03-مارس-2017

حسني مبارك أثناء احد جلسات محاكمته (أ.ف.ب/Getty)

لم تكن براءة  حسني مبارك بشكل نهائي من تهمة قتل المتظاهرين خلال ثورة 25 يناير، مفاجئة بقدر ما كانت متسقة مع الزمن الذي حدثت فيه. حوكم مبارك وسجن في وقت كانت الثورة تبدو منتصرة فيه، ويبرئ من نفس التهمة أمام نفس القضاء في زمن هزيمتها، لا علاقة للقانون بالأمر كله.

حوكم مبارك وسجن في وقت كانت الثورة تبدو منتصرة فيه، ويبرئ من نفس التهمة أمام نفس القضاء في زمن هزيمتها

ربما لم يرد الحكم العسكري في مصر، بعد صعوده في تموز/يوليو 2013، التسرع بإخراج مبارك من السجن، كانت هناك فترة من النفاق والكلام المزدوج من الجيش عن الثورة، لتحييد قطاعات من الناس عن صراع الإخوان والجيش، وهو ما ظهر من خلال استمرار محاكمة مبارك ورموز حكمه ومن خلال السماح لليبراليين ويساريين بالاشتراك في كتابة الدستور الجديد، تنازلات بسيطة من الجيش لعبور مرحلة صدمة وصوله للحكم عن طريق انقلاب عسكري مباشر.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يرى المصريون مبارك بعد 5 سنوات من الثورة

بالعودة إلى الوراء ، وفي أعقاب انقلاب الجيش على مبارك، سمح الجيش لمبارك بالذهاب إلى شرم الشيخ مع أسرته، دون تهم ودون محاكمة، وكانت خطة الجيش أن يتوارى مبارك عن الأنظار ويُنسى، وهي الخطة التي أفسدها مبارك عندما ظهر في حديث صوتي تلفزيوني ليدافع عن نفسه، وهو ما جعل أصوات الثوريين المنتصرين تصعد لتطالب بمحاكمته وتهدد بالذهاب لشرم الشيخ لإحضاره للقضاء، حينها قرر المجلس العسكري، بعد هذه الضغوط الرضوخ للطلب الشعبي بمحاكمة مبارك.

وفي صباح 3 آب/أغسطس 2011، استيقظ الناس مبكرًا وهدأت الحركة في الشوارع، وجلس الجميع أمام الشاشات التلفزيونية في البيوت، ليروا ما بدا حينها كمشهد ختامي لعصر مبارك، كانت أول جلسة محاكمة لمبارك مع نجليه علاء وجمال وبصحبتهم وزير داخليته حبيب العادلي بتهمة قتل المتظاهرين، كانت لحظة تاريخية، حاكم مصر لثلاثة عقود أمام محكمة مدنية، كان مبارك ممددًا على نقالة بسبب المرض، الذي ربما يكون ادعاه لجلب التعاطف،  بينما كان نجليه يمسكون المصحف، في حيلة أخرى، كل ذلك أضحى مجرد ذكرى باهتة، واللحظة الختامية لمبارك، ستخلد بعد هذه السنين، كشبح انتصار مخادع للثورة، انتصار لم تستطع الثورة الحفاظ عليه.

توج انتصار الثورة على مبارك بالحكم عليه في 2 حزيران/يونيو 2012 بالحكم المؤبد عليه بتهمة قتل المتظاهرين. بعد ذلك بأقل من شهر، سيصعد مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي للرئاسة، لتبدأ الأمور بالاختلاف جذريًا.

مبارك نفسه أصبح خارج التاريخ من زمن، ولم يتبق إلا شبح له يُستدعى حينًا لأداء هذا الدور أو ذلك، أما الشهداء فأحياء في ذاكرة محبيهم

الإخوان الصاعدون للحكم بعد عقود طويلة من الصدام مع الأنظمة الحاكمة في مصر، سيثيرون حفيظة كل القوى الأخرى، وعلى رأسهم قوى يناير نفسها، وسيصطدم طرفي الثورة ببعضهما، ليتصاعد استقطاب إسلامي علماني، تكون فيه الرغبة في الانتقام من مبارك وفلول نظامه من الماضي، وهو ما سيسمح للإخوان من جهة، بشد أواصر العلاقة مع كل من الجيش والشرطة، ويسمح لبقية قوى الثورة من ترك أي مزايدات ثورية على فلول نظام مبارك، والدخول مع بعضهم في تحالفات سياسية لتقويض حكم الإخوان.

اقرأ/ي أيضًا: تأييد الحكم على مبارك..تهدئة مبكرة ليناير؟

وفي ختام هذه السنة 2012، سيبدأ تحالف الإخوان والجيش في الانهيار، على أثر محاولتهم الاستئثار بالسلطة وبكتابة الدستور، وهو ما سيحرك عليهم حراكًا معارضًا قويًا، ستبدأ أجهزة الدولة، في الرهان عليه، وتترك الرهان على الإخوان إلى الأبد، لكن أحدًا لن يلاحظ ذلك بوضوح، إلا في اللحظة التي ستكون فيها هذه الملاحظة عديمة الجدوى، أي في لحظة إزاحة الجيش للإخوان من السلطة بدعم شعبي كبير وبإسناد سياسي من أغلب القوى السياسية العلمانية.

وفيما سترى القوى العلمانية إزاحة الإخوان من السلطة، كانتصار جديد للثورة على حكم الإخوان، سيعتبر الجيش هذه الإزاحة، عودة للأمور إلى نصابها السليم، ونهاية لعهد الفوضى الذي بدأته يناير، أي نهاية حكم المدنيين وتدخلهم في السياسة في مصر.

ومن هذه اللحظة، لن تكون محاكمة مبارك، التي كفت عن كونها بؤرة للحدث السياسي، منذ وصول مرسي للحكم، إلا مجرد لعبة في يد النظام،  يستخدمها أحيانًا للتصالح النظري مع الثوريين الراغبين في الاحتفاظ بالحد الأدنى من التصالح مع حدث الثورى، وأحيانًا أخرى، كما في حكم البراءة الأخير، كإعلان انتصار نهائي له على الثورة. لكن مبارك نفسه أصبح خارج التاريخ من زمن، ولم يتبق إلا شبح له يستدعى حينًا لأداء هذا الدور أو ذلك، أما الشهداء فأحياء في ذاكرة محبيهم يرزقون، والرهان على أن ينصفهم التاريخ، ليس إلا رهان على ثورة جديدة.

اقرأ/ي أيضًا: 

يسقط يسقط حسني مبارك..تاني

أقرباء مبارك وبن علي للواجهة في يناير الثورة