20-ديسمبر-2016

يلجأ كثيرون إلى مشايخ للرقية الشرعية ولعلاجهم من الأمراض (Reza)

تتعلق عيناها بباب يفتح، وهي تحمل بين أصابعها رقم 34، لا تزال صابرة في انتظار دورها بعد مرور اثنين وثلاثين شخصًا، فكيف تصبر لمدة 14 سنة ولا يمكنها أن تصبر يومًا آخر؟. ملامحها تنبئ بأنها لم تنم طوال الليل، كأنها تريد أن تصرخ بأعلى صوتها: "جربت كل شيء. شرقت وغربت في كل الولايات الجزائرية. لم أسمع بأي دكتور يعالج مرضي إلا وذهبت إليه. أنا هنا لأنهم قالوا لي إن يده لا تخلو من البركة"، بهذه الكلمات تعتقد سعيدة (37 سنة) أن "بركة الشيخ" ستمكنها من الخلاص والعيش فرحة أي امرأة تزوجت وأنجبت.

يلجأ الجزائريون إلى المشايخ للعلاج بالرقية الشرعية خاصة إذا لم يجدوا حلًا طبيًا لمشكلتهم

تقول سعيدة في مقابلة مع "ألترا صوت"، إنها "تزوجت قبل 14 سنة ولم ترزق بأطفال"، وقد أكد الأطباء أن الأمل قائم للإنجاب، إلا أن "المكتوب لم يحن بعد"، وفق ما تقول، بكلمات يائسة، ثم تردف بصوت عال، ما قصدته هو "النية والباقي على الله".

أطفال مع أمهاتهم. نساء وأزواجهن وفتيات، كلهم يعدون الدقائق والساعات من أجل قدوم "المنقذ"، ذلك الرجل الطاعن في السن، الذي يمتلك قوة عجيبة وغريبة في انتشال مرضاه وزائريه من آلامهم وأوجاعهم. الجميع هنا يجزم أنه خلّص الكثيرين من الآلام والأسقام وشفي على يده كثر.

اقرأ/ي أيضًا: نعيمة صالحي.. الواجهة النسوية الصاعدة في الجزائر

الوقت يمر، قصص كثيرة تسرد هنا وهناك فالجزائري بطبعه يلهث وراء بصيص الأمل. "الكثيرون تعلقوا بقشة الشيخ بلقاسم عله يأخذهم إلى بر الأمان"، هكذا وصف أستاذ الرياضيات محمد آكلي، 52 سنة، في حديثه لـ"ألترا صوت"، القادم من منطقة "بوزقن" بأعالي محافظة تيزي وزو، مضيفًا: "نعم أنا أيضًا أعاني من مشكلة عويصة منذ عشر سنوات. الكثيرون يقولون إنني "مسحور"، قصدت العديد من الأماكن بداية من الأطباء الذين يرددون لا شيء تعاني منه، لكن في النهاية قصدت هذا الرجل ودعوت الله الشفاء".

الكثيرون يحملون في قلوبهم آلامًا كثيرة، "ما يحس بالجمر غير اللي مكوي منه"، تقول السيدة أم هاني (62 سنة)، فهي تحمل هم ابنتها الصغرى، 17 سنة، التي تعاني كثيرًا: "العين يا ابنتي.. العين دمرت كل أولادي"، مشيرة إلى أنها تملك إيمانًا قاطعًا أن أولادها الأربعة يعانون من حسد الآخر، الجيران والأقرباء، فابنتها كلما تبدأ الدراسة ترفض الذهاب للثانوية. إذًا فقناعتها الكبرى منحصرة في علاج الشيخ".

تراصت السيارات من كل حدب وصوب أمام منزل بسيط. غرفة جعلها مكان استقبال الزائرين. منهم من وصل على الساعة الرابعة صباحًا، لأجل "الزيارة" والحصول على بركة "الشيخ"، هكذا تقول السيدة مهدية (43 سنة) القادمة من مستغانم غربي العاصمة الجزائرية، برفقة زوجها. إنه يعالج العقم ويداوي السحر والعين، "الكثيرون تم شفاؤهم بتناول الأعشاب التي يقدمها الشيخ للمرضى وبالرقية الشرعية"، تعبر مهدية، وهي مقتنعة بكلامها بشدة. الكثير من الأفكار تجول برأسها. فهي حالة من بين العشرات من الأزواج القادمين من أجل الحصول على أمل الإنجاب. هكذا بات الشيخ بلقاسم يبعث الأمل في زواره وقاصديه من مختلف مدن الجزائر العميقة.

في منطقة "بني مراد" التابعة لمحافظة البليدة (50 كيلومترًا غرب العاصمة الجزائرية)، بات الشيخ بلقاسم أشهر شخصية يعرفها القاصي والداني في المنطقة. يداوي مرضاه منذ أكثر من 20 سنة. فهو أكبر إخوته، وقد ورث العلاج على يد أبيه، وكما ردد لـ"ألترا صوت": "هي هبة تهدى لهم من الجد والأب نحو الأبناء. يعالج السحر والعقم والعين وكل الأمراض المستعصية"، على حد تعبيره. دون أن يكشف عن الطريقة والوسيلة التي يستعملها في علاج مرضاه.

اقرأ/ي أيضًا: صفحة الجيل التاريخي في الجزائر تطوى

يقول إنها أشياء لا تخالف الشرع، ويوضح أن العلاج يتم "إما بالرقية الشرعية أو تقديم خلطات من الأعشاب، التي وجد الكثيرون فوائدها عقب تعاطيها، لقد تخلصوا من ذلك الحمل الثقيل الذي تحملوه كجبل منذ سنوات".

"الكثيرون يعتقدون في هذا النوع من العلاج مادام لا تناقض بينه وبين الشريعة الإسلامية. وقد صار منتشرًا في عديد الولايات الجزائرية، بعدما ضاقت السبل بالكثيرين ويرون في علاج الأمراض الخفية عبر أصحاب فك السحر والرقية الشرعية"، بحسب المختصة في علم النفس نورة بن عمران، التي تؤكد عبر "ألترا صوت" أن "العديد من الأمراض تمكنت الرقية من استئصالها، لكن في ناحية أخرى يجب أن تكون بوعي وليس باستعمال طرق قد تتعدى الممارسة الشرعية للعلاج الروحي".

ويوضح الإمام عبد المالك خطابي لـ"ألترا صوت"، أن "العشرات من ممارسي الرقية تجاوزوا حدود الله"، داعيًا إلى "التفريق بين الراقي الشرعي وبين المشعوذ والدجالين، وما أكثرهم". كما اقترح أن تشدد السلطات المعنية الرقابة على هؤلاء الرقاة المزيفين وتنظم ممارسة الرقية الشرعية الصحيحة، وإلا سيدخل المجتمع الجزائري في ما يسمى ببيع الوهم".

يبيع بعض المشايخ للناس الوهم بحجة العلاج وبعضهم يوصف بالدجال والمشعوذ

بدوره، يجزم الإعلامي نور الدين علوي أن "هناك تجارب كثيرة ناجحة في العلاج بالرقية، لكن هناك من "يخجل" من نظرة المجتمع اتجاهه، عندما يعلن أنه لجأ إلى المشايخ والرقاة"، مشددًا على أنه "يجب التفريق بين الرقية والشعوذة التي انتشرت في المجتمع الجزائري وبعيدًا عن أعين الرقابة أيضًا"، لافتًا إلى أن "العديد من الحالات وجدت نفسها في النهاية في عالم الجنون والأمر وصل بالبعض إلى ممارسات غير أخلاقية وغير إنسانية".

وفي سياق متصل، وصف علوي هذه الممارسات خارج إطار الرقابة بأنها "تعمل على تفشي الجهل والدجل، وهو ما يخيف اليوم في المجتمع الجزائري، خصوصًا مع تدهور الحالة الاجتماعية للآلاف وتفشي الأمراض النفسية المرتبطة بالوضع الاقتصادي ومشاكل أهمها البطالة والسكن وغيرها من المشكلات التي تؤرق المواطن، واستثمار بعض المعالجين في آلام المرضى".

ومن جهته، أكد وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، في تصريحات للصحافة المحلية، أن "الحكومة الجزائرية ستقوم بإصدار قانون تجريم السحر والشعوذة قريبًا، وهذا بعد القضايا التي هزت الشارع الجزائري، وانتشار محلات وبيوت تروج لها دون رقيب ولا حسيب خصوصًا وأن الرقية باتت سجلًا تجاريًا للبعض بحسب المسؤول".

اقرأ/ي أيضًا:

أرامل الجزائر.. قصص تحدٍ ونجاح

المطلقات في الجزائر.. حقوق مهدورة وتحرش جنسي