17-فبراير-2020

يلعب نصر الله دور الوسيط بين إيران والفصائل الموالية لها (Getty)

الترا صوت – فريق التحرير

كشفت تقارير صحفية منفصلة عن دور محوري يشغله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لرأب الصدع بين فصائل جماعة الحشد الشعبي العراقية، نتيجة للخلافات المتفاقمة بين قادة فصائلها منذ اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي أبي مهدي المهندس، الأمر الذي دفع بأحد أهم وأقوى حلفاء طهران في منطقة الشرق الأوسط لحل الأزمة داخل الجماعات العراقية.

بدأ حزب الله اللبناني بعد بضعة أيام من اغتيال الجنرال الإيراني بتنسيق الجهود السياسية بين الفصائل العراقية التي تسودها انقسامات

حزب الله يعوض غياب فيلق القدس في العراق

بدأ حزب الله اللبناني بعد بضعة أيام من اغتيال الجنرال الإيراني بتنسيق الجهود السياسية بين الفصائل العراقية التي تسودها انقسامات، بفقدانها للمهندس الذي كان يقود جهود التوحيد بدعم من سليماني، وعلى الرغم من عدم معرفة المكان الذي عقدت فيه الاجتماعات، فإن تقارير تحدثت عن انعقادها إما في بيروت أو طهران، بين ممثل عن حزب الله يقوم بالتنسيق المباشر مع نصر الله على طرف، وقادة فصائل جماعة الحشد الشعبي على طرف آخر، وهو ما يتوافق مع تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني عن عقد اجتماع بحضور نصر الله في بيروت.

اقرأ/ي أيضًا: أسئلة ما بعد سليماني.. الحسابات الإستراتيجية أمام احتمالات التصعيد

وكانت طائرات أمريكية بدون طيار قد استهدفت بصواريخ دقيقة سيارتين رباعيتين كانتا تقلان الجنرال الإيراني والمهندس من مطار بغداد الدولي في الثالث من كانون الثاني/يناير الماضي، الأمر الذي أدى لمقلتهما على الفور إلى جانب مسؤولين من الفصائل المسلحة الحليفة لإيران في المنطقة، وترك فراغًا داخل بنية الفصائل التنظيمة بعدما كان المهدي يقود جهود توحيدها بالتنسيق مع سليماني.

الفراغ الذي خلفه مقتل المسؤولين البارزين دفع بحزب الله بالتدخل للمساعدة في ملء هذا الفراغ لتوجيه فصائل الحشد، وبحسب ما نقل عن أحد المسؤولين الإقليميين الموالين لإيران، فإن توجيه حزب الله للفصائل العراقية سيستمر حتى تتولى القيادة الجديدة لفيلق القدس مهامها  للتعامل مع الأزمة السياسية العراقية.

وجاء مقتل سليماني برفقة احتجاجات شعبية واسعة شهدتها المحافظات العراقية ردًا على سوء الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أسفرت عن سقوط مئات القتلى والجرحى، وسط تقارير تتحدث عن دور كبير مارسه الجنرال الإيراني حتى ما قبل اغتياله في إعطائه الأوامر لقادة الفصائل لقمع الاحتجاجات بأي وسيلة ممكنة، ما دفع برئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي للاستقالة من منصبه نتيجة لتفاقم الاحتجاجات العراقية التي اكتسبت زخمًا كبيرًا خلال الأسابيع الماضية.

محمد الكوثراني.. رجل طهران لضبط فصائل الحشد

تشير التقارير الواردة في هذا السياق إلى أن طهران بدأت الاعتماد بشكل جزئي على نفوذ الزعيم اللبناني نصر الله نظرًا لما يحظى به من احترام بين الفصائل الموالية لإيران في الشرق الأوسط، وتضيف بأن نصر الله يشرف شخصيًا على ممثل حزب الله في العراق محمد كوثراني، الذي عمل سابقًا إلى جانب سليماني بتوجيه فصائل الحشد الشعبي التي كانت تستضيف الاجتماعات.

وكان نصر الله قد توّعد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط بأن تدفع الثمن، وأضاف في كلمة متلفزة بأن الرد على اغتيال سليماني "ليس مسؤولية إيران بل حلفائها في المنطقة كذلك"، مشددًا على أن الهجوم على الوجود الأمريكي في المنطقة هو "القصاص العادل"، وأن القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة بما فيها البوارج البحرية ستدفع ثمن اغتيال الجنرال الإيراني.

لا توجد تفاصيل وافية عن الكوثراني الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والعراقية مع امتلاكه لثلاثة تواريخ ميلاد مختلفة، وعُرفت مهامه على نطاق أكبر بعدما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات اقتصادية عليه في عام 2013، بسبب دوره في تمويل وتدريب فصائل الحشد، إضافة لتقديمه الدعم اللوجستي والسياسي للفصائل، ومساهمته بإرسال مقاتلين من الفصائل إلى سوريا لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ونقلت وكالة رويترز عن مصدرين عراقيين "توبيخ" الكوثراني لفصائل الحشد الشعبي بسبب "تقاعسها عن التوصل لخطة موحدة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية ضد حكومة بغداد والقوات شبه العسكرية التي تهيمن عليها"، إلا أن الجهود التي يقودها تصطدم بقادة فصائل الحشد الذين ينظرون إلى "أنفسهم (على أنهم) أكبر كثيرًا وأهم من أن يأخذوا الأوامر"، وأشارت المصادر إلى أن قادة الفصائل سيتعاونون مع الكوثراني في الوقت الراهن بسبب الضغوط التي تمارسها طهران عليهم في ظل مواجهته "لتحديات خطيرة" من قبل قادة الحشد الشعبي الذي يرغبون بالحصول على مناصب عالية تقربهم من مركز صنع القرار الإيراني.

وينظر في الوقت الراهن إلى الكوثراني على أنه الشخصية الأنسب لتوجيه فصائل الحشد إلى أن تقوم طهران بتسميته خليفة دائم لها في العراق، رغم أن شخصيته تختلف كثيرًا عن شخيصة سليماني الذي كان يتمتع بنفوذ كبير في أوساط الحشد الشعبي، الأمر الذي جعل كوثراني يكّون صلات مع فصائل الحشد بسبب الثقة التي منحه إياها سليماني بتنسيق الاتصالات وتنظيم الاجتماعات مع فصائل الحشد في بغداد.

ووفقًا لمصادر رويترز فقد ساهم كوثراني بتسمية وزير الاتصالات العراقي السابق محمد توفيق علاوي رئيسًا جديدًا للحكومة خلفًا لعبد المهدي، الأمر الذي حظي بترحيب من طهران وحظي بموافقة فصائل الحشد رغم رفض المحتجين العراقيين لعلاوي، مشيرةً إلى عقد لقاء بين الكوثراني ورجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر لإقناعه بدعم العلاوي في منصبه الجديد، وبعدها بأيام أعلن الصدر دعمه للحكومة التي يريد علاوي تشكيلها.

اغتيال سليماني فاقم من خلافات فصائل الحشد الداخلية

تواجه فصائل الحشد خلال الأشهر الماضية خلافات بين الزعماء والقادة العسكريين للفصائل، يطغي عليها طابع شخصي مرتبط بالصدارة والنفوذ داخل البنية الهيكيلة للحشد أولًا، والتنافس للحصول على منصب متقدم يخولهم بالاقتراب من صناع القرار الإيرانيين ثانيًا، على أن هذه الخلافات ليست بالجديدة، إلا أن وتيرتها تصاعدت خلال الفترة الماضية التي أعقبت اغتيال الجنرال الإيراني.

وبحسب مصادر من داخل الحشد الشعبي، فإن الخلافات الحالية الناشبة بين 10 إلى 12 فصيلًا، جاءت بسبب تمردهم على قرارات الحكومة العراقية، وعدم إمكانية السيطرة على سياستهم بسبب مصادرتهم للقرار العام داخل الحشد الشعبي، منذ الهجوم الأمريكي على معسكرات كتائب حزب الله العراقي في كانون الأول/ديسمبر لعام 2019، وما تبعه من تداعيات من هجوم الموالين لفصائل الحشد على السفارة الأمريكية في بغداد بعد أيام من استهداف معسكر الفصيل العراقي، وما لحقها من تطورات أخيرة في المنطقة كادت أن تقود لحرب إقليمية غير متوقعة النتائج.

وكان عبد المهدي قد أصدر أمرًا ديوانيًا في تموز/يوليو الماضي عندما كان لا يزال يتمتع بنفوذه رئيسًا للحكومة العراقية، فرض على جميع قوات الحشد الشعبي العمل "كجزء لا يتجزأ من القوات المسلحة" العراقية، مشيرًا إلى أن الأمر الديواني "يسري عليها كجميع ما يسري على القوات المسلحة عدا ما يرد به نص خاص"، على أن تعمل فصائل الحشد "بإمرة القائد العام للقوات المسلحة"، مخيرًا الفصائل التي رفضت الاندماج مع القوات المسلحة العراقية بالانتقال للعمل السياسي.

إلا أن محاولة عبد المهدي لضبط وتوحيد العمل العسكري لفصائل الحشد بمراقبة من الحكومة العراقية لم يكتب لها النجاح، إذ تحول ارتباط فصائل الحشد – المرتبطة بالقرار الإيراني بشكل وثيق – مع الحكومة العراقية ليوم 26 من كل شهر فقط، وهو موعد استلام أفراد الفصائل لرواتبهم الشهرية، وأشارت مصادر من داخل الحشد إلى وجود "حالة تمرد ومخالفة للقوانين الخاصة بالحشد أو المرسوم الديواني رقم 331"، فيما قال أحد أعضاء الوحدة الإدارية للحشد إن "الهيئة باتت مجرد جهة إدارية لدفع الرواتب لا أكثر".

وشهدت الأيام الماضية تغييرات كبيرة طالت الجهاز الأمني الداخلي للحشد الشعبي المعروف بـ"أمنية الحشد"، المؤلفة من 67 فصيلًا، بينها 30 فصيلًا يعرفون بـ"الفصائل الولائية" بسبب ولائهم المطلق لطهران، وكشف موقع العربي الجديد عن أن الأوامر شملت نقل قسم من العناصر الأمنية إلى أفرع أخرى داخل الحشد، إضافةً لصدور قرارات إعفاءات أو إعادة المنتسبين لفصائلهم السابقة بعد أن تم تنظيم عملهم سابقًا بالأمنية، وكان لهم دور بارز في قمع الاحتجاجات الشعبية في بغداد والنجف والبصرة على وجه التحديد.

ويسود يقين بين المسؤولين الإيرانيين بأن الجنرال سليماني تعرض للخيانة من قبل الجانبين السوري والعراقي، حيثُ يعمل المحققون الإيرانيون بشكل مفرد في ملف التحقيقات التي تجري في دمشق وبغداد التي وصف دورهما في عملية التحقيق بـ"الشكلي"، وكشف نائب في تحالف الفتح الذراع السياسي للحشد الشعبي عن وجود "محاولات إقصاء سياسية وتصفيات داخلية" في عملية التحقيق التي يقودها الإيرانيون، موضحًا أن التوسع بإجراء التحقيقات قد يستمر لأشهر، ما يمكن أن ينجم عنه "تبعات سياسية قد تكون تحت غطائه كتسقيط بين المتنافسين سياسيًا".

نصر الله يقود محادثات "هدنة" مع قادة فصائل الحشد

وكان موقع ميدل أيست آي البريطاني قد كشف في وقت سابق عن قيادة نصر الله لمحادثات وصفها بـ"الهدنة" بين فصائل الحشد، طلب منهم خلالها الموافقة على استلام زعيم منظمة بدر هادي العامري قيادة الحشد الشعبي، الذي لا يمكن التشكيك بولائه لطهران، وبالأخص الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، إضافةً لفتح خطوط جديدة مع الزعيم الشيعي الصدر للتقرب منه، مشيرًا لموافقة الفصائل على تولي العامري قيادة الحشد في إطار توحيد جهودهم ضد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق.

التقرير الذي أعده سؤدد الصلحي بعد قرابة 10 أيام من اغتيال سليماني، أوضح أن الاجتماع الذي عقد في العاصمة اللبنانية بيروت يوم الثامن من كانون الثاني/يناير الماضي جاء بطلب طهران من نصر الله تنظيمه، وأنه بعد انتهاء الاجتماع سافر قادة الفصائل إلى مدينة قم الإيرانية للقاء الزعيم العراقي الصدر، في محاولة "لكسر الجليد" بين الصدر وفصائل الحشد، وإمكانية ضمه لحلف الفصائل الموالية لطهران في المنطقة، في إطار سعيها لتوحيد الفصائل الموالية لها لمواجهة النفوذ الأمريكي في العراق.

وأضاف تقرير الموقع البريطاني بأن قادة فصائل الحشد وصلوا إلى بيروت ملبين دعوة نصر الله الذي طلب منهم تنحية خلافاتهم جانبًا، وكان الهدف من الاجتماع معالجة الفراغ الذي تشهده قيادة الحشد، وحل الخلافات بين قادة الفصائل التي تفاقمت باغتيال سليماني والمهندس معًا، إذ إنه على الرغم من إظهار الفصائل أمام وسائل الإعلام بأن موقفها موحد، فإنها تشهد داخليًا تنافسًا حادًا على المكاسب المالية، وعملها للسيطرة على المناصب الحكومية المؤثرة، بما فيها تنافسها للسيطرة على الموارد النفطية، وتجارة الحديد المستخدم لإعادة إعمار الموصل.

اقرأ/ي أيضًا: الحشد الشعبي..الميليشيا في مواجهة الدولة

ويقول الصلحي إنه إلى جانب خلاف فصائل الحشد فيما بينها، يبرز خلاف على مستوى المرجعيات الشيعية العليا بين الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي، والمرجعية العراقية الشيعية الأعلى آية الله علي السيستاني، الذي يطالب طهران وواشنطن بعدم التدخل بالشؤون العراقية، مشيرًا لوجود نقاش بين المسؤوليين الإيرانيين يدور في إطار عدم نجاح السياسة التي انتهجها الزعيم الإيراني في العراق.

 إلى جانب خلاف فصائل الحشد فيما بينها، يبرز خلاف على مستوى المرجعيات الشيعية العليا بين الزعيم الإيراني الأعلى خامنئي، والمرجعية العراقية الشيعية

وكان الحرس الثوري الإيراني قد سمى نائب الجنرال الإيراني في فيلق القدس إسماعيل قآني قائدًا للفيلق خلفًا لسليماني، إلا أن قآني الذي كان مسؤولًا عن الملف الأفغانستاني سابقًا لا يملك الكثير من الخبرة في منطقة الشرق الأوسط، وتجري نقاشات بين المسؤولين الإيرانيين في الوقت الراهن حول الجهة التي من الممكن لها تولي الملف العراقي، سواء إن كان جهاز المخابرات الإيراني أو وزارة الخارجية أو أن يتم الحفاظ عليها كما هو الحال تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما بعد اغتيال سليماني.. هل انتهى عصر الحرب بالوكالة في المنطقة؟

إسماعيل قاآني بديلًا عن سليماني.. ما دوره في الحرب العراقية الإيرانية؟