12-سبتمبر-2017

لقطة من الفيلم

منذ الأزل، انشغل البشر بسؤال الموت، كحقيقة مؤكدة لدى الجميع، ولكن اختلفت تفسيرات ذلك الحدث وتفاوتت التصورات عما يحدث بعده. الحضارات القديمة والمعاصرة اهتمت بتفسير معنى الموت، باعتباره آلية لفناء وجود الكائن الحي، وبعض الحضارات ذهبت إلى اعتباره انتقال الجسد من حالة إلى أخرى، بينما اعتمدت أغلب التفاسير الدينية على فكرة البعث، فليس هناك كائن فانٍ ينتقل من الوجود إلى العدم، بل إنه يحيا من جديد في عالم آخر، إما جنة وإما نار.

فيلم "Before I Fall" ليس فيلمًا "عميقًا" ولا يزعم تقديم إجابات حاسمة في قضايا "كبيرة" مثل الإيمان وفلسفة الموت والحياة

وعلى الرغم من تفسيرات الأوائل لفكرة الموت، وتبسيط فحواها، فإن أغلب البشر يخافونه ويرتعبون من مجرد ذكره وسط أحاديثهم. فيلم "Before I Fall" (قبل أن أسقط) يقدّم مقاربة مألوفة لفكرة التطهر بالموت دون إثم، أو الإيمان بالروحانيات التي تشكّل قيم الحياة المتسامحة، من خلال اعتماد تيمة أسطورية تكررت من قبل في السينما العالمية والعربية.

الخدعة تتمثل في تكرار أحداث يوم ما في حياة أحد الأشخاص، مصحوبة بدهشة الشخص وعدم تصديقه لما يحدث معه ومن حوله، وتأتي أسئلة من نوعية: لماذا لا ينتهي اليوم ويتغيّر عدّاد الشهر في الروزنامة المعلقة على حائط غرفته، فنفس اليوم يتكرر بنفس الأحداث ونفس التاريخ والتوقيت بالثانية.

اقرأ/ي أيضًا: كوميديا السينما المصرية.. نظرة على أجيال من الضحك

كيف يفعل فيلم "Before I Fall" ذلك؟ سامنثا كينجستون (زوي دويتش) فتاة مراهقة تحظى بحياة مثالية رفقة عائلتها في مجتمع صغير ومغلق شمال غرب المحيط الهادئ، محبوبة من الجميع، ولديها صديق مثالي، ويُتنبأ لها بمستقبل باهر.

في أحد أيام سامنثا، والذي يصادف يوم الفالانتاين، تستيقظ على صوت شقيقتها الصغرى، ثم تلتقي بصديقاتها الثلاث ليندسي وإيلي وميلودي في طريقهن إلى المدرسة الثانوية، وتراهن صديقاتها على شعبيتها في ذلك اليوم المميز من خلال توقع كمية الزهور والورود التي ستتلقاها من الشباب المعجبين بها. ذلك اليوم هو أيضًا الموعد الذي حددته الفتاة الجميلة للتخلي عن عذريتها والنوم مع صديقها روب (كيان لاولي).

يسير اليوم كالمعتاد، فتتلقى سامنثا الزهور، وتذهب إلى الحفل الذي ستلتقي فيه روب، ولكن تقتحم الحفل زميلتهم المنبوذة جولييت، التي سرعان ما سيهاجمها مَدعوو الحفل، خصوصًا الرباعي المنعزل من الفتيات، فتهرب جولييت عازمة على الانتحار، وفي أثناء عودة الفتيات بعد الحفل تنقلب سيارتهن، وهنا ستستيقظ سامنثا من النوم على صوت شقيقتها الصغرى مرة أخرى، ومن ثم تلتقي صديقاتها متجهات إلى المدرسة الثانوية في يوم عيد الحب، وتتكرر جميع الأحداث مجددًا على مرّ الأيام التالية.

من الفيلم

وكمن يحاول درء الضجر بعيدًا بتغيير مكان السرير الذي ينام عليه، سيتسبب ضيق سامنثا من تكرار الحدث اليومي في قرارها بتغيير ردود أفعالها، أملًا في الحصول على نتيجة مختلفة عما تواجهه يوميًا. تتطور الأحداث في فيلم "Before I Fall" مؤقتًا لتنفتح أمام سامنثا عوالم مختلفة تخصّ حياة صديقاتها وأفراد عائلتها، بالإضافة إلى اكتشافها حب زميلها دان، واكتشاف مدى "طهارة" روح زميلتها المنبوذة جولييت بعد أن استوقفتها في مرة من المرات المتكررة للحفل، لتجدها كائنًا نورانيًا مظلومًا، لا تستحق ما تلاقيه من تنمّر وعنف وعنصرية ضدها.

وعلى الصعيد العائلي، ستبدأ سامنثا في إحداث بعض التغييرات في معاملتها مع والديها وشقيقتها، لتجد أن هناك ما يستحق الحياة بعيدًا عن حلقة الراحة أو منطقة الإحساس بالأمان المتمثلة في مجموعة صديقاتها العابثات، بعد أن مرت بتجربة الموت مرارًا من خلال تكرار أحداث يومها.

باختصار، ستعيد سامنثا ترتيب حياتها في ضوء المعرفة الجديدة التي تحصّلت عليها بفعل التكرار، فستقدّر قيمة العائلة، التي بدونها تفقد كثيرًا من الشخص الذي هي عليه، وستكتشف مشاعر جديدة في أماكن غير مألوفة، وسيكون عليها التعامل مع حياتها بذلك الوعي الناشئ عن إدراكها المستجد.

 

فيلم "Before I Fall" ليس فيلمًا "عميقًا" ولا يزعم تقديم إجابات حاسمة في قضايا "كبيرة" مثل الإيمان وفلسفة الموت والحياة، ولكنه يطرح واحدة من القصص الروحية المثيرة التي تشغل عقول الكثيرين من البشر، اعتمادًا على رواية لورين أوليفر وسيناريو ماريا ماجينتي، التي قدمت مجهودًا مميزًا في توليف وإدخال أسطورة سيزيف، الموعود بالعذاب الأبدي، إلى متن قصة الفيلم.

تحكي الأسطورة الإغرقية عن سيزيف أو "سيسيفوس"، أنه كان أحد أكثر الشخصيات مكرًا، حتى إنه خدع إله الموت ثاناتوس، وهو ما أغضب كبير الآلهة زيوس، فعاقبه بأن جعله يحمل صخرة على ظهره من أسفل الجبل إلى أعلاه، وكلما شارف على الوصول لقمة الجبل تدحرجت الصخرة إلى الوادي، ليعود إليها ويرفعها من جديد إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمزًا للعذاب الأبدي المتكرر.

المخرجة راي روسو يانغ قدّمت في Before I Fall تجربة ستؤهلها للدخول في عالم هوليوود لتحظى ببعض الإنتاج الضخم في مشروعها القادم

سيزيف هو الاسم نفسه الذي يقوم المعلم بترديده في جميع المرات التي حضرت فيها سامنثا الدرس عن "نظرية الفوضى"، كنوع من التمهيد للأحداث الدرامية التالية.

حضرت أسطورة سيزيف من قبل في السينما، ربما أشهرها ما قدمه بيل موراي خلال فيلم Groundhog Day للمخرج هارولد راميس، والذي يدور في مثل تلك الأجواء غير المفهومة من تكرار الأحداث اليومية لمذيع النشرة الجوية الذي يواجه اليوم نفسه كل يوم.

فيلم آخر تتشابه فكرته مع فيلمنا، هو الفيلم السيريالي The Exterminating Angel للإسباني لوي بونويل وبطولة سيلفيا بينال، حيث يجد مجموعة من المدعوين على حفل عشاء أرستقراطي أنفسهم غير قادرين على مغادرة منزل المستضيف، وعلى مدى الأيام التالية تتكرر الأحداث مجددًا وكأنها تحدث للمرة الأولى.

عربيًا، وجدت الفكرة مساحة لها في الفيلم المصري "ألف مبروك" (2009) للمخرج أحمد نادر جلال، وبطولة أحمد حلمي، حيث يستيقظ الشاب أحمد جلال صباح كل يوم، ليمر بعدة مواقف مختلفة، ثم يموت في منتصف الليل تمامًا، ويستيقظ صبيحة اليوم التالي، ليجد فجأة أنه يعيش نفس اليوم الذي قضاه أمس.

ربما تجد أن أبطال الفليم من المراهقات، وربما يعتقد كثيرون أن فيلم "Before I Fall" موجه لشريحة معينة من المشاهدين الصغار، لكن يتضح مع تطور الأحداث أن أفكار الوجود والموت والحياة ما هي إلا أفكار تدور بعقول البشر جميعًا، بصرف النظر عن أعمارهم.

ربما يعتقد كثيرون أن فيلم Before I Fall موجه للصغار، لكننا ندرك جيدًا أن أفكار الوجود والموت والحياة تدور بعقول البشر جميعًا

المخرجة راي روسو يانغ قدّمت في رابع أفلامها الروائية الطويلة تجربة ستؤهلها للدخول في عالم هوليوود لتحظى ببعض الإنتاج الضخم في مشروع قادم، وأغلب الظن أن محبي "Before I Fall" سيكون غالبيتهم من الشباب والمراهقين من الذين تذيبهم تلك القصص الحافلة بالحكايات والتويستات وبعض الوعظ الحياتي غير الديني.

لكن هذا لا يمنع إيفاء المخرجة حقها في تحسين أداء شخصيات فيلمها، بتطوير ردود أفعالها ومشاعرها طبقًا للأحداث المحيطة بهم، إذ تمكنت من التقاط الانفعالات المناسبة على وجوه المراهقات الصغيرات، واستطاعت إبقاء الفيلم مترابطًا رغم مشاهده المتفرقة والمتكررة ونظيرتها المستجدة من مشاهد الاكتشاف وتصحيح وجهة نظر البطلة سامنثا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سينما رأفت الميهي بين فانتازيا الحياة في مصر وتحديات الإنتاج

6 من أبرز من مثلوا شخصية "الجوكر" في عالم السينما