14-نوفمبر-2017

ترشح الأسود لمونديال 2018 طغى على الشأن المغربي هذا الأسبوع (فيسبوك)

يبدو أن المغرب تخلص أخيرًا من لعنة الهزائم في كرة القدم، التي ظلت تطارد "الأسود" منذ عقود، وذلك بعد أن تمكن المنتخب المغربي من تحقيق التأهل إلى كأس العالم 2018، في مباراة تاريخية مع فريق الكوت ديفوار، فاز فيها الأسود على الفيلة بهدفين لصفر، وهي النتيجة التي غمرت قلوب الجماهير المغربية بفرحة هيستيرية، تُظهر مدى تأثير هذه اللعبة الرياضية على الشعب المغربي، بشكل خاص وعلى الجماهير في العالم بشكل عام، بالرغم من كل الظروف المعيشية القاسية.

تحولت بعض احتفالات المغاربة بالترشح إلى مونديال كرة القدم في روسيا 2018 إلى أعمال شغب كما حصل في بروكسيل وباريس

كرة القدم كمتنفس للجماهير

في آخر أيام عام 1914، خلال أوج الحرب العالمية الأولى، قرر الجنود الألمان وخصومهم من جنود الحلفاء أن يتخلوا عن أسلحتهم ويعقدوا هدنة لمدة يوم واحد بعد شهور من الحرب بمناسبة عيد الميلاد، متجاهلين بذلك أوامر ضباطهم الأعلى رتبة بعدم الاقتراب من معسكر العدو. خلال يوم الهدنة ذاك استمتع الفريقان العدوان بلعب مباريات لكرة القدم كأصدقاء وسط أشلاء الجنود الموتى بمحيطهم.

وحدها كرة القدم فقط كانت قادرة على قطف لحظات من المتعة في بحر من المآسي، وهذا ما حصل في دول مختلفة، ويحصل أيضًا في المغرب منذ أيام قليلة، ففي الوقت الذي فيه تزداد الأوضاع المعيشية سوءًا وترتفع الأسعار وتتدهور خدمات الصحة والتعليم، وكذا تضاف ضرائب جديدة ويجري الحديث عن إمكانية تمديد سن التقاعد حتى 67 سنة، فضلاً عن استفحال الريع والفساد، تأتي مباراة تأهل المنتخب لكأس العالم لكرة القدم لتدخل فرحة عارمة في قلوب ملايين المغاربة، وسط كل الظروف الصعبة التي تحيط بهم.

فقد خرج في ليلة الانتصار الآلاف من المحتفلين إلى الشوارع بكافة المدن المغربية، مطلقين العنان لمنبهات السيارات والمفرقعات مع ترديد الشعارات الوطنية، بل ووصلت أصداء الفرحة إلى الجالية المغربية في أوروبا، حيث تحولت بعض الاحتفالات هناك إلى أعمال شغب، كما حدث في بروكسل وباريس.

كما غصّت الشبكات الاجتماعية بالمنشورات المحتفلة بهذا الإنجاز الكروي، فيما بادرت صفحات في فيسبوك بعرض المعلومات مبكرًا الخاصة بطرق السفر إلى روسيا، من أجل الراغبين في مساندة "الأسود" في تصفيات كأس العالم لكرة القدم، التي من المنتظر أن تنطلق يوم 14 حزيران/ يونيو 2018 في مدينة سانت بطرسبرغ.

وعبّرت فئة أخرى من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن امتعاضها من تحول كرة القدم إلى وسيلة لإلهاء الشعب المغربي عن مشاكله الحقيقية، غير أن عموم المغاربة يرون أن هذه اللعبة "الشيء الوحيد، على الأرجح، المتبقي في هذه البلاد، والذي يثير لحظات البهجة وسط الحياة اليومية القاسية، ويدغدغ المشاعر الوطنية، ولذلك فهم يستحقون هذه الفرحة".

اقرأ/ي أيضًا: كرة القدم.. دين ثانٍ في الشرق الأوسط

 

 

 

 

كرة القدم والسياسة

شغف الجماهير بكرة القدم على مستوى المعمورة يُستغل عادة من قبل الساسة حيث تتحول اللعبة إلى وسيلة إلهاء تصب في مصلحة السلطة

تحوز لعبة كرة القدم في المغرب اهتمام الجماهير الشعبية الأول بين كل الرياضات الأخرى، فبالرغم من النتائج المتواضعة التي تحققها الكرة المغربية قاريًا وعالميًا، ظلت كرة القدم تستقطب حب الشباب المغاربة، مثلما تكتظ المقاهي بمحبي مشاهدة مباريات البطولات الأوروبية والعالمية، وتمتلئ مدرجات الملاعب المغربية بالجماهير الغفيرة لمتابعة البطولة المحلية، إذ تمثل هذه اللعبة الرياضية بالنسبة للكثير متنفسًا لتفريغ إحباطات الواقع المعيشي وفرصة لاقتناص لحظات من المتعة بعيدًا عن بؤس السياسيين، فيما يجد البعض فيها مجالًا لتحقيق الذات، ولعل نفس الأمر ينطبق على كثير من بلدان العالم.

لكن البعض يرى أن شغف الجماهير بهذه اللعبة الساحرة على مستوى المعمورة يُستغل عادة من قبل الساسة، حيث قد تتحول كرة القدم إلى وسيلة إلهاء تصب في مصلحة السلطة، فتتسبب في تحريف الرأي العام عن مناقشة المشاكل الحقيقية للبلد والقرارات الخطيرة التي تقدم عليها الحكومات، وتدخل المجتمع في نوع من الخمول الجماعي لفترات محددة.

ويعزز هذا الاحتمال الطبيعة الساحرة لكرة القدم المؤثرة في الحشود، مما يجعلها منسجمة تمامًا مع سيكولوجية الجماهير، التي هي عبارة عن كتلة رهيبة من الحشود تتحرك بروح جماعية واحدة نحو ما يبهرها عاطفيًا، ولأن الحشود تميل بطبعها نحو التبسيط والانفعالات وتتجنب التفكير النقدي، كما يقول الكاتب الفرنسي غوستاف لوبون، فإن كرة القدم توفر فرصة لتوجيه الجماهير نحو ما ترغب فيه السلطة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كرة القدم.. الفن الثامن

حكام مصر بين القصور والملاعب.. القصة الكاملة (2-2)