26-أكتوبر-2017

ثلاثة آلاف عائلة لا تزال في حواري الدمار تخشى تكرر مصير الحصار السابق (صورة أرشيفية/محمد الأسد/الأناضول)

لم يكن مخيم اليرموك مجرد مشوار في شارع "لوبيا" التجاري، الذي نشأ على أنقاض صراع طويل سياسي وعسكري عاشه المخيم لعقود، ساهم في إنتاج حالة مقاومة فلسطينية حقيقية وأثر ثقافي جلي في الحياة الثقافية العربية والسورية.

صار مخيم اليرموك سجناً لتيارات الأسلمة وأتباع السلاطين وسط حشد المخبرين وتجار المخدرات والحبوب الناعمة التي سلبت الشباب عقولهم

عام 1987، كنت قد غصت في حواريه وبين أولئك الذين اختاروا الشعر والسياسة طريقاً لعالمهم الجديد، وكانت رشات الرز تغطي جموع المشيعين لجسد أحد أهم رجال مرحلة ستتنهي فيما بعد لصالح رجالات أمن لا ثورة، من أمثال أحمد جبريل وطلال ناجي، والجسد المسجى لخليل الوزير، كان أول دروس المخيم في البكاء والرثاء والثورة.

اقرأ/ي أيضًا: فلسطينيو سوريا والمستقبل الغامض

مخيم اليرموك، البيت الوحيد الفلسطيني الذي كان يقصده مثقفون من يسار البلاد على اختلاف جنسياتهم، السوداني والفلسطيني والتونسي والجزائري والسوري.. هنا المخيم استعدوا لمواسم من الثرثرة والحب وهستيريا الشباب، وأما فلسطينو باقي المخيمات المتناثرة فيجاهدون لبناء حالة في السيدة زينب وجرمانا وخان الشيح.. لكنه اليرموك وحده خابية الجميع.

توالت الضربات على رأس المخيم الثمل بما فيه من بشر واحتمالات، وحسمت القسمة لصالح تيار المقاومة الجديد.. بين نارين، صار المخيم سجنًا لتيارات الأسلمة وأتباع السلاطين وسط حشد المخبرين، وتجار المخدرات والحبوب الناعمة التي سلبت الفتيان المشحونين بالنار، عقولهم وأجسادهم ومن ثم خياراتهم.

بالمقابل انتقلت نصف أسواق دمشق إلى شارع "لوبيا"، والتاجر الذي يفر من جحيم الضرائب ومنافسة أسواق الحميدية والصالحية سيحتل محلاً جديداً في المخيم الجديد المفتوح على اقتصاد غريب على بساطة دكاكينه، وهكذا صارت السوق فسحة وتجارة، والمخيم لا يكاد يفرغ من المتسوقين والزحام.

في الجانب الآخر من اليرموك ستفكر حتمًا بشارع فلسطين الذي لم يختلف كثيرًا عن نهايات الثمانينيات ليس أكثر من سوق خضار رخيصة، وفقراء فلسطين وسوريا متجاورون، فهو الممر بين دمشق وأحياء التضامن وبلدات الغوطة الشرقية، لذلك كان على هذا الشارع أن يدفع أكثر من سواه ضريبة الحرب اللعينة التي أكلت كل تاريخه السياسي والإنساني مع تقلب المسيطرين على حواريه من أكناف وأحرار وصولًا إلى رايات داعش السوداء.

لم يشفع لليرموك كل تاريخه في الاحتضان والثورة والملجأ فصار أرضاً خراباً واليوم يستغيث من بقي فيه من جديد

لم يشفع لليرموك كل تاريخه في الاحتضان والثورة والملجأ فصار أرضًا خرابًا، مرة بأيدي من انقسموا من أهله، ومرات بطائرات النظام التي لن تميز خطوات الشعراء ولا خطى المشيعين التي مشت باكية باتجاه مقبرة الشهداء.. وهكذا رحل المخيم مرات خلال السنوات البغيضة السبع، ومرات هاجر أهله مع أن أغلبهم فرّ مثل بقية السوريين إما بحرًا وغرقًا أو برًا باتجاه مخيمات اللعنات في لبنان الشقيق الصغير.

اقرأ/ي أيضًا: طلب انتساب إلى مخيم اليرموك

اليوم.. يستغيث المخيم من جديد، ثلاثة آلاف عائلة لا تزال في حواري الدمار، وتخشى الفعاليات التي نشرت نداء استغاثة مؤخرًا من تكرار موتى الحصار السابق الذي خلّف أكثر من مئتي شهيد مدني لا ذنب لهم سوى أن لا مكان لهم سوى المخيم.

شريان حياة المخيم الوحيد عند حاجز "يلدا" مغلق، وهو مصدر المواد الغذائية الوحيد لأهالي المخيم، وهذا ما أدى إلى فقدان السلع والمستلزمات الطبية وهذا يعني انهيارًا آخر سيجعل المخيم بؤرة أمراض وموت.

أن يستغيث المخيم.. أن يجوع أهله المحاصرون هذا يعني أن آخر شهقات الذكرى تخرج من بين حواريه.. وأن الرز المنثور على أجساد الشهداء والمشيعين لن يعود.

نداء استغاثة من أهالي مخيم اليرموك

 

اقرأ/ي أيضًا:

ذكرى "مسيرة العودة" من اليرموك إلى فلسطين

أبناء خان الشيح: أنقذوا مخيمنا