سياسة ماكرون مع الشرق الأوسط، عن النهج الفرنسي التقليدي (أورلين ميونير/ Getty)

مع وصول إيمانويل ماكرون إلى قصر الإليزيه، بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، تزداد التكهنات حول طبيعة السياسة الخارجية المرتقبة لباريس تجاه قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مع قدوم الرئيس الجديد، ولا سيما أن ماكرون لا ينتمي إلى حزب سياسي، يمكن من خلاله قراءة توجهاته السياسية الوسطية المختلطة بوضوح.

وعلى الرغم من أن الرئيس الجديد لفرنسا، إيمانويل ماكرون، لا يملك تجربة سياسية واضحة سابقة، وإنما جاء من عالم المال والمصارف، إلا أنه رسم أثناء حملته الانتخابية ملامح سياسته الخارجية اتجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي يبدو أنها لا تختلف كثيرًا عن الخط التقليدي لباريس، ولا تبتعد كثيرًا عن توجه أهل اليمين الفرنسي فيما يخص الشرق الأوسط.

ترحيل الأسد ليس شرطًا ضروريًا

يعتمد إيمانويل ماكرون على منطق الأولويات في المسألة السورية، حيث يعتبر، كما نقلت عنه صحيفة لوموند الفرنسية، أن "العدو الأول لفرنسا هو داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، لكن للشعب السوري عدو واحد، وهو الأسد". فعلى عكس الرئيس المنتهية ولايته فرانسوا هولاند، لا يرى ماكرون أنه من الضروري ترحيل الأسد أو الخلاص منه كشرط مسبق لحل الأزمة السورية عن طريق التفاوض، واصفًا ذلك بأنه "إجراء غير فاعل"، في إشارة منه لفشل سياسة هولاند.

يعتبر ماكرون أن العدو الأول لفرنسا هو داعش

وخلافًا لهولاند، يبدي ماكرون حذره الشديد بشأن التدخل العسكري في  سوريا كحل للأزمة، ويدعو بدل ذلك إلى الحوار والتفاوض بمشاركة دولية واسعة وبإشراف الأمم المتحدة؛ للوصول إلى حلول توافقية من شأنها التمهيد لانتقال سياسي في سوريا، مستدركًا بأن "فرنسا ليست هنا لإعطاء نقاط جيدة وأخرى سيئة لأي كان، بل هي هنا لبناء السلام، وهذا أكثر تعقيدًا"، على حد تعبيره في إحدى تصريحاته الإعلامية.

بيد أنه لا يرى دورًا للأسد في مستقبل سوريا، ويصفه بـ"الدكتاتور الذي ارتكب جرائم"، محملًا إياه مسؤولية الوضع الذي آل إليه البلد، داعيًا إياه إلى تقديم إجابات على اتهامات الجرائم أمام المحاكم الدولية، عقب القصف الكيماوي لخان شيخون بريف إدلب، الذي سقط فيه عشرات المدنيين السوريين نتيجة التسمم الكيماوي، في الرابع نيسان/أبريل الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: صرخة خان شيخون في آذان عالم أصم

أما بالنسبة للاجئين، فأقر ماكرون، خلال زيارته لبنان إبان حملته الانتخابية، بأن فرنسا ستتحمل مسؤولياتها إلى جانب شركائها الأوروبيين، في استيعاب هذه الأزمة الإنسانية، مشددًا على ضرورة تحقيق السلام في سوريا ليتمكن اللاجئون من الرجوع إلى بلادهم.

ماكرون يؤيد حل الدولتين

فيما يخص القضية الفلسطينية، يتمسك إيمانويل ماكرون بحل الدولتين، معتبرًا إياه الطريق الوحيد لتحقيق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مؤكدًا في نفس الوقت على رفضه الضغوطات الفعالة على الدولة الإسرائيلية، معتبرًا أن شعار "مقاطعة إسرائيل" حسم من طرف فرنسا، وليست هناك عودة إلى الوراء، في إشارة منه إلى قرار محكمة النقض بتجريم هذا الشعار قانونيًا، وهو الحكم الذي صدر في 2015 واعتبره قانونيون آنذاك انتهاكًا لحرية التعبير.

ويرفض ماكرون حركة الدعوة للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل، واصفًا إياها بـ"المعادية للسامية".

تظاهرة لحركة "BDS" في فرنسا (كينزو تريبويلارد/ أ.ف.ب)
تظاهرة داعية لمقاطعة إسرائيل في فرنسا (كينزو تريبويلارد/ أ.ف.ب)

وفي هذا الصدد، يقول الرئيس الجديد لفرنسا أيضًا إن "أمن إسرائيل بالنسبة لفرنسا هو مبدأ غير قابل للتفاوض، بالموازاة مع اعترافنا بشرعية الدولة الفلسطينية"، لكنه في نفس الوقت ينتقد الاستيطان الاسرائيلي، وامتنع عن التعليق حول فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية قبل إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، وكان البرلمان الفرنسي قد صوت بأغلبية لصالح الاعتراف بفلسطين كدولة.

سيحارب الإرهاب ويسهّل الهجرة

خاطب إيمانويل ماكرون أنصاره المحتفلين عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، قائلًا إن "فرنسا ستكون في طليعة الحرب على الإرهاب"، الهاجس الأول الذي بات يقض مضجع الفرنسيين، ويعول الرئيس الجديد في مهمته هذه على تقوية المؤسسات الأمنية الفرنسية وتعزيز التنسيق المعلوماتي فيما بينها.

إلى جانب ذلك، يسعى أيضًا إلى تنفيذ مجموعة من الإجراءات التي تتعلق برجال الدين المسلمين في فرنسا، منها تخريج أئمة المساجد من جامعات فرنسية، بعد تلقينهم تكوينًا حول قيم الجمهورية الفرنسية وحقوق المرأة وحرية التعبير والاعتقاد، كما يريد إغلاق كافة الجمعيات والمدارس الإسلامية التي تستهدف الجمهورية الفرنسية، بالإضافة إلى نيته تدشين "فيدرالية وطنية لإسلام فرنسا"، تتكفل بتكوين أئمة المساجد وتأطير الجالية المسلمة.

وعلى صعيد الهجرة، فيبدو إيمانويل ماكرون الفائز حديثًا في السباق الانتخابي الفرنسي، أكثر المرشحين الرئاسيين انفتاحًا بشأن موضوع الهجرة، حيث سبق له أن دعا أوروبا إلى الاستعداد لموجات هجرة أكبر من التي شهدتها خلال السنوات الخمس الأخيرة، مرجعًا تضخم الظاهرة إلى التغير المناخي والهجرات الجماعية اللذين يميزان هذا العصر من وجهة نظره.

اقرأ/ي أيضًا: اللجوء ملهمًا

ويشيد ماكرون بسياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في استقبال اللاجئين، ويرى أنه على فرنسا أن تسير في هذا الاتجاه للاستفادة من الفرص الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل ذلك، يعد بإبرام اتفاقات هجرة بين بلدان المنشأ والعبور، وتسهل على تأشيرة الهجرة إلى فرنسا بالنسبة لذوي المهارات من المهنيين ورواد الأعمال والمستثمرين والباحثين والفنانين.

صفحة جديدة مع دول المغرب العربي

فاجأ موقف ماكرون الرأي العام الفرنسي والمغاربي، عندما زار الجزائر في شباط/فبراير الماضي، وصرّح قائلًا إن " فرنسا ارتكبت جرائم ضد الإنسانية خلال احتلالها للجزائر"، واعدًا بشراكة أمنية واقتصادية أكثر صلابة بين البلدين، وهو ما قد يفيد برغبة الرئيس الحديث بإنهاء النزاع التاريخي مع الجزائر.

تصريحات ماكرون تفيد نيته فتح صفحة جديدة مع دول المغرب العربي التي استعمرتها فرنسا عقودًا طويلة

كما يرتقب المغرب زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سبق أن أخبر بأنه سيزور المغرب كوجهة أولى بمجرد أن يصبح رئيسًا للجمهورية، وتأمل الرباط في هذه الزيارة عودة مسار العلاقات المغربية الفرنسية إلى مسارها الطبيعي، بعد الغيوم التي لبدت سماء العلاقات بين البلدين، خلال ولاية هولاند.

وتبدي الجالية المغاربية، التي تشكل الأغلبية الساحقة من المهاجرين في فرنسا، تفاؤلا بعد فوز إيمانويل ماكرون على مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت الأحد الماضي، خاصة وأنه يعد بجعل فرنسا لكل الفرنسيين بكامل أطيافهم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماكرون الظاهرة.. وأفول الأحزاب التقليدية

الصحف الفرنسية والأوروبية تحتفي بفوز ماكرون