17-أبريل-2018

كارمن ماريا ماتشادو

كارمن ماريا ماتشادو، كاتبة أمريكية صدرت مجموعتها القصصية الأولى (Her Body and Other Parties) عام 2017 ووصلت بها إلى العديد من الجوائز، حيث اختيرت للقائمة القصيرة في الجائزة الوطنية للكتاب في الولايات المتحدة، كما فازت بجائزة دائرة نقاد الكتب الوطنية عام 2017.

هنا ترجمة لحوار أجرته معها لورين كين من مجلة "ذا باريس ريفيو".


  • فلنقف قليلًا عند البدايات. ما الذي دفعك للكتابة؟

يمكن القول إن الكتابة كانت تشكل جزءًا أساسيًا من حياتي حتى في طفولتي. كانت عائلتي تقرأ لي كثيرًا، وبما أن جدي من كوبا، فقد ترعرعت حول الحكايات والقصص. لقد تعلمت القصص عبر ذلك التقليد المحكي وعبر القراءة أيضًا، وبمجرد أن كبرت وعرفت القلم بدأت بكتابة "الكتب" و"القصص" وإرسالها للناشرين. لقد اكتشفت وأنا صغيرة عنوان الناشر في مجموعة لقصص للأطفال، وأرسلت إليهم رسالة مع نصّ كتبته، وأخبرتهم بأن ذلك فصل من رواية أعمل عليها، وأنني على استعداد أن أرسل إليهم المزيد لو أعجبهم الفصل الأول.

كارمن ماريا ماتشادو: قد تكون بذرة القصة الأولى هي صورة أو فكرة، كما يمكن أن يحدث ذلك عند القراءة عن موضوع ما

كنت أكتب باستمرار، شعرًا ونثرًا. كنت في فترة ما أرغب بأن أصبح طبيبة، ولكن ربما كان ذلك لأنني كنت في تلك الفترة أقرأ الكثير من الكتب عن الأطباء. وحين كبرت أكثر، فكرت في العمل في الصحافة. ولكني كانت نفسي دومًا تعود بي إلى الكتابة. لقد كان ذلك هو الثابت الذي لا يتغير في حياتي، وربما كنت محظوظة لأني لم أكن أشعر بأني أتكلف الكتابة. ومع ذلك لم أقرر أنني أودّ فعلًا أن أكون كاتبة إلا مؤخرًا، بحيث صارت الكتابة جزءًا من كياني وهويتي، وليس على سبيل الشغف وحسب.

اقرأ/ي أيضًا: فيليب روث: حين أكتب فثمّة أنا، وحدي

  • هل وجدت كتاباتك الأولى أي تشجيع؟ وهل كان هنالك كتّاب أو كتب تركوا فيك أثرًا بوسعك أن تذكريه؟

طبعًا، لقد حظيت بالعديد من المعلمين والمعلمات، في مقدمتهم معلمة اللغة الإنجليزية في الصف العاشر، ماريلين ستاينبيرغ. كنت دومًا أشتكي من الكتب التي تفرض علينا قراءتها، وكانت لا تعجبني الاختيارات التي تضعها المعلمة في حصة اللغة الإنجليزية لأنه كان من بينها الكثير من روايات همينغواي، وكنت أكره هذا الرجل كرها شديدًا. لكن هذه المعلمة في أحد الأيام دخلت علينا بعدد من الكتب من مكتبتها الشخصية والتي اعتقدت أنها قد تعجبني، أذكر من ضمنها رواية "مئة عام من العزلة"، ورواية "Mama Day" وبعض أعمال هنري جيمس. فرجعت يومها إلى المنزل وبدأت بالتهام تلك الكتب الجديدة، وكدت أفقد عقلي من شدة ما عشقتها. أما في الجامعة فقد شاركت في عدد من المحاضرات وورش العمل عن الكتابة وكان لدي أستاذ رائع اسمه هارفي غروسينغر، وهو الذي أخبرني بأن كتابتي مثيرة للاهتمام وأنه يتأمل مني الكثير. ولم أنقطع عن التواصل مع هذا الأستاذ حتى بعد التخرج، إذ أرسل إليه بعض ما أكتب ويردّ علي دومًا بما لديه من ملاحظات وتعليقات. وفي أحد الأيام ذهبت إلى جامعة أيوا، وكان الجميع هنالك في غاية اللطف والكرم والذكاء، وتلقيت منهم كل تشجيع ودعم، وقد كنت محظوظة جدًا هناك.

  • كيف تولد أو تتشكل القصة في ذهنك؟

قد تكون بذرة القصة الأولى هي صورة أو فكرة، كما يمكن أن يحدث ذلك عند القراءة عن موضوع ما. أعمل حاليًا على مشروع جديد فيه الكثير من الإحالات التاريخية، وذلك فإني أعكف حاليًا على قراءة كل ما يتوفر بين يدي عن الموضوع، وحين أقع على تفاصيل تهمني أثناء القراءة أجد ذهني يتفاعل مع ذلك بشكل متسلسل- إذ يكون بوسعي أن أتصور مكان تلك المعلومة في بناء القصة التي أعمل عليها. لكن الأمر ليس سحرًا، كل ما في الأمر هو أن علي أن أكون منفتحة ومتيقظة لما يحصل حولي قدر الإمكان. لذلك فإن عقلي دومًا يفكر بأمر ما ألاحظه أو أقرأه. فحين أكتب أية قصة يكون هذا العقل يعمل ويدور باستمرار وأحاول الاستفادة من ذلك قدر الإمكان.

  • هل لك أن تطلعينا على الأمور التي تفكرين بها حاليًا؟

كنت أقرأ مؤخرًا عن قصة الآنستين موبيرلي وجورديان، وهي قصة حدثت في فرنسا نهاية القرن التاسع عشر. كانت امرأتان تسيران معًا وكلتاهما توهمتا أنهما قد رحلتا في الزمن، وأنهما رأتا ماري أنطوانيت في قصرها، حيث تجتمع مع سيدات يرتدين أفخم الثياب، وأنهما كتبتا كتابًا عن هذه الرحلة. اطلعت على العديد من النظريات التي تحاول تفسير ما جعل الآنستين تعتقدان أنهما حظيا بتلك التجربة. البعض يرى أنهما من سيدات المجتمع الفكتوري غير أنهما حانقتان على ذلك الواقع الخانق، وآخرون يرون أنهما إنّما دخلتا حفلة حقيقية يرتدي من فيها من النساء ملابس أنطوانية فصدمتا بما رآتا فيها. بينما يصف آخرون القصة بأنها حالة "هذاء ثنائي" مثليّة. لقد أحببت هذه القصة، فهي في غاية العجب وتتقاطع مع كثير من التفسيرات والنظريات، خاصة في الجانب الكويري، ما يعطي إمكانات تفسيرية واسعة. حين أرى أو أسمع عن شيء ما، وأجد أنّه يضيف جديدًا على ذهني، يتولد لدي شعور بضرورة أن أكتب عنه.

  • ما الذي جذبك إلى تلك المساحة بين الواقع والخيالي؟

إن هذا الاختيار يتوافق مع الطريقة التي أنظر بها شخصيًا إلى العالم، لكن بجرعة أعلى من الخيال. أنا لا أؤمن بالأشباح أو الملائكة، ولست مؤمنة بأي شيء متجاوز للطبيعة، ولكن تبقى لدي حساسية تجاه ما قد تكون عليه كما لو أنها أمور حقيقية. فأنا أطلق خيالي وأحفزه، وأشعر بأن حياتنا الواقعية لا تخلو من سريالية أصلًا. لذلك حين أكتب من تجاربي الشخصية، فأنا إنّما أعطي القصة جرعة خيال إضافية إلى جانب الخيال الذي لمسته فيها في الواقع.

كارمن ماريا ماتشادو: أنا حقًا مهتمة بالكتابة عن الجنس. ربما لأني أشعر بالرضا عما أقرأه حول هذا الموضوع، لأن الكثير منه دون المستوى

اقرأ/ي أيضًا: "حوارات لقرن جديد".. الروايات وأسرارها

  • هل تعتقدين أن لذلك علاقة بنشأتك كطفلة وأنت تستمتعين إلى القصص ممن حولك وانعكاس ذلك على خصوبة خيالك؟

بالتأكيد. حين كنت صغيرة كثيرًا ما كنت أعتذر إلى قطع الأثاث في غرفتي إن كنت سأخرج منها لفترة من الوقت، وأعلل لها بأني ذاهبة في رحلة ما وأنني سأعود إليها. أعتقد أنني كنت متأثرة ببرنامج للأطفال حينها اسمه (Pee-wee’s Playhouse)، وكنت أعتقد أن قطع الأثاث جميعها واعية من حولي وأنها قد تنتقم مني وتأكلني لو أغضبتها. وما تزال لدي هذه النزعة حتى الآن، رغم أنها قد تتلاشى عند معظم الناس، لأنهم ربما يتوقفون عن ممارستها. هذا الأمر مختلف لدى الفنان، ولاسيما الكاتب، إذ لا بد على الحفاظ على هذه المتعة في النظر إلى الأشياء من حولنا. إن كنت لا تملك ذلك، فلن تستطيع أن تبتكر أي شيء ممتع. فأنا حتى في حياتي اليومية وأنا خارج البيت أقوم ببعض الواجبات الروتينية، أجد أن هذه الحيوية حاضرة في النظر إلى ما حولي، وأجد في كل شيء قصة محتملة. وهذا أمر جيد، إذ يهوّن من أمر الكتابة، لأنه يساعدني على ألا أبتعد كثيرًا على ذلك الجو العجيب السريالي الذي يحيط بالقصص التي أحاول كتابتها.

  • تبرز ثيمة الجنس بكل وضوح في عملك وإن كانت لا تسيطر عليه بالمعنى السلبي. كيف تتناولين الجنس في كتاباتك؟

أنا بالفعل مهتمة بالكتابة عن الجنس. ربما لأني لا أشعر بالرضا عما أقرأه حول هذا الموضوع، لأن الكثير منه دون المستوى، بل قد يكون شنيعًا في كثير من الأحيان. أنزعج كذلك حين أجد الكتاب يتهيبون من الحديث عن اللذة، وأكاد لا أطيق قراءة المشاهد الحميمية التي تجعلك تشعر برداءة الموقف، وقد يتاح لك في أحيان نادرة أن تقرأ عن نشوة مترددة في مشهد ما. وكنت أرى دومًا أن ثمة فرصة للحديث عن الجنس دون التعامل معه كأمر بذيء. الشخصيات في قصصي يمارسون الجنس بحالات وظروف متعددة وبنتائج متباينة. أخبرني مرة أستاذ لي في جامعة أيوا واسمه ألان غورغانوس، وكان قد اختار واحدة من قصصي للحديث عنها في الفصل، وأعجبه ما كان فيها من حديث عن الجنس، ونصحني بأن أحرص دائمًا على عدم إنكار حق الشخصية في الجنس، وقد وجدت نصيحته ظريفة حقًا.

أحب كذلك التعامل مع الجنس كأمر يحدث بشكله الطبيعي. أردت أن يظهر الجنس في القصة دون ضرورة التعليق عليه أو تسويغه، إذ يكفي أن يكون جزءًا من القصة وحسب، جزءًا من حيوات الشخصيات، كما هي الحال في حياتنا اليومية. في قصصي شخصيات تمارس الجنس مع الرجال ومع النساء، وحرصت على تفادي التمهيد لها أو تفسيرها. فالأمر بسيط، ويفسر ذاته. البعض مثلًا يرى أن قصتي (The Husband Stitch) قصة إيروتيكية، ورغم حبي لهذا الفن، إلا أن هذه القصة لا تصنّف كذلك. فهي لم تكتب في سبيل الجنس، بل كان الجنس عنصرًا يخدم القصة.

  • وماذا عن الرعب؟ لقد لمست هذا الجانب بوضوح في معظم قصص المجموعة

الرعب أحد الأنواع الأدبية المفضلة لدي، لأنه بكل بساطة "مطواع" إن صح التعبير، مع أنه ما يزال نوعًا أدبيًا مثقلًا بالذكورة وملتصقًا بصورة الرجل الغربي الأبيض. لقد أسعدني النجاح الذي حققه فيلم "Get Out" هذا العام، ولكنه يبقى نجاحًا استثنائيًا بالمعنى السلبي للكلمة. يمكن في المقابل أن يمثل الرعب مساحة شديدة السيولة، إذ أنها تعكس العديد من مخاوفنا وأشكال قلقنا. حين نتطرق إلى الرعب فإننا نلج إلى أذهاننا نحن، ونسبر ما نعاني من تشوشات وخوف، ونصل إلى مساحات مظلمة في وجداننا. وحين يفشل استخدام الرعب يكون السبب فشل الكاتب أو المخرج في اللعب على هذه الجوانب، والاكتفاء بمشاهد الدماء والصدمة. أنا أرى في الرعب أمرًا لصيقًا بطبيعتنا، رغم الغرابة والترويع، وحين يقدم الرعب بشكل جيد، فإنه يكون قادرًا على تفكيكنا، سواء كان ذلك في فيلم أو قصة. ففي الرعب الكثير من الإضاءات على حقيقتنا، من نحن، وما الذي نخشاه، كأفراد أو كثقافة. يعجبني كثيرًا ما توفره القصص من مساحات يستطيع القارئ فيها أن يقتحمها بلا تردد. هذا هو نوع العمل الذي يثير اهتمامي وهذا ما أحاول كتابته.

  • لاحظت فيما تكتبين من مقالات تعبيرًا عن جانب فريد من الهشاشة، فهل هذا حاضر كذلك في قصصك؟

ربما في بعض القصص أكثر من غيرها. لقد بكيت حقًا أثناء كتابة بعض القصص، أو بالأحرى أثناء كتابة بعض أجزاء منها، لأني كنت حينها أقتحم شأنًا في غاية الحميمية والشخصية. ليس سهلًا أن أفصح عن هذا، لأني لا أريد أن أجنح في عاطفتي فيما أكتب، لذا تجدني أحاول أن أتجاوز ذلك عبر التجريب والمباشَرة.

كارمن ماريا ماتشادو: الرعب أحد الأنواع الأدبية المفضلة لدي، مع أنه ما يزال مثقلًا بالذكورة وملتصقًا بصورة الرجل الغربي الأبيض

اقرأ/ي أيضًا: بيلا تار: لا أريد أن أكون مخرجًا أحمق يكرر نفسه

وهذا بالتأكيد أمر صعب، وجزء من الصعوبة يعود إلى كوني شديدة الوعي بدوري ككاتبة، وهذا يجعلني أجد الخطورة مضاعفة عندما أضطر للحديث عما يعتريني من صعاب وذلك لأن ثمة افتراضًا مسبقًا عند الآخرين بأني رقيقة وهشّة، وهكذا تصبح الكتابة بطريقة تظهر ذلك كفيلة بترسيخ تلك الفكرة، وهذا أمر أعاني منه كثيرًا، أي في القصص التي أكتبها بطبيعة الحال، والتي أحاول رغم ذلك أن أحافظ على الأمانة العاطفية أثناء كتابتها. وهذا أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلي أيضًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد عبد النبي: لا أريد أن يُنظر إلى روايتي بعدسة سياحية

حجي جابر: أنا منحاز لإرتريا التي نتمنى