18-مايو-2017

فيستروفورو/ تشيلي

هذا المقال مترجم بتصرف من موقع صحيفة "غارديان" البريطانية، وهو عبارة عن دروس أكاديمية للروائي كولوم ماكان. اخترنا ألا تكون الترجمة حرفية من أجل قابلية إعادة صياغة الأفكار بالعربية من جديد. 


كيف تخلق شخصية من العدم؟

كما تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع؛ الحياة هي المعلم الأكبر، وعلى الكاتب أن يندمج مع المجتمع المحيط به ويراقب كل فعل وكل حركة وكل تفصيلة، بداية من البنية الجسدية للأشخاص، مرورًا بطريقة كلامهم ونطقهم للأحرف، لغة جسدهم، طريقة ارتدائهم للملابس، نظرات أعينهم، تحولاتهم النفسية، كل شيء، وبعض الكُتّاب يستعيرون شخصياتهم من واقعهم المعيش ومن حياتهم بشكل مباشر أو يستدعون شخصية تاريخية ما، قرأوا عنها، في كل الحالات تقع مسؤولية كبيرة على الكاتب في نسج حياة للشخصية التي قرر أن يوهبها الحياة.

رسم الشخصية أشبه بعلاقة حب ناشئة، لا تعلم عن حبيبك الكثير ولكن الأمور تتضح شيئًا فشيئًا

عملية رسم الشخصية هي عملية معقدة أشبه بعلاقة حب ناشئة، أنت لا تعلم عن حبيبك الكثير في البداية ولكن الأمور تتضح شيئًا فشيئًا، هكذا هو الأمر مع الشخصيات، لا يجب أن تكون واضحة من المشهد الأول، فلنعطِ المساحة للشخصية لعرض نفسها على المتلقي رويدًا رويدًا، وفي كل الأحول يجب جذب انتباه المتلقي والتأثير عليه لكي يتماهى مع الشخصية ويحبها أو على النقيض يكرهها، أو حتى يتعاطف معها.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تصبح كاتبًا مشهورًا؟ (1-2)

وقبل أن يخط الكاتب سطره الأول من الجيد أن يكون وصل إلى مرحلة متقدمة من رسم الشخصية في عقله، بحيث يمكنه رؤية الشخصية من لحم ودم عندما يغمض عينيه، يمكنه تلمسها، وسماع صوت ضحكاتها، ولثغاتها في حرف الراء أو السين.

 

بناء الحوار السليم: من الذي يتكلم؟ الكاتب أم الشخصية؟

أحيانًا يصعب على الكاتب أن ينحّي مشاعره الشخصية وآرائه وكلماته الخاصة من الحوار الذي يكتبه على لسان الشخصيات، وهنا قد يقع الكاتب في خطأ كبير، وهو أن الشخص المتحدث أصبح هو نفسه الكاتب، لا الشخصية الدرامية، التي من الممكن أن تكون على النقيض من الكاتب، أو حتى أن تكون الصورة المثالية التي كان يتمناها أو يرى نفسه فيها، لذلك يجب أن يتعامل مع الشخصيات الدرامية كأشخاص حقيقيين، لهم ما له من الإرادة الحرة، ولهم ما له من العادات الطيبة والخبيثة.

ومن الوارد أن لا ينتبه الكاتب إلى أن مهمة الحوار ليست نقل المعلومات سواء علمية أو تاريخية أو غيرها، أو أن يقع في فخ التعبير المباشر الساذج الصريح الذي يجعل الحوار ضعيفًا مهلهلًا، يقول الروائي الأسترالي بيتر كاري: "إن معنى الجملة المباشر هو مجرد رداء خارجي يحمل بداخله المعنى الحقيقي غير المباشر".

فتُرسل الأفكار المُرادة من خلال الحوار البسيط المنساب بسلاسة ومرونة بالغين وإتقان لغوي وإمتاع أدبي في الوقت ذاته، ولا تُلقى الأفكار في وجه المتلقي كالحجارة أو هي أشد قسوة.

 

كيف تجعل عملك الفني أو الأدبي محبوكًا؟

هناك جملة تقول إن بإمكان أي شخص حكي قصة طويلة جيدة، ولكن ليس كل شخص بإمكانه سرد القصة بأسلوب جذاب جميل يطرب الآذان، هذا بالتحديد المقصود بالحبكة، كيف تحكي قصتك بشكل ممتع وبلا أخطاء من شأنها هدم بنائك الدرامي.

لا توجد نهايات في الأدب، بل بدايات جديدة، فالقصص تتظاهر بالانتهاء بينما تستمر أحداثها في عقل القارئ

التركيز الزائد على حبكة القصة قد يأتي بنتائج عكسية بأن يجعل الموضوع مبالغًا فيه من حيث المثالية والجمال الزائد، الأمر الذي يعود بالسلب على العمل ككل حيث يخرجه من خانة المنطقية ويصبح العمل غير قابل للتصديق، اجعل الأحداث تسير بسلاسة دون تدخل فج أو غير منطقي، اجعل أفعال الشخصيات لها دوافع يمكن للقارئ رؤيتها بوضوح، حتى لا يتشكك ويحتار ويقع في تساؤل ما الدافع وراء الفعل الفلاني.

 

الخوف من الفشل

الفشل ليس بالأمر السيئ كما يتصور الناس، فالفشل هو الوجه الآخر للطموح وتطوير الذات والشجاعة وعدم الخوف من مواجهته مرة أخرى، الشجاعة الحقيقة أن تذهب بإرادتك الحرة إلى صندوق بريدك في انتظار جواب شكر ومدح لكتاباتك لكنك تجد خطابًا يرفض كلماتك ويستهجنها منتقصًا من قدرها، وفي اليوم التالي تذهب إلى نفس الصندوق وأنت تعلم جيدًا أنك ستُقابل بالذم والإهانة.

اقرأ/ي أيضًا: الترجمة في اللغة الكرديَّة: محاولة ردم الهوّة المعرفيَّة في زمننا الرّاهن

عندما تأتيك هذه الرسائل، يُنصح بألّا تمزقها وألّا تتجاهلها، احفظها جيدًا لأنها ستكون جزء من حنينك إلى الماضي الذي صنعك، الماضي الذي علّمك أن تنمّي من مواهبك لتصبح أفضل مما أنت عليه، الماضي الذي يجعلك تسعى لكتابة نص جديد أفضل من ذاك المنقوص.

يقول الكاتب المسرحي صمويل بيكيت: "لا يهم كم تحاول، حاول مرة أخرى، افشل مجددًا، ثم افشل بشكل أفضل".

 

لا يعجبك ما كتبت؟ مزقه واصنع غيره

قد يكتشف الكاتب في مرحلة ما من كتابة قصته، أنها ليست القصة المُرادة، لقد بذل مجهودًا صافيًا في الاتجاه الخاطئ، أو أنه لا يرضى عن سير الأحداث وعمّا خطته يداه، ويتساءل ماذا عليه أن يفعل الآن، أيستمر حتى النهاية ربما تأتيه لحظة إبداع خالصة تنتشله من هذه الحيرة، أم يدع الأمر ويبدأ من جديد، وماذا لو لم تأتيه أفكارًا إبداعية أخرى لفترات طويلة؟ هل هذا مؤشرًا على فشله؟

لا أحد يعرف متى يأتي الإلهام الحقيقي، كل ما عليك أن تجتهد وتسعى، وفي حال أنك لم ترضَ عمّا كتبت، فمزقه بكل بساطة وابدأ في غيره، أو احتفظ به من مبدأ الأمان لربما تراجع نفسك وتكتشف أنك كنت مخطئًا، وفي كل الحالات لا تتوقف أبدًا عن الإنتاج، لا أحد يعلم متى تحين اللحظة الإبداعية الخالصة ويجب أن تكون مستعدًا عندما تزورك.

 

اجعل كلماتك الأخيرة مميزة

صعوبة إنهاء القصة أو النص الأدبي بنفس صعوبة بدايته، لا تعلم ما النهاية المناسبة، تلتف حولك الحروف وتهرب الكلمات منك، تحتار بشدة في اختيار اللفظ المناسب والطريقة الأنسب لوداع القارئ.

فلتضع بحسبانك أن لا نهايات حقيقية، إنما هي بدايات جديدة، فالقصص تتظاهر فقط بالانتهاء بينما تستمر أحداثها في عقل القارئ، لذلك حاول قدر المستطاع أن تجعل نهايتك مميزة، لا تعيد أفكارك من جديد ولا تسعى نحو تلخيصها، لا توجه نصائحك الأخلاقية إلى القارئ، ولا تحدثه عن مغزى القصة ومعناهاه الخفي، لا تتفلسف وتتذاكى وتأخذ دور المعلم الناصح، فالقارئ ذكي، عاش معك الأحداث وتماهى معها وفهمها بطريقته، فلا تفسد ذلك عليه، اجعل النهاية بسيطة والوداع كحضن طويل لا يريد القارئ فقدانه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وحش "الكلام الفارغ".. أو لماذا صرت أخاف من الكتابة

فيروزة دوماس.. "خنده دار" بالفارسية